إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
َيعتقد المراقبون في الكويت أن رئيس الوزراء الشيخ محمد صباح السالم يحمل في طَيّاتِه مشروع انفتاحٍ اقتصادي للبلاد، حيث أكَّدَ مؤخراً في لقاءٍ مع رؤساء تحرير الصحف أن حكومته لديها “توجيهات أميرية بأفكارٍ لكويت الحاضر والمستقبل، تحقق تطلعات آمال المواطنين”.
من ملامح هذا الانفتاح، حسب ما جاء في اللقاء والذي شرح رئيس الوزراء بعض ما جاء في برنامج عمل الحكومة، تحويل الثروة الناضبة (النفطية) إلى ثروة حيوية تحاكي المستقبل عبر استغلال رأسمال المال البشري والموقع الجغرافي المميز للكويت، ٍوالتركيز على المنطقة الشمالية للبلاد لتكون مركزاً متميزاً في توفير الخدمات اللوجستية والمالية والأكاديمية، واستقطاب جامعات ومستشفياتٍ عالمية مميزة وتحويل البلاد إلى مركز متميز للعلاج.
يؤكد المراقبون أن برنامج عمل الحكومة الكويتية يعكس الخلفية الأكاديمية، الاقتصادية، التي يأتي منها الشيخ محمد صباح السالم.
وتوضُحُ الحكومة في برنامج عملها أن التحدي النفطي يهدِّدُ قدرَتها على الاستمرار في توفير الحياة الكريمة للمواطنين واحتياجاتهم الأساسية، ويهدّد أيضا بعدم القدرة على الإيفاء بالالتزامات المحلية والدولية.
يحذّر البرنامج من خطر استمرار السياسات الرَيعية على استدامة الرفاه في البلاد، وضرورة التحوّل من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المنتج، لضمان الاستدامة. ويشدّد على إعادة رسم دور الحكومة في النشاط الاقتصادي، بما يعيد إلى القطاع الخاص دوره الريادي في هذا النشاط.
ينطلق البرنامج من “رؤية الكويت 2035″، التي تنص حسبما جاءت في مسودة البرنامج على “تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري جاذب للاستثمار، يقوم فيه القطاع الخاص بقيادة النشاط الاقتصادي، وتنشط فيه روح المنافسة وتَرفع كفاءة الإنتاج، في ظل جهازِ دولة مؤَسَّسي داعِم، وترَسَّخ القيم وتحافظ على الهوية الاجتماعية، وتحقق التنمية البشرية والتنمية المتوازنة، وتوفر بنية أساسية ملائمة، وتشريعات متطورة وبيئة أعمال مشجعة”.
يقول الشيخ محمد صباح السالم في لقائه مع رؤساء التحرير إن “الكويت تستاهل أن نحلم، وأنا أحلم بأن تتبوأ الكويت مكانة عالمية، ولدينا الإمكانيات والعقول والمال والموقع الجغرافي لتحقيق هذا الحلم ولا عذر عندنا”.
والسؤال: هل بالفعل يمكن تحقيق حلم تبوّء الكويت مكانة عالمية في ظل الديمقراطية الراهنة التي تعيشها، والتي تختفي من ضمن محطاتها معايير أساسية، كمعيار العمل الحزبي؟
إن برنامج عمل حكومة الشيخ محمد صباح السلام جميل وواعد، لكنه يظل مجرد تمنّيات تنموية مكتوبة على الورق في ظل تراجع الثقة في تبني آلية سياسية واضحة لنتفيذ هذه التمنّيات في الواقع، وعدم توافر جبهة سياسية قوية قادرة على الوقوف خلف البرنامج ودعمه من أجل إنجاحه. مُبرّر هذا التخوّف، إن صح التعبير، هو أن الحكومة وبرنامجها لم يُطرَحا في الساحة السياسية ضمن أجندة ديمقراطية متكاملة. بعبارة أخرى، أن برنامج عمل الحكومة لم يَنْبَنِ على أرضية انتخابية حزبية.
في الديمقراطيات، يَطرح الحزب الفائز بالانتخابات برنامج عملٍ للحكومة. ثم يحصل رئيس الحكومة وبرنامجه على دعم سياسي من حزبه، الفائز بالانتخابات. لذلك، يكون تنفيذ الحكومة لبرنامجها مرتبطا بآلية قانونية واضحة وبدعم سياسي من حزب الرئيس، ما يجعل طريق التنفيذ مهيئا.
في الكويت، يوجد لدى الحكومة برنامج عمل واضح وصريح وتنموي. لكن الحكومة تفتقد إلى سندٍ حزبي وظهرٍ سياسي يستطيع أن يدفع بهذا البرنامج، على أنْ يكون هذا السند نتاج انتخابات ديمقراطية حزبية حقيقية، وهي المُخرجات التي من شأنها أن نُدافع عن سياسات رئيس الحكومة ومواقفه وعن برنامجه وفق آلية قانونية واضحة.
فالشيخ محمد صباح السالم لا يتمتع بمثل هذا السَنَد، وبالتالي قد لا تساعده الظروف السياسية والاجتماعية والإنتخابية في تنفيذ برنامجه، وقد لا تهيئ له الأرضية العملية لذلك. إذ أن أيَّ خلافٍ مع مجلس الأمة، سواء كان هذا الخلاف سياسيا أو قبائليا أو دينيا أو غيره من خلافات تعكس الصورة النمطية للحياة السياسية في الكويت، فإن ذلك قد يعرقل برنامجه وسينتهي به المطاف إلى الفشل.
لا نتمنى أن يحدث ذلك للشيخ محمد، لكن ما نيل المطالب بالتمني. فبرنامج عمل الحكومات المرتبطة باللعبة لديمقراطية الحقيقية لن تحصل على ضمانات النجاح إلا من خلال توفر معايير التنافس الديمقراطي.