في انتظار أن تنجلي النتائج السوريّة لأنابوليس، وأن يُبتّ انتخاب ميشال سليمان لرئاسة الجمهوريّة اللبنانيّة، يمكن القول إن المعارضة اللبنانيّة – الإقليميّة لحكومة فؤاد السنيورة أشبه بهرم وظيفيّ. في ذروة الهرم تجلس إيران وسوريّة، بقليل من التنافس وقليل من التدافُع بين وقت وآخر، علماً بأن التطوّرات الأخيرة قد توسّع بينهما التنافس والتدافُع. وتحت هذه السويّة يجلس «حزب الله» وحوله بعض الأحزاب الجهازيّة وشبه الجهازيّة. والعلاقة بينهما، بدورها، لا تخلو من تنافس وتدافُع موسميّين قد يكبران هما أيضاً. غير أن ما يمكن قوله، حتى الآن، إنهما معاً يلتحمان عند خدمة رأس الهرم ويتكاملان. وتحت «حزب الله» يجلس «المتفاهم» معه ميشال عون، ورقة اللوتو التي كسبها الحزب، والتي وفّرت له مدى وطنيّاً يتجاوز به مداه الطائفيّ، تماماً كما وفّر الحزب لدمشق وطهران لبننةً تكسر حدّة خارجيّتهما. وتجلس تحت ميشال عون قاعدة مسيحيّة عريضة تنزع عن سلوك الجنرال طابعه الفرديّ وطموحه النزق والهيوليّ، فتقدّمه في هيئة موقف موضوعيّ لمسيحيّي لبنان.
وإذا صحّ التخطيط هذا جاز القول إن القاعدة المسيحيّة تلك ضمانة السياسة السوريّة – الإيرانيّة الأولى في لبنان، وهي شرطها في آن. وهذا من السهل القول إنه علامة استلاب المسيحيّين اللبنانيّين الذين لا يدرون ماذا يفعلون، ولا يستوقفهم للحظةٍ أن ما يفعلونه هو، بالضبط والتحديد، عكس مزاجهم وحساسيّتهم ومصالحهم.
لكن من يستلب نفسه بنفسه يكون مأزوماً حقّاً، ترقى أزمته الى سوء تفاهم عميق مع العالم المحيط، بقدر ما تنمّ عن شعور عميق بالضياع تعدّدت مصادره وتعبيراته. فإذا ما تجسّدت التعبيرات في دور عون نفسه، وفي رئاسة لحّود، فضلاً عن الشغور الحاليّ للمنصب الرئاسيّ وموقع المسيحيّين الثانويّ نسبيّاً في التحالفين العريضين لـ8 و14 آذار، تبقى مصادر الأزمة أعقد على الحساب. فهنا يلتقي التهميش الشهير لعهد الوصاية، والحروب المسيحيّة التي كان عون ألمع أسمائها، والتحوّلات الديموغرافيّة والهجرة التي انفجرت في الثمانينات ولا تزال تتواصل، ناهيك عن ضعف التسيّس في البيئة المسيحيّة عموماً.
ولئن تكفّلت العوامل المذكورة مجتمعةً بإيصال المسيحيّين الى ما هم عليه الآن، وتحويلهم قاعدة الارتكاز الأهمّ لاشتغال «المحور» السوريّ – الإيرانيّ في لبنان، بقي عامل آخر مسكوت عنه وراء هذا الدور المقلوب.
ففي محيط تجنح أكثريّته الى التمسّك بـ «هويّتها» الدينيّة والمذهبيّة، وتندفع فيها الى مصاف أصوليّ، قليل التسامح أو عديمه، وحَرفيّ التأويل للنصّ المقدّس، لا يُتوقّع من أقليّته إلاّ اكتشاف طريقها الموازية الى الجنون. فهل يعقل في زمن كزمننا أن يتصرّف المسيحيّون، وهم طوائف بعد كلّ حساب، على نحو مغاير لتصرّفهم الراهن؟
يقال هذا للتنبيه إلى بُعد غالباً ما يقفز اللبنانويّون، أي المتمحورون حول ذات لبنانيّة مطلقة، فوقه. فالحال أنه كلما ذهب بعيداً ذاك التردّي الأكثريّ، في المحيط، لاقاه التردّي الأقليّ، في لبنان، في منتصف الطريق. لكنْ إذا كانت الأكثريّات تملك ترفاً مدمّراً كهذا، فإن الأقليّات، على ما تقول تجاربها العديدة، لا تملكه. ذاك أن انحطاطاً كهذا يتاخم الزوال، في حال الأقليّة، كما يستدعي تفكيراً إبداعيّاً بقدر ما هو وحدويّ، وعقلانيّاً بقدر ما هو رحب.
وفي المعنى هذا، يتحوّل بؤس المسيحيّة اللبنانيّة دليلاً حاسماً على أزمة المنطقة وقابليّاتها للتعايش. لكنه، في الآن نفسه، يمعن في إضعاف تلك القابليّات ويمنحها «المبرّرات» التي تبحث عنها «هويّات» متشنّجة وجائرة.
فهل ثمة مسلمون لبنانيّون يكسرون هذه الحلقة الوسيطة بين بلدهم وأسوأ ما في المنطقة، وهل ثمة مسيحيّون ينتجون استجابة غير عونيّة للتّحدّيات التي تقابلهم وتواجه سائر اللبنانيّين؟
الحياة
المسيحيّون وهرم المعارضة اللبنانيّة – الإقليميّة
Brilliant Article. I hope the Christians will understand that they are the most important entity in the reconstruction of the country and will stop following someone like michel aoun