عقود عدة مرت، وما تزال القضية الكردية في سوريا، موضوعة على رف الحكومات والأنظمة التي تعاقبت على حكم دمشق، فالكردي ما زال يعاني من مشاكل أشبه بالكوارث، ويدفع ضريبة وجوده التاريخي على أرضه، وتمضي السنوات وما تزال المآسي مستمرة.
بالرغم من أن دول الجوار السوري، والتي تشترك معها في وجود قضية لشعب يفوق تعداده أربعين مليوناً. هذه الدول بدأت بإصلاحات جذرية في سياساتها تجاه هذا الشعب، والذي لا يقل أهمية في التاريخ من الشعوب التي تتقاسم معه الماء والهواء والشمس، لعب دوراً بارزاً في انتصار حضارات تلك الشعوب، بل لولا بعض القواد الكرد، لما كانت هناك اليوم دول وبلدان، إنهم يدينون بوجودهم للكرد.
العراق دولة عربية ذات تعددية قومية ودينية وطائفية، اعترفت بالوجود الكردي كثاني قومية في البلاد، ولجأت إلى منحهم الحكم الذاتي في شماله وبتسمية رسمية باسم كردستان العراق، وبالرغم من الكوارث والويلات التي انهالت على هذا الشعب من بطش وجبروت حكام العراق، إلا أنه ظل يتمسك بترابه ومدافعاً صلباً عن قضيته المشروعة، قضية حياة ووجود، ونالوا اليوم مع باقي شعوب العراق، دولة ديمقراطية تعددية فدرالية، على الرغم من أنها وليدة وما تزال تمر في مرحلة طفولة وطن، إلا الأن المستقبل كفيل بأن يلتئم العراق ويضم كافة أبناءه.
إيران بلد مكون من أعراق وقوميات عدة، بل أعترف شيخ مهدي الكروبي أحد أبرز المترشحين للانتخابات الرئاسية الإيرانية القادمة في بيان اعترف فيه بأن القوميات غير الفارسية تشكل أغلبية السكان في إيران وتعهد بإنصافها في حالة انتخابه رئيسا للجمهورية. وأكد كروبي في بيانه أنه سيختار أعضاء حكومته المقبلة من بين أبناء القوميات الفارسية والعربية والكردية والأذربيجانية والبلوشية وأتباع المذهبين الشيعي والسني دون استثناء.
وفي بيان أخر أصدره شيخ مهدي كروبي، أشار بوضوح لحقوق القوميات غير الفارسية في إيران، واعداً تطبيق المواد المعطلة في الدستور الإيراني وخاصة المادة 15 التي تؤكد على تدريس لغات القوميات في مناطق تواجدها، واستخدامها في الصحف والمجلات ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة، إلى جانب اللغة الفارسية، حيث من المعلوم أن هناك 8 لغات أساسية في إيران هي الفارسية والتركية والكردية والعربية والبلوشية واللورية والجيلية والطبرية إلى جانب العشرات من اللغات واللهجات الأخرى.
كما أن الرئيس الإيراني السابق سيد محمد خاتمي، كان أعلن ترشيحه للانتخابات القادمة قبل انسحابه المفاجئ منها خلال اجتماع لـ200 من الشخصيات الكردية الإيرانية.
وقام مؤخراً أية الله علي خامنئي بزيارة كردستان إيران، وذلك ليرسل رسالة أن القيادة الإيرانية لا تهمل أية أقلية من أبناء شعبها، وبالرغم من أن الزيارة لها دلالات انتخابية وبراغماتية، إلا أنها تدل على أن الكرد يحظون باهتمام حاكم إيران الفعلي، المرشد العام للثورة الإسلامية في إيران.
إيران تلجأ إلى منح المزيد من الحقوق للشعوب الإيرانية ومنها الشعب الكردي، فقامت بالاعتراف الكلي بوجود هذا الشعب، والذي يشكل مع الشعب الفارسي وباقي أقليات إيران مزيجاً من الحضارات والثقافات على كامل الخريطة الإيرانية.
أما تركية الجار الصديق وعراب مباحثات السلام بين سوريا وإسرائيل، فبعد أن كانت تعدم وتنفي وتحكم بالسجن المؤبد لمجرد أن كردياً تحدث بلغته الأم، لجأت وبحسب مطالب الاتحاد الأوربي التي تسعى إلى الانضمام إليه، إلى منح الشعب الكردي حقوقاً ومساحة حرية أوسع. ففتح رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان القناة السادسة من التلفزيون التركي الرسمي، ومعلناً بدأ بث قناة فضائية ناطقة باللغة الكردية، ومتكلماً باللغة الكردية.
وفي تصريح رسمي أكد الرئيس التركي عبد الله غول أن القضية الكردية هي القضية الأهم بالنسبة لتركيا، سواء أطلق عليها اسم الإرهاب أو مشكلة جنوب شرقي الأناضول، وأنه من الواجب التركيز على حلها، وأشار الرئيس غول إلى احتمال حدوث مستجدات ايجابية في مجال حل هذه القضية، وقال بأن جميع الأطراف وبينها العسكر والمدنيون وأجهزة الأمن والمخابرات وغيرهم بدأوا بتفهم المشكلة ومناقشتها بشكل أكثر وضوحاً وصراحة، وأضاف أن الأجواء الايجابية خلقت فرصة سانحة لحل القضية يستوجب عدم تفويتها. كما أكد رئيس الأركان العامة الجنرال إيلكر باشبوغ على ضرورة إجراء تعديلات في تطبيق قانون العفو لتسهيل عودة العناصر المسلحة إلى البلاد.
في عام 1931 وافقت وزارة الداخلية في سوريا منح الأمير جلادت بدرخان ترخيص تأسيس مجلة كردية تعنى بالأدب والعلم باسم “هاوار” في حين منعت السلطات السورية في 22 نيسان 2009 احتفالاً بمناسبة عيد الصحافة الكردية، تناقض ما بعده تناقض، فبعد أن كانت دمشق المحطة الأولى لنشر مجلة “هاوار” الكردية على يد الأمير جلادت بدرخان، اليوم وبعد مرور ثمانية وسبعين عاماً يعاني الكرد من طمس وتشويه وقمع ثقافتهم ومحاربتها بكافة الوسائل القانونية وغير القانونية، إنها عملية وئد حقيقية لشريك ومكون أساس لشعوب سوريا.
ما يزال أكثر من ربع مليون كردي محرومون من أبسط حقوقهم الإنسانية، وتستمر مأساة المجردين من الجنسية يوماً بيوم، وحرمان الآلاف من الكرد من أراضيهم الزراعية جراء مشروع الحزام العربي، ومؤخراً المرسوم التشريعي /49/ لعام 2008 والذي أدى إلى شل حركة العقارات في كامل محافظة الحسكة، مما أدى إلى زيادة عدد المهاجرين من أبناء المحافظة باتجاه الداخل السوري، وازدادت وتيرة الاعتقالات فطالت المئات منهم وأنزلت بالعشرات من هؤلاء المعتقلين أحكاماً قاسية بالسجن من قبل مختلف محاكم الدولة، ناهيك عن استمرار محاربة الثقافة الكردية. فلمصحة من هذا التوتر، وازدياد وتيرة القمع ضد الكرد؟
إن الكرد في سوريا، يعانون حقيقة من أزمة حاضر وغياب مستقبل. وحده النظام كفيل بكل هذه الانتهاكات، وعليه الإجابة عن كل التساؤلات!
akkopress@gmail.com