تتحول عملية انجرار او تدخل حزب الله في الشأن السوري الى امر اعتيادي.
لم يعد ورود خبر عن سقوط قتلى لبنانيين تابعين لحزب الله امرا مستهجنا، لقد انتقل من نفي المشاركة عسكريا في دعم النظام السوري، الى ترويج غير مباشر لقيامه بدورحماية المقامات الدينية الشيعية في سورية، وانه يقوم بمهمة دفاعية عن بعض القرى ذات الغالبية السكانية الشيعية داخل الاراضي السورية تلك القريبة من الحدود اللبنانية الشرقية- الشمالية. واذا اقتضى الحال تبرير بعض المواجهات، فثمة عنوان كبير جاهز ايضا هو حماية خط امداد المقاومة الذي توفر الاراضي السورية ممرا وقاعدة له. مصحوبا بتعبئة ثقافية ومذهبية، وفرت له الغطاء المطلوب من جمهوره دون سواه.
وكانت اعلنت وكالة الصحافة الفرنسية امس عن قتل ثلاثة لبنانيين من الطائفة الشيعية وجرح 14 آخرون في معارك في سوريا، كانوا “في مواجهة للدفاع عن النفس”. بعد ساعات من اتهام المجلس الوطني السوري حزب الله بـ”التدخل عسكريا” و”شن هجوم مسلح” في منطقة القصير وقال المجلس ان عناصر من حزب الله قامت “بهجوم مسلح على قرى أبو حوري والبرهانية وسقرجة السورية في منطقة القصير بمحافظة حمص ما أوقع ضحايا بين المدنيين السوريين”.
مسار الاحداث في سورية والتعبئة الثقافية والاعلامية المواكبة له لبنانيا، وفّر لحزب الله تجاوز الكثير من القواعد التي طالما اعتبرها من اسس تكوينه، اي الوحدة الاسلامية وشعار الامة الاسلامية، لينخرط في المشهد السوري الى التسليم بمقولة حماية بعض القرى الشيعية من الاضطهاد او حماية المقامات الدينية، تبرير يوحي ان الاضطهاد في سورية لا يطال السنة او المسيحيين او سواهم. او ان المراكز الدينية المستهدفة هي مراكز الشيعة وليست المساجد على العموم او غيرها. يعكس هذا السلوك انزلاقا فاضحاً في المسارالثقافي الطائفي والمذهبي الذي يتماشى مع التجزئة ومسار نشوء كيانات طائفية.
سياق الاحداث في سورية يعزز الوجهة التي ترى ان المواجهة لم تعد بين نظام البعث والشعب، بل ان الصراع بين الطائفة العلوية والطائفة السنية. فاستمرار النظام بعد كل هذا العدد الهائل من الضحايا التي سقطت والدمار الذي احدثه، يرجح ان الصراع لم يعد بين نظام وشعب. وان الكيان العلوي بات الملاذ الاخير للنظام، وهو كيان لم يعد قيامه في ظل الصراع القائم، محل رفض ، بل يجري تقديمه كملاذ لا بد منه في مواجهة التيارات السنيّة التي تريد اسقاط نظام الرئيس بشار الاسد، وانهاء ما تسميه الحكم العلوي لسورية.
حزب الله دخل في التجربة، بارادته او رغما عنه، عبر تجربة الحرب المذهبية لحماية المقاومة، تجربة يمكن ان تسمح بانتساب نظام قتل هذا العدد الهائل من ابناء شعبه الى خط المقاومة، ويستعد تحت حجة حماية المقاومة او مواجهة الجماعات الارهابية (بحسب مطلح الممانعة) تبرير قيام الكيان العلوي، وصولا الى القتال حتى اخر سوري في سبيل حماية المقاومة. حزب الله الذي يحيل ما يجري الى المؤامرة على الممانعة والمقاومة، يدرك ان الذود عن الاسد واستبساله في الدفاع عن سلطته، سوف يؤدي مع تضعضع سلطة الاخير، الى مخاطر تعرض مناطق انتشاره الى الاختناق، بسبب انحسار خط الامداد الاستراتيجي الذي يوفر الحماية والحياة لسلاحه. وكما ان سورية هي عمق استراتيجي لايران، كما وصف الشيخ مهدي طائب الذي يترأس مقر «عمّار الاستراتيجي» لمكافحة الحرب الناعمة في تصريحات أدلى بها يوم الخميس، مسميا سورية بالمحافظة الإيرانية رقم 35 ومنحها أهمية استراتيجية قصوى بين المحافظات الإيرانية، قائلاً: «سوريا هي المحافظة الـ35 وتعد محافظة استراتيجية بالنسبة لنا. فإذا هاجمَنا العدو بغية احتلال سوريا أو خوزستان، الأولى بنا أن نحتفظ بسوريا».
هذا يفسر الاستماتة الايرانية في الدفاع عن نظام بشار الاسد، كما يرجح الرهان على الكيانية العلوية، لمحاولة فرض واقع قائم على توازن قوى طائفية في سورية، يتيح لايران المحافظة على وجودها الفاعل عبر الطائفة العلوية، ويؤمن لحزب الله فرص استمرار خط الامداد الاستراتيجي ولو بشروط اصعب من السابق. هذا الخيار الكياني العلوي لم يعد خيالا بل خيارا متداولا فيما لو استمرت المواجهات. وبعض المراقبين يحيل النشاط العسكري والمواجهات على القوس الشمالي- الشرقي في القرى السورية القريبة من مدينة القصير والتي يشارك فيها حزب الله، بأنها معارك ذات بعد استراتيجي، تتصل بامساك وحماية طريق حمص طرطوس ومنع الجيش الحر من السيطرة عليه، فيما تؤكد بعض المصادر السورية ان الاستراتيجية المسماة دفاعية لدى حزب الله تقتضي سيطرته على حزام امني داخل الاراضي السورية بتنسيق كامل مع كتائب علوية مأمونة الولاء، كخط امداد آمن له من الشرق الى الشمال وصولا الى طرطوس والساحل السوري.
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
البلد