القاهرة
زائر القاهرة في هذه الأيام يعيش حالة من الشعور بالأمل والفرح والسعادة لدى كل من يراه في الشوارع والطرقات والساحات والمطاعم والفنادق. فالمصريون يشعرون بأنهم ولدوا من جديد بعد فترة طويلة من الظلم والاستبداد والقهر والاهانة، وهم اليوم يبحثون عن مستقبل بلدهم ودور مصر العربي والاسلامي والدولي. ورغم أن معظم من تلتقيهم في مصر من سياسيين أو مفكرين أو اعلاميين أو حتى من افراد الشعب العاديين، يؤكدون حجم التحدِّيات والمشاكل والصعوبات التي تواجهها مصر بعد الثورة، فإن ذلك لا ينفي ان الجميع يؤكدون السعادة والأمل بالمرحلة الجديدة بعد ثورة 25 يناير.
زيارة القاهرة كانت من ضمن وفد مؤسسة الامام الحكيم برئاسة أمينها العام السيد علي الحكيم، حيث جرى اللقاء مع عدد من القيادات الاسلامية المصرية ومسؤولي مراكز الدراسات والأبحاث، كما عقدت لقاءات حوارية مع مفكّرين وباحثين واعلاميين مصريين يمثلون وجهات نظر سياسية وفكرية متنوعة. وتضمنت الزيارة لقاء مع المرشد العام للاخوان المسلمين الدكتور محمد بديع وبعض قيادات حزب الحرية والعدالة، ومع بعض الشخصيات المصرية المرشحة لرئاسة الجمهورية، وزيارة مركز الدراسات الاستراتيجية والمستقبلية، ومركز الدراسات الحضارية في جامعة القاهرة وساقية الصاوي الثقافية، وإن كانت الزيارة لا تكفي لتكوين صورة كاملة ومفصلة عن التطورات المصرية، لكنها تقدم بعض الأجواء الهامة لما جرى وما يجري وما يمكن ان يحدث في المرحلة المقبلة.
فما هي الانطباعات التي يمكن ان يكوِّنها زائر مصر في هذه الأيام؟ وما هي أبرز التحديات والهموم التي يواجهها المصريون، في المرحلة الحالية أو على الصعيد المستقبلي؟
انطباعات أوليّة
لا بدّ في البداية من التأكيد ان زائر مصر اليوم يشعر بأن هناك مرحلة جديدة يعيشها المصريون، فكل من تلتقيه يؤكد لك ان مصر ولدت من جديد، وانه لم يكن أحد يصدق ان نهاية النظام السابق ستكون بهذه السرعة، أو أنه كان يحلم بأن يرى الرئيس السابق حسني مبارك وزوجته وحاشيته في السجن ويجري الكشف عن حجم الفساد والظلم الذي زرعوه، او يعود مقر «الاخوان المسلمين» للعمل بشكل علني فوق جبل المُقطم.
اجواء الحرية والنقاش تطال كل شيء، من الدولة المدنية الى الدستور الجيد والانتخابات النيابية والرئاسية ومستقبل دور مصر ودور الاحزاب وقوى المجتمع المدني. والشعور بالأمل والسعادة لا يعني ان المصريين لا يدركون حجم التحديات والمشاكل، فأجهزة النظام السابق لا تزال موجودة في الادارات والمؤسسات المختلفة ولا يمكن التخلص منها بسرعة، والهموم المعيشية والاجتماعية والاقتصادية كبيرة، والخوف من الفتنة الطائفية ومن بعض الفلتان الأمني لا يزال قائماً، رغم انه حصل تقدم كبير في ضبط الأوضاع الأمنية وعودة الاستقرار والاطمئنان الى معظم المناطق المصرية.
لقد سقط حاجز الخوف والقمع، والناس اصبحوا يفكرون بصوت عال، والاضرابات والتظاهرات مستمرة سواء لإعلان مواقف سياسية او للمطالبة برفع الاجور او تحقيق بعض المطالب الأخرى.
ويدور اليوم صراع سياسي قوي بين عدة اتجاهات مصرية حول عنوان اساسي: «الدستور أولاً» أو «الانتخابات»، ففيما تدعو بعض الأحزاب والائتلافات الشبابية التي شاركت في الثورة الشعبية الى وضع دستور جديد قبل اجراء الانتخابات النيابية والرئاسية، تؤكد قوى أخرى ولا سيما «الاخوان المسلمون» والسلفيون والاحزاب التاريخية كحزب الوفد ضرورة اجراء الانتخابات النيابية وتشكيل لجنة لوضع دستور جديد واجراء الانتخابات الرئاسية ما دام الشعب قد وافق على التعديلات الدستورية. لكن قوى اخرى من الناشطين على الصعيد السياسي ترى ان المهم اليوم بناء المجتمع المدني وتقويته لاننا من خلال ذلك نستطيع حماية الثورة وتحقيق اهدافها.
وتعيش مصر اليوم حالة من التجاذب السياسي حول كل هذه المواقف، اضافة الى النقاش الذي فتحه الأزهر الشريف عبر وثيقته الهامة حول الدولة المدنية والدولة الدينية، كما قدَّم المرشح الرئاسي الدكتور محمد البرادعي وثيقة فكرية – سياسية بدأت تأخذ دورها في النقاش ايضاً.
دور مصر الحضاري
لكن من أهم المصطلحات التي يسمعها زائر مصر اليوم ما تقوله رئيسة مركز الدراسات الحضارية في جامعة القاهرة الدكتورة ناديا المصطفى في دراسة اعدتها تحت عنوان «ثورة 25 يناير الشعبية ودور مصر الحضاري»، فتحت هذا العنوان تدخل كل الآمال والطموحات الجديدة للشعب المصري وقواه السياسة والحزبية والمؤسسات والمراكز البحثية والثقافية، فالجميع يجمع على اهمية عوة دور مصر الحضاري والفكري والسياسي والاستراتيجي بعد ان ادت السنوات الماضية الى تراجع هذا الدور.
وان كان العديد من القيادات المصرية يؤكد ان مصر لا يمكنها وحدها ان تعمل لنهضة الواقع العربي لانه لا بد من ان تتعاون مع قوى ودول اخرى، فعلى الصعيد العربي لا بدّ من التعاون مع دول عربية اخرى كالعراق، اما على الصعيد الاسلامي والاقليمي فلا بد من التعاون مع تركيا وايران.
وقد اكد رئيس الوزراء المصري الدكتور عصام شرف اهمية تعزيز دور «الدبلوماسية الشعبية لتطوير دور مصر»، فيما تحدث وزير الخارجية الجديد الاستاذ محمد العرابي عن «دور القوة الناعمة في سياسة مصر الجديدة».
كما ان القوى السياسية المصرية ولا سيما الاسلامية منها تؤكد حماية الوحدة الاسلامية ومنع الفتن الطائفية وتقديم مشروع اسلامي سياسي جديد يأخذ في الاعتبار المتغيرات والتطورات.
ولا يغيب الوضع اللبناني والسوري عن النقاشات في مصر، فمعظم من تلتقيه يسأل عن التطورات في سوريا وانعكاساتها على الوضع اللبناني وموقف «حزب الله» مما يجري وكيفية مواجهة التحديات المختلفة.
إذن، تضج مصر اليوم بكل جديد والنقاشات تطال كل شيء والاسلاميون المصريون امام تحديات كبيرة لأنهم خرجوا الى الضوء ومن مسؤولياتهم ازالة الكثير من الالتباسات حول مواقفهم، ولا سيما «الاخوان المسلمون» و«السلفيون» ولا بدّ ان يقدموا نموذجاً سياسياً واجتماعياً وحزبياً جديد يبعث الطمأنينة في نفوس المصريين. فهل تنجح التجربة المصرية الجديدة؟ هذا ما يتمناه المصريون وكل من يحب مصر ويأمل عودتها «لدورها الحضاري الكبير».
kassem_1960@hotmail.com
* كاتب لبناني
مجلة الامان-1تموز 2011