إن الأعمال الإرهابية التي تنفذها التنظيمات المتطرفة لا يمكن فهمها إلا باستحضار الخلفيات الفكرية والأسس العقائدية التي هيأت لها وحرضت عليها. وهذه العقائد هي التي تحدد موقف المتطرفين والإرهابيين من المجتمعات التي ولدوا وتربوا فيها. وهذا نموذج من تلك المواقف :
1 / موقف “الجماعة الإسلامية للتوحيد والجهاد بالمغرب” ويتمحور حول العقائد التالية كما وردت في ميثاق التأسيس (ونعتقد أن الديمقراطية دعوة كفرية تعمل على تأليه المخلوق واتخاذه ربا وترد له خاصية التشريع و الحكم من دون الله تعالى فهي كفر بواح وخروج عن دائرة الإسلام فمن اعتقد بها أو دعا إليها وناصرها أو تحاكم إليها فهو كافر مرتد مهما تمسح بالإسلام وتسمى بأسماء المسلمين.
ونعتقد أن الأنظمة الوضعية السائدة في بلاد الإسلام نظام كفري مقتبس من قوانين اليهود والنصارى واضعوها شركاء لله في الحاكمية والعاملون بتلك الأنظمة أو المقرون لها أو المتحاكمون إليها مشركون .
ونعتقد كفر الحكام الذين يبدلون شرع الله بشرائع و قوانين الكفر)والحاكم الذي يجعل من نفسه ندا لله في خاصية التشريع فيشرع التشريع الذي يضاهي شرع الله)
2/ بيان وزعته جماعة متطرفة قبيل الأحداث الإرهابية ليوم 16 مايو 2003 جاء فيه :
ـ المجتمع الذي نعيش فيه مجتمع كافر، لأنه استبدل القوانين الإسلامية بالوضعية، وأن مظاهر الانحلال والفساد فشت فيه، وأن المعروف قد أصبح منكرا، والمنكر أضحى معروفا.
ـ أفراد هذا المجتمع وحكوماته مرتدون مارقون، والمظاهر الإسلامية في هذا المجتمع مظاهر كاذبة مضللة منافقة، فشيوخ الدين ممالئون للسلطان الكافر .
ـ الجهاد مفروض لتغيير هذا الواقع، وإحلال شريعة الله مكان شريعة الكفر .
ـ الوسائل السلمية لا تجدي فتيلا ولا توصل للهدف السابق لأن كل عمل سلمي للدعوة يقابل بالدعاية الحكومية الكافرة .
ـ ما دام الحكام كفرة والجهاد واجبا ، فقد وجب الخروج عليهم وقتالهم بالسلاح .
ـ يجوز قتل كل من تترس به الكافر ولو كان من المسلمين .
ـ ليس للنساء والأطفال حرمة، لأن أولاد الكفار من الكفار .
ـ يجوز قتل الكفار ـ وهم الحكام والشعوب الراضية ـ ليلا ونهارا، وبغير إعلام وإشعار لهم ، ولو قتل في ذلك نساؤهم وأطفالهم .
ـ لأن النظام نظام كافر ، فالدار التي نعيش فيها دار حرب ، وبذلك تكون كل ديار المسلمين الآن ديار حرب ، يجوز فيها ما يجوز في دار الحرب، من القتل والسلب والنهب والغصب والخطف .
ـ ليست هناك طريقة لإيجاد الحكم الإسلامي إلا بالحرب ).
ومن ثم ، تصبح العوامل الاجتماعية ـ الفقر ، البطالة، التهميش
ـ والعوامل السياسية عوامل مساعدة تبرر الأعمال الإرهابية، بينما العوامل الأساسية التي تنتج الإرهاب وتنشره هي العوامل الفكرية. وجاء الحادث الإرهابي الذي أقدم عليه هشام الدكالي ـ وهو مهندس وموظف براتب محترم ـ بساحة الهديم بمكناس يوم 13 غشت 2007 جاء يؤكد الربط العضوي بين العقائد التكفيرية والأفعال، الإرهابية. لذا ينبغي الإقرار أن الإرهاب هو نتيجة مباشرة للجذور الفكرية التي منها ما أفتي به سيد قطب كالتالي (إن العالم يعيش اليوم كله في ((جاهلية)) من ناحية الأصل الذي تنبثق منه مقومات الحياة وأنظمتها .. هذه الجاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله في الأرض وعلى أخص خصائص الألوهية .. وهي الحاكمية .. إنها تسند الحاكمية إلى البشر ، فتجعل بعضهم لبعض أربابا ، لا في الصورة البدائية الساذجة التي عرفتها الجاهلية الأولى ، ولكن في صورة ادعاء حق وضع التصورات والقيم ، والشرائع والقوانين ، والأنظمة والأوضاع ، بمعزل عن منهج الله للحياة ، وفيما لم يأذن به الله .. فينشأ عن هذا الاعتداءِ على سلطان الله اعتداءٌ على عباده )( ص 10 معالم في الطريق ) .
وكل من يتطرق لموضوع العنف والإرهاب ستواجهه أسئلة عديدة أهمها سؤالان :
ـ الأول: ما علاقة الإرهاب بالحرية؟ إذ ليس المقصود هو الحرية السياسية بل حرية نشر فتاوى التكفير والتحريض على القتل . حيث كانت ولا زالت لشيوخ التطرف وأمراء الدم حرية تامة في نشر فتاواهم عبر منابر المساجد ومن خلال الأشرطة والأقراص المدمجة والكتيبات وعلى نطاق واسع. الأمر الذي جعلهم يستحوذون على عقول الأبرياء ويؤثرون على قناعاتهم. ومن ثم أقنعوا ضحاياهم بعقائد الغلو والتطرف والتكفير وهدر الدماء. ولا تختلف مثلا السعودية عن المغرب أو إنجلترا عن أسبانيا. كل هذه الدول وفرت مساحة هامة من حرية نشر الفكر المتطرف الذي أنتج ، في النهاية ، ظاهرة الإرهاب .
ـ الثاني: ما علاقة معاناة الشعوب العربية/الإسلامية في فلسطين والعراق وأفغانستان بالإرهاب؟ لقد كثر الحديث عن الربط الميكانيكي بين الإرهاب والاستعمار. في حين أن الإرهاب الذي تمارسه الجماعات المتطرفة يتخذ له ذرائع شتى، من ضمنها الاستعمار والهيمنة الغربية على الشعوب المسلمة. لكن هذا الربط أو التبرير لا يفسر الأسباب الحقيقية للإرهاب ، بدليل أن العمليات الإرهابية التي أقدم عليها المتطرفون لم تكن في معظمها تستهدف قوى الاستعمار والهيمنة. بالإضافة إلى كون الشعوب التي خضعت للاستعمار لم تلجأ إلى العمليات الإرهابية على الطريقة التي يمارسها الإرهابيون ، بل أبدعت ـ هذه الشعوب ـ أساليب وأشكالا من المقاومة بما فيها المقاومة السلمية كما مارسها غاندي .
إذن، مواجهة هذا الخطر الداهم تقتضي في المقام الأول :
ـ تجديد الخطاب الديني بما يجعله، من جهة، يواجه القراءات المتشددة والمتطرفة للدين؛ ومن جهة ثانية، ينفتح على ثقافة العصر وقيمه ومكتسباته .
ـ دعم ونشر ثقافة الحوار والتسامح والاختلاف عبر كل الوسائل الممكنة ـ تعليم ، إعلام ، خطب الجمعة الخ .
ـ معالجة القضايا الاجتماعية والسياسية التي يستغلها شيوخ التطرف وأمراء الدم في استقطاب الأتباع وتجنيدهم لتنفيذ الأعمال الإرهابية ضد الأبرياء .
ـ مصادرة الكتب والشرطة المحرضة على الغلو والتطرف .
ـ محاكمة شيوخ التطرف وأمراء الدم ومنعهم من بث عقائد التكفير .
ـ دعم الأجهزة الأمنية وتأهيلها لرصد العناصر المتطرفة وتفكيك الخلايا الإرهابية .
selakhal@yahoo.fr
* كاتب مغربي