وافق النظام السوري “بدون تحفظ” على المبادرة العربية… وايا كان موقفه من تنفيذها عمليا، فإنّ سورية دخلت في تحول نوعي، بعد مرحلة من التراكم النضالي مع بدء الاحتجاجات قبل سبعة اشهر ونصف الشهر. النظام أقرّ أخيرا بوجود الثورة عمليا وبشرعية المعارضة الخارجية، وتنازل عن كبرياء مزيف حين اعتبر ان ما يجري في سورية “يهدّد المنطقة والعالم”… ببساطة اعلن رئيس وزراء قطر حمد بن جاسم ان سورية وافقت على المبادرة، وعلى التزام التنفيذ مباشرة، ومراقبة هذا التنفيذ من قبل لجان ستشكل لهذه الغاية من الجامعة العربية. وافق النظام السوري على سحب الجيش من المدن، والسماح لوسائل الاعلام العربية والغربية بمزاولة نشاطها على مختلف الاراضي السورية…
الفالق والزلزال الذي هدد بهما الرئيس السوري بشار الاسد قبل ايام المنطقة والعالم يبدو انهما انحصرا داخل النظام، ولم يتجاوزاه. هذا ما يشير اليه عدم التحفظ. فبعدما حاول خلال الاسبوع المنصرم احداث تعديلات على المبادرة من قبيل وقف “الحملات الاعلامية ضد سورية” ووقف “التسليح والتمويل لخصوم النظام” كمقدمة لا بد منها لتنفيذ المبادرة العربية، عاد ووافق “من دون تحفظ”.
من المؤكّد أنّ النظام السوري، الذي اضطر الى تحمل املاءات من وزير خارجية قطر، اما انه يراهن على الاستفادة من عامل الوقت بانتظار تغيير ما تتخيّله في العادة الانظمة المتداعية، او انه ادرك ان بنيته لم تعد تحتمل استمرار المواجهة، في ظل تزايد مخاطر حدوث انقسام في الجيش او تحول ما داخله، بسبب المواجهة التي وضع فيها امام شعبه من دون افق.
في كل الاحوال، وأيا كانت حسابات النظام السوري، فإنّ ماجرى في القاهرة اليوم هو اقل من نتيجة طبيعية واولية لحجم التضحيات التي قدمها الشعب السوري من اجل الديمقراطية، وأقلّ من إصرار ثواره على انهاء عهد الاستبداد في بلادهم. ورسالة الجامعة العربية الى السوريين هي في جوهرها منح النظام السوري فرصة لأن يكون شريكا للمعارضة في احداث التحول الديمقراطي، والشعب السوري الذي خبر مراوغة النظام سيكمل مسيرة الاحتجاج والاعتراض من اجل التغيير السلمي، واذا صدق النظام بسحب الجيش من المدن، فإنّ سورية ستشهد انضماما شبه كامل من قبل مدينتي حلب ودمشق الى مسيرات الثورة. واذا تمنّع النظام عن تنفيذ بند سحب الجيش، فإنّ وتيرة المواجهة ستتصاعد مع استدراج النظام، من خلال هذه هذه الخطوة، “التدويل”.
خلاصة موقف النظام السوري يفضح طبيعة لدى بعض الانظمة الاستبدادية التي تستكثر على شعوبها حيّزا من الديمقراطية والعدالة، فيما تبدو طيّعة حيال الخارج… تتيح لنفسها حق قمع شعبها وفي الوقت نفسه تظهر طواعية للضغوط الخارجية… وتستمر بالتغني بشعارات الممانعة والمقاومة والصمود والتصدي.
لكن في المقابل ثمة من يدرك ان الربيع العربي ليس مؤامرة اميركية، بل ثورة حقيقية وتطور طبيعي في مسار التاريخ، فيما تحاول بعض قوى الممانعة الترويج لمنطق المؤامرة، والتحذير من الحرية في لحظة سقوط مريع، حين ترى ان الشعوب العربية ليست على قدر من الوعي لتحمل الحرية. هذه القوى الممانعة، التي تحتمي بعنوان المقاومة وتتترّس فيه، هي مع نظام الاستبداد لأنه يقف معها فقط.
يكشف هذا الموقف هزال مقولات التحرر والمقاومة واحترام حقوق الانسان لدى هذه القوى فضلا عن احترامها القيم الدينية والدنيوية التي جعلت كرامة الانسان فوق كرامة الاماكن المقدسة. هل يحتاج الانسان السويّ والحر لأكثر من 4 آلاف شهيد وعشرات الآلاف من الجرحى ومثلهم من المعتقلين السياسيين وتشريد امثالهم في سورية حتى يؤمن بمظلومية الشعب السوري، ويدرك حجم استهانة “النظام” بالانسان والمواطن؟ هل يشك احد ان النظام السوري بتركيبته الحزبية والعائلية والطائفية والامنية هو نظام استبدادي بامتياز؟ هل يمكن أحد أن يسأل بثقة ثائرا سوريا لماذا يثور على الظلم؟ الكل يعرف سيرة هذا النظام في القتل والنفي والنبذ لشعبه ولشعوب اخرى …الفلسطينيون واللبنانيون في مقدمهم… قوى الممانعة نفسها لا تغيب عنها هذه الحقائق. لكنّ هذه القوى، وهي تعلن دعمها النظام السوري في السر والعلن، تكشف عن خلل فاضح في خطابها وفي مسيرتها، مفاده ان قيم الحرية والعدالة واحترام حق الانسان في التعبيرعن رأيه، بل وجوب سعيه إلى رفض الظلم ومحاربته، ليست الا شعارات ممجوجة. لا بل تحاول هذه القوى تثبيت مقولة ان نظاما قتل الآلاف من شعبه، فقط لأنهم يطالبون بالحرية والديمقراطية، يمكن ان يكون صادقا في مواجهة الظلم الاسرائيلي او الاستعماري، وان شعبا يضحي ابناؤه بأرواحهم من اجل حريتهم يمكن ان يقبلوا بتقييدها مجددا… أو أن يكونوا مع الظلم الإسرائيلي ضد مناصري قاتلهم، وإن ناصروه…
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
البلد
العنجهية تسقط “بلا تحفّظ” أين يتجه العالم العربي؟ في أحد أعدادها الصادر مؤخراً تساءلت صحيفة “دير شبيجل” الألمانية: “ساعة الصفر العربية… إلى أين تمضي الحرية الجديدة؟”، وهو تساؤل قريب من العنوان الذي أطلقته جريدة “الاتحاد” في لقائها السنوي يوم 20 أكتوبر 2011، والذي شكل ورشة عمل من عشرات الأدمغة العربية لمناقشة أكثر المشاكل حساسية وأهمية، في تقليد حسن اختطته الجريدة لنفسها منذ عدة أعوام. هناك من يرى فوارق جوهرية بين الأنظمة العربية، رغم وحدة الحوض الثقافي والتشارك في كثير من الظروف الموضوعية. وبهذا يمكن اختصار الوضع العربي بحزمة من الأفكار على الشكل التالي: 1 – العالم العربي كله تقريباً متحد… قراءة المزيد ..
العنجهية تسقط “بلا تحفّظ” . انها مهلة اضافية في قتل الشعب لنظام سوري دموي عرف انه قمة المنافقين في العالم وباللف والدوران والمسرحيات الخبيثة خلال 48 سنة عجاف من الاستبداد والقتل والمجازر في الاطفال والنساء والشباب وايضا عرف بالنهب ونشر الفساد والطائفية والارهاب في المنطقة واستغلال لكلمة المقاومة والممانعة المزيفة -وسبق للنظام السوري أن أعلن عن سحب آليات وعناصر عسكرية من مناطق سكنية، إلا أنه كان، في كثير من الأحيان، يقوم بسحب الآليات فقط، بينما يبقي على عناصر المشاة، أو يعيد آلياته مرة أخرى- او انه سيملىء الساحات في دمشق وحلب بالشبيحة والمافيات المخابراتية والموظفين بالاكراه لكي لا يسمح للمتظاهرين… قراءة المزيد ..