تتحدث الحكومة عن الفساد هذه الأيام, وهناك تقرير صادر عن وزارة التنمية الإدارية يصف أكثر من 70% من موظفي الحكومة بالفساد, وأنهم يتقاضون رشاوى وهدايا وأموالا لتسهيل مصالح المواطنين. في كل الحالات الحكومة وحدها لا تستطيع محاربة الفساد حتى وإن شكلت لجانا وأصدرت قوانين وأنشأت المزيد من الأجهزة لمحاربة الفساد. المطلوب هو تعاون المواطن في هذه المعركة الشرسة.
يتحقق ذلك, كما حدث في العديد من دول العالم, من خلال:
1- منظمات المجتمع المدني التي تؤدي دورا في مكافحة الفساد مثل منظمات الشفافية الدولية. في مصر هذه المنظمات لا تزال ناشئة ضعيفة تعوزها البيانات والمعلومات في مناخ لا تسوده الشفافية الكافية, فضلا عن أنها لا تمتلك الكفاءات والخبرات الإدارية والتنظيمية التي تساعدها على أداء دورها, وتنتظر دعما ماليا ضخما, وهو ما يضعها تحت رحمة التمويل الخارجي في أحد الملفات المهمة المتعلقة بالنزاهة السياسية في المجتمع.
2- حق المواطن في الشكوى، والبحث عن حلول مرضية لشكواه بدلا من اللجوء إلى التقاضي الذي يربك مؤسسات العدالة, ويحملها بما ليس لها طاقة به. في الدول الإسكندينافية, ومنها انطلق إلى دول أخري, جهاز يسمي الأمبودسمان – وهي كلمة سويدية تعني المحامي, وهو جهاز يتلقى شكوى المواطن, يحقق فيها, ويحصل على المعلومات المتعلقة بها من الجهة الحكومية المشكو في حقها. وبعد دراسة وبحث يصدر توصية ملزمة إما بتصحيح الخلل برد الحق المسلوب للمواطن, أو تقرير عدم أحقية المواطن في شكواه. هذه خطوة أولية لغربلة المشكلات قبل الوصول إلى القضاء. حاول الرئيس السادات محاكاة هذه التجربة من خلال جهاز أنشأه حمل اسم ديوان المظالم, الذي لم يصمد طويلا بعد أن تحولت الجهة الإدارية إلى خصم وحكم في آن واحد, تتسلم شكوى المواطن وتبت فيها. وعادة ما يكون البيروقراطي على حق. نحن بحاجة إلى مثل هذا الجهاز, حيث يمكن للمواطن العادي البسيط رقيق الحال من شكوى الحكومة. هناك في كل مصلحة حكومية صناديق للشكاوى ولكن ما الفعالية. والدليل على ذلك أن الصحف متخمة بمئات الشكاوى, ورغم ذلك يتجاهل بعض المسئولين الرد عليها.
3- الحق في المعلومة شرط ضروري لتحقيق المساءلة والشفافية, هذه ليست فقط حقا للصحفي أو الباحث, ولكنها حق للمواطن العادي, الذي سوف يعلي الدستور من شأن المواطنة في مادته الأولى بعد التعديل. البداية تكون بإصدار كتيبات ولوحات استرشادية ومواقع إنترنت, وكل ما من شأنه تعريف المواطن بحقه. بعض الوزارات دخلت هذه المرحلة, والبعض الآخر لا يزال يدار بعقلية الديوان الحكومي. المواطن يجب أن يعرف, وعندما يعرف سوف يحاسب الجهة الإدارية إذا قصرت في حقه, ولكن إذا كان لا يعرف فإنه قد يقع فريسة للابتزاز, وأحيانا يضطر إلى دفع الرشوة للحصول على حقه.
إذا شعر المواطن أن شكواه تجد من يسمعها, وحقه في المعلومة, وأنه يجد من يحترمه, وأن صوته له وزن.. بالتأكيد سوف يكون طرفا إيجابيا في المعركة ضد الفساد. ولكن المشكلة أن المجتمع يتعامل مع المواطن العادي على أنه بلا وزن.