سيقرّر شعب البحرين وممثلوه وأحزابه موقفهم من تقرير “لجنة تقصّي الحقائق المستقلة”، الذي بدا لنا منصفاً وموضوعياً وغير متواطئ مع السلطات. وباستثناء اللجنة التي شكّلها ملك المغرب الحالي لكشف ما جرى في عهد والده الحسن الثاني، فهذه أول مرة تشكّل فيها سلطة حاكمة لجنة “مستقلة” للتحقيق في أحداث قريبة العهد ولم تندمل جروحها بعد. وقد أبدى الملك حمد شجاعة وحكمة بـ”قبوله” لتقرير اللحنة.
طبعاً، سترفض التقرير جماعات بحرينية وستقبله جماعات بحرينية أخرى. هذا شأن بحريني.
أما بالنسبة للأطراف “غير البحرينية” التي سترفض التقرير وتعتبره “فرصة” للتنديد بالسلطة، فلا بدّ من التذكير بأن شعب إيران ما يزال بانتظار تقرير “لجنة تقصّي حقائق مستقلة” عن الجرائم التي ارتكبها نظام خامنئي-نجاد بعد انتخابات 2009 المزوّرة.
وأن الشعب اللبناني ما يزال ينتظر تقرير “لجنة تقصيّ حقائق مستقلة” عن الجرائم التي ارتكبها حزب الله وحركة أمل والحزب القومي وشركاؤهم في “غزوة بيروت 2008” التي سقط فيها 120 قتيلاً لبنانياً (46 قتيلاً في أزمة البحرين)!
هل استخدم الحزب “القوة المفرطة” (مثلما فعلت السلطات الأمنية البحرينية) لـ”قمع حكومة لبنان وشعبه” في العام 2008؟
أم أن للقمع “الإلهي” طعماً آخر؟
(كلمة أخيرة لا بدّ منها: كنا نتمنّى لو أن موقع “العربية” على الإنترنيت لم ينحدر إلى مستوى وضع عنوان” “لجنة تقصي الحقائق في البحرين: المتظاهرون استهدفوا “أهل السنّة””! حقاً أن التقرير يتضمّن هذه الواقعة، ولكن إيراد هذه النقطة كـ”عنوان” للتقرير يدخل في باب التحامل، حتى لا نقول “التزوير” و”التحريض الطائفي”!
الشفاف
*
وكالة الصحافة الفرنسية- اكد تقرير لجنة تقصي الحقائق المستقلة حول قمع الاحتجاجات في البحرين ان السلطات الامنية استعملت القوة المفرطة وغير المبررة ضد المحتجين، كما تمت ممارسة التعذيب بشكل متعمد بحق معتقلين ما تسبب بحالات وفاة.
وكما خلص التقرير الى ان لا دليل على علاقة واضحة لايران بالاحتجاجات او على ضلوع القوات الخليجية التي ارسلت الى البحرين في اي تجاوزات تمس بحقوق الانسان.
وقبل عاهل البحرين هذا التقرير ووعد باصلاحات وبمحاسبة المسؤولين عن التجاوزات.
وقال رئيس اللجنة شريف بسيوني خلال مراسم الاعلان عن التقرير الاربعاء في المنامة بحضور الملك حمد بن عيسى ال خليفة ان السلطات “لجأت الى استخدام القوة المفرطة وغير الضرورية” بما في ذلك بهدف “بث الرعب” خلال الحركة الاحتجاجية التي قادها الشيعة، وهم يشكلون غالبية سكان المملكة.
كما اكد التقرير ان التعذيب مورس على المعتقلين بشكل “متعمد” بهدف “انتزاع الاعترافات” او “للعقاب والانتقام”، مشيرا الى ان خمسة اشخاص قتلوا تحت التعذيب.
وذكر التقرير ان الاحداث التي اندلعت في 14 شباط/فبراير اسفرت عن 35 حالة وفاة بينهم 30 مدنيا وخمسة عناصر من الاجهزة الامنية. كما قتل 11 شخصا اضافيا في الاشهر التي تلت شهري شباط/فبراير واذار/مارس، وهي النطاق الزمني التي انحصرت فيها مهمة لجنة تقصي الحقائق.
الا ان بسيوني قال ان هذه الممارسات تمت “خلافا لاوامر قمة الوزارة” و”بالرغم من وجود تعليمات سارية لم تنفذ”.
وذكر ان حالات التعذيب شكلت “ممارسة متعمدة تهدف في بعض الحالات الى انتزاع اعترافات في حالات اخرى الى العقاب والانتقام من اشخاص آخرين”.
كما اشار الى ان السلطات استخدمت هذه الاعترافات في المحاكم الخاصة والعادية.
ومن الانتهاكات التي اشار اليها التقرير تنفيذ اعتقالات من دون ابراز امر القبض واقتحام رجال امن ملثمين لمنازل المطلوبين خلال ساعات متأخرة من الليل، اضافة الى استغلال حالة السلامة الوطنية، اي الطوارئ، لتوقيف اشخاص لفترات طويلة وصلت الى شهرين من دون توجيه اتهامات ومن دون تامين التمثيل القانوني اللازم للموقوفين.
كما ندد التقرير ب”توقيت” هدم 30 مسجدا شيعيا في الفترة التي تلت الحركة الاحتجاجية بالرغم من ان خمسة مساجد منها فقط تتمتع بوضع قانوني.
واعتبر بسيوني انه “كان على حكومة البحرين ان تأخذ بعين الاعتبار التوقيت” مشيرا الى ان “عدم المراعاة (تسببت بان) ينظر الى حالات الهدم كعقاب جماعي …للشيعة”.
كما اكد التقرير تسجيل مئات حالات فصل اشخاص من وظائفهم ومنع طلاب من متابعة دروسهم.
ومن جهة اخرى، اقر التقرير ايضا بتعرض مواطنين من الطائفة السنية لهجمات من قبل “افراد” بسبب موالاتهم للحكومة.
وقال بسيوني في كلمته “تحصلت اللجنة على ادلة كافية تثبت انه كان هناك استهداف لابناء الطائفة السنية من قبل متظاهرين اما بسبب الولاء للنظام او الانتماء لطائفة”.
كما تعرض بحسب التقرير عمال وافدون، لاسيما باكستانيون، لاعتداءات من هذا النوع.
وعلى الصعيد السياسي، اكدت اللجنة في تقريرها انه لا توجد ادلة على دور واضح لايران في هذه الاحتجاجات او على حصول تجاوزات لحقوق الانسان ارتكبتها قوات درع الجزيرة التي ارسلتها دول مجلس التعاون الخليجي تزامنا مع قمع الاحتجاجات.
وقال بسيوني “لم تكشف الادلة المقدمة الى اللجنة بشان دور الجمهورية الايرانية في الاحداث الداخلية في البحرين عن علاقة واضحة بين الاحداث المعنية ودور ايران”.
واضاف “كما لم تعثر اللجنة على اي دليل يشير الى ارتكاب اية انتهاكات لحقوق الانسان منذ تواجد قوات درع الجزيرة بداية من 14 اذار/مارس حتى الآن”.
واشاد التقرير بجهود ولي العهد الامير سلمان بن حمد للحوار والتوصل الى حل سلمي للازمة.
وقال بسيوني “على الرغم من الجهد المضني الذي بذله (ولي العهد) لم تتكلل جهوده بالنجاح … ولو قبلت اقراحاته في حينها (من قبل المعارضة) لمهدت الطريق الى اصلاحات كبيرة”.
من جهته، اكد ملك البحرين في كلمته ان هذا التقرير “يمنح بلادنا فرصة تاريخية للتعامل مع اهم المسائل واشدها الحاحا”.
واكد ان “المسؤولين الذين لم يقوموا بواجبهم سيكونون عرضة للمحاسبة والاستبدال”.
وحول ما توصل اليه التقرير عن عدم وجود ادلة لضلوع ايران في احداث البحرين، قال الملك حمد ان “حكومة البحرين ليست في وضع يمكنها من تقديم ادلة على الصلات بين إيران واحداث معينة في بلدنا هذا العام”.
لكنه ندد ب”الهجمة الاعلامية” من قبل قنوات ايرانية.
واعتبر ان هذه “الهجمة حقيقة موضوعية يلاحظها كل من يفهم اللغة العربية، وهي تشكل تحديا مباشرا ليس فقط لاستقرار وسيادة وطننا فحسب بل تهديدا لأمن واستقرار كافة دول مجلس التعاون”.
واعرب الملك عن الامل في ان “تعيد القيادة الايرانية النظر في مواقفها بترك السياسات التي تؤدي الى العداء والفرقة”.
ووعد الملك حمد باصلاحات ترضي “كافة اطياف” المجتمع من اجل تحقيق المصالحة بعد الاحتجاجات التي شهدتها المملكة.
كما اعرب الملك البحريني في كلمته بمناسبة الكشف عن تقرير لجنة تقصي الحقائق المستقلة حول قمع الاحتجاجات، عن “الاسف والالم” لمعرفة ان تجاوزات قد ارتكبت بالفعل بحق محتجين ومعتقلين.
وقال الملك حمد “سنضع وننفذ الاصلاحات التي سترضي كافة اطياف مجتمعنا، وهذا هو الطريق الوحيد لتحقيق التوافق الوطني ومعالجة الشروخ التي أصابت مجتمعنا”.