هل دخل لبنان في مرحلة جديدة بعد التفجير الدموي الذي استهدف السفارة الايرانية ومحيطها؟ هذا ربما يكون سؤالا بدأ يدور في خلد الكثيرين والاجابة عليه ليست نهائية. إذ ليس ما جرى قرب السفارة الايرانية امس هو التفجير الاول منذ بدأت الأزمة السورية تتناسل تفجيرات في لبنان. هو الثالث في مناطق حزب الله، بعد تفجيري بئر العبد والرويس، لكن
ما يميّز استهداف السفارة الايرانية هو التالي:
اولاً، ان انتحاريين نفذا التفجير، الذي كان ينقسم الى أوّلٍ عبر انتحاري مهمته فتح ثغرة في جدار السفارة، وثانٍ أضخم في سيارة يقودها انتحاري ثانٍ هدفه تفجير السفارة من الداخل. وقد قتل حرس السفارة الاثنين وأفشلا مخططهما، ما أوقع ضحايا مدنيين خارجها. وهذا يؤشّر إلى عمل احترافي وخبرة امنية لدى المخطط والمنفّذ. ولو كان الانتحاريان يريدان قتل مدنيين لنفّذا عمليتهما في مكان آخر.
ثانياً، اعلان كتائب عبد الله عزام مسؤوليتها عن التفجيرين هو الاوّل لتنظيم القاعدة في لبنان، اذا ما استثينا بعض العمليات الملتبسة والمحدودة في حجمها، من التي استهدفت جنود دوليين في الجنوب قبل سنوات. ما يفرض سؤالا ملحاً: هل صار لبنان ارض جهاد للقاعدة؟
ثالثاً، اعلان هذه الكتائب أنّ منفذَي التفجيرين هما من اعضاء التنظيم اللبنانيين يفيد أنّ “القاعدة” باتت قادرة على تطويع انتحاريين لبنانيين لتنفيذ عمليات في لبنان. فهل فعلا هناك اعداد من اهل السنة اللبنانيين باتوا مستعدين لتبنّي خيارات القاعدة والانتحار؟ وهل هي ظاهرة كبيرة ام موسمية لن تتجاوز حدود مثل عملية الامس؟
لقد اشرنا ضمن هذه الزاوية، في مناسبات مختلفة، الى ان التعبئة المذهبية جاهزة لانطلاق مثل هذه العمليات، وتنامي حال الاحتقان والغضب في الشارع السني، والشعور بالغبن، لا بدّ ان ينفجر في مكان ما. فالقوى السياسية الممثلة لهذا الشارع، ومنها تيار المستقبل، لا تبدو راغبة في اعتماد خيار غير الخيار السياسي، ويمكن ان تكون عاجزة او غير مؤهلة. لذا، وسط اشهار حزب الله واعتداده بقرار انخراطه في القتال داخل سورية دعماً لنظام الاسد، وامام عجز تيار المستقبل عن مجاراة تمدّد حزب الله ونفوذه في الدولة، الى اختراق الحزب امنياً وعسكرياً مناطق ذات غالبية سنية من صيدا الى طرابلس فضلا عن بيروت، كما سرايا المقاومة، باتت الأرض خصبة لـ”القاعدة”.
بالتأكيد خطر “القاعدة” يقضّ مضاجع اللبنانيين كلّهم، ولن يحقق مكاسب لا للسنة ولا للبنانيين، بل سيزيد من الاستقطاب المذهبي، والعراق نموذج يمكن التعلم منه. ولا احد يستطيع التنبؤ بما يمكن ان يؤدي اليه هذا المسار الدموي، في حال ثبت ان “القاعدة” اتّخذ خيار المواجهة في لبنان لحظة احتدام معركة القلمون. وهو خطر سيقع على اللبنانيين كلّهم دون استثناء.
وحزب الله الذي يعلم كيف يسكت وليد جنبلاط، ويطوق تيار المستقبل، ويعطل تأثير قوى 14 آذار، هو اليوم امام قواعد لعبة جديدة، لم يألفها او يعتد عليها. فقد بات يواجه تحدّيا جديدا، بل عدواً شبحاً: “القاعدة”. عدوّ لا ينفع معه التهويل أو التهديد ولا “المقاومة”، ولا اسلوب 7 أيّار او غيرها من الوسائل التي نجح في تنفيذها مع قوى 14 آذار.
ربما بعض قوى 14 آذار يمكن ان تقع في وهم المكاسب من نشاط “القاعدة”، لكنّ المنطق يقول أنّه كلما تنامى نفوذ “القاعدة” سيتراجع حكما نفوذ هذه القوى وتحديدا تيار المستقبل، فضلا عن أنّ “القاعدة” ليس لديها همّ سياسي لبناني، بل نحن امام سلوك ارهابي عابر للحدود، يدفع لبنان اكثر فأكثر نحو مجال اقليمي يصعب التحكم فيه. وهو يأتي الى لبنان ليوسع من دائرة الحرب السورية. وكما نجح حزب الله في فتح جبهة سورية بقواه العسكرية، ثمة محاولة لفتح جبهة سورية في لبنان لتنظيم “القاعدة”.
لكن: هل هي جريمة استثنائية او موسمية؟ أيضا يجب ألا نحسم. لكنّ منطق الامور يدفع باتجاه توقّع الاسوأ فيما لو لم يتم الرد على هذا التفجير بما يتفوق عليه، والرد لا يمكن ان يكون عسكريا او امنيا، بل بمبادرة سياسية يقودها حزب الله عنوانها التصالح مع تيار المستقبل وقوى 14 آذار عموما والقيام بمبادرات جديّة تساهم في خفض الاحتقان السنّي.
وبالتأكيد فإنّ التنافس والخصومة المنظمة بين تيار المستقبل وحزب الله سيبقيان جنّة امام جحيم نفاذ “القاعدة” الى لبنان. اقتراح، وان كان يبدو خياليا ودونه عوائق شتّى، ولا تبدو المواقف مشجعة له حتى مساء امس، إلا أنّه بالتأكيد الأقلّ كلفة على لبنان وعلى السنّة والشيعة، والمسلمين عموما.
alyalamine@gmail.com
البلد