خاص بـ”الشفاف”
التقرير التالي نشرته جريدة “الفيغارو” الفرنسية يوم الجمعة في ٢٣ يناير، أي قبل إعلان وفاة الملك عبدالله بن عبد العزيز بساعات. ولكن كاتبة التقرير هي مراسلة “الفيغارو” في واشنطن، “لور ماندفيل”. ويورد التقرير، ولأول مرة حسب علمنا، أن مقتل العميد السعودي عودة عوض البلوي، قائد حرس الحدود في المنطقة الشمالية، كان عملية مخططة بشكل جيد استندت إلى معلومات داخلية! أي أن الجنرال السعودي لم يُقتَل “بالصدفة” في اشتباك مع “داعش”!
وتقول المراسلة أن مصادرها “قريبة من الإستخبارات الأميركية”، وهذا ربما يعني بعض “الباحثين” العاملين في إطار لجنة الإستخبارات في الكونغرس مثلاً.
مما يطرح سؤالاً بديهياً، وهو: لماذا اختارت أوساط أميركية “قريبة من الإستخبارات”، كما تقول المراسلة، “تسريب” المعلومات التالية، والتحليل التالي، عبر جريدة فرنسية وليس أميركية؟ هل الأمر مجرد “صدفة” أم لإبعاد الشبهة عن دوائر مؤثرة في العاصمة الأميركية؟
وإذا صحّ تقديرنا، فإن تقرير “الفيغارو” يمكن أن يكون بداية لحملة ضد السعودية، وليس نهاية المطاف. وهذا يثير ..”تساؤلات” في وقت لا تخفي إدارة أوباما رغبتها في عقد اتفاق مع إيران بأي ثمن تقريباً! (قالت مصادر رسمية أميركية قبل ٣ أيام أنها “لا تعرف” مدى تأثير إيران على “الحوثيين” في اليمن!!)
من أي يأتي تعبير “السلفية الجديدة” الذي تستخدمه مراسلة “الفيغارو”؟ الأرجح أن يكون التعبير مستخدماً في أوساط أميركية معينة منذ ما قبل ١١ سبتمبر ٢٠٠١، كما يتبين من صفحة “ويكيليكس” التالية (إضغط هنا)، المؤرخة في ١٩٩٨. وكانت تشير في حينه إلى “تيار الصحوة” السعودي الذي كان على رأسه سلمان العودة وسفر الحوالي.
الشفّاف
*
واشنطن تنظر في إعادة النظر في تحالفها الإستراتيجي مع الرياض
انتشار أفكار “الدولة الإسلامية” في أوساط جيش المملكة يثير قلقاً في الولايات المتحدة
مراسلة “الفيغارو” في واشنطن: لور ماندفيل
منذ الهجمات التي تعرّضت لها فرنسا في مطلع الشهرالحالي، فإن دور المملكة العربية السعودية في تصدير “الوهابية والسلفية الجديدة”، التي تتمدّد كالسمّ عبر العالم وفي الضواحي الأوروبية، يحتل مكانة محورية في نقاشات إدارة أوباما وأوساط الأمن القومي في واشنطن.
وحسب مصدر قريب من أجهزة الإستخبارات الأميركية تحدّث إلى “الفيغارو”، وأشار إلى أن الأميركيين “يقفون مع فرنسا وهم مستعدون لمساعدتها”، فإن “تحولاً استراتيجياً جارياً الآن في واشنطن في ما يتعلق بتقييم دور السعوديين في الترويج للإرهاب الجهادي”.
ويضيف: “في حين كان الإعتقاد السائد، قبل ٥-٧ سنوات، هو أن الصلات بين ترويج “الوهابية السعودية”
وجماعات مثل “القاعدة” ليست أكثر من صلات بعيدة، فإن تلك الصلات باتت مؤكدة إلى حد بعيد وينجم عنها تغيير في الإستراتيجية خلاصته أن نشر “الوهابية” و”السلفية الجديدة” يمثل تهديداً رئيسياً في المدى الطويل، وأنه ينبغي إلحاق الهزيمة بذلك التهديد”.
تقييم مدى انتشار “الفيروس السَلَفي”
وتقول مصادر الإستخبارات الأميركية بأنها تشعر بالقلق بصورة خاصة إزاء مسألة “مدى موثوقية القوات المسلحة السعودية”، في إطار “الصراع الداخلي حول خلافة الملك” المريض جداً. (نشرت “الفيغارو” هذا المقال يوم الجمعة ٢٣ يناير، أي يوم إعلان وفاة الملك عبدالله بن عبد العزيز). ومنذ عهد الرئيس روزفلت، كان الأميركيون يلعبون باستمرار دور حماة العائلة الملكية في السعودية. ولكن تغلغل أفكار “الدولة الإسلامية” وسط المؤسسة العسكرية السعودية يُعتبر أمراً “باعثاً على القلق”. وقال المصدر القريب من الإستخبارات الأميركية لـ”الفيغارو” أن “اغتيال قادة في “الدولة الإسلامية” لجنرال سعودي كانت قيادته أرسلته إلى الحدود الشمالية لتقييم مدى ولاء وحدات عسكرية معينة مشكوك في مدى موثوقيتها يكشف حجم المشكلة”! ويضيف المصدر الأميركي أنه “يجري حالياً” تقييم “لمدى انتشار الفيروس السَلَفي في صفوف القوات المسلحة”. ويقول أن الهجوم الذي قامت به “الدولة الإسلامية” عبر الحدود ضد (قائد حرس الحدود في المنطقة الشمالية) العميد عودة عوض البلوي كان مخططاً بصورة جيدة. ويضيف أن الهجوم (الذي وقع في منطقة “عرعر” في ٥ يناير – الشفاف)، “كان مبنيّاً على معلومات دقيقة حصل عليها المهاجمون من داخل الجيش السعودي…”!
إن هذه التطوّرات الراهنة تمثّل مأزقاً حقيقيا لأميركا التي كانت دائماً، منذ عهد روزفلت، وفية لتحالفها مع العائلة الحاكمة السعودية، رغم الأزمات العديدة، وأهمها أزمة ١١ سبتمبر ٢٠٠١، حينما طُرِحت مسألة تورّط سعوديين في تنظيم الإعتداء، وذلك قبل أن يتم دفن ذلك الملف بإسم اعتبارات السياسة الواقعية.
وبسبب اعتمادهم على النفط السعودي، وعلاقتهم مع العائلة الحاكمة، فقد تردد الأميركيون في إعادة النظر بتحالفهم مع الرياض وقرّروا عدم الكشف عن المعلومات التي كانت بحوزتهم حول دور السعوديين.
ويقول المصدر الأميركي القريب من الإستخبارات لـ”الفيغارو”: “هنالك حالياً معركة خلافة داخل السعودية، والأميركيون يلعبون دوراً فيها لأنهم حريصون، كما كانوا دائماً، على استقرار العائلة الحاكمة، فالأمر لم يعد مسألة بترول. نحن نعرف أن السعودية هي جزء من المشكلة، ولكننا لا نريد تغييراً في النظام لأننا نعتقد أن أي تغيير سيكون نحو الأسوأ وسيفيد “الدولة الإسلامية”!
وكان السعوديون، كردّ فعل على الحرب الأهلية السورية، وعلى فشل الأميركيين بنظرهم في وضع حدّ لها، قد بدأوا بدعم “الدولة الإسلامية” والجماعات المتطرفة الأخرى المنخرطة في القتال ضد نظام بشار الأسد وضد النظام الشيعي في العراق، الذي يُنظر إليه كدمية لعدوهم الشيعي الأكبر، وهو إيران. ولكن الحكومة السعودية قامت بانعطافة قوية في الآونة الأخيرة، وانضمت إلى التحالف الذي أقامه الأميركيون لهزيمة “داعش”. ويقوم السعوديون ببناء جدار طوله ٧٠٠ كيلومتر على الحدود الشمالية. ومؤخراً قال البروفسور “غريغوري غوز”، من جامعة “أي إم” في تكساس، على راديو “إن بي أر”، أن الإنعطافة في الموقف السعودي تعود إلى “الخشية من الأصداء الداخلية في السعودية لوجود “الدولة الإسلامية”. وعمدت السعودية في مطلع ٢٠١٤ إلى وضع “الدولة الإسلامية” على قائمة المنظمات الإرهابية. ولكن البروفسور “غوز” يقول أنه “سيكون أصعب على السلطات الدينية السعودية أن تنأى بنفسها عن “الدولة الإسلامية” لأن رؤية هذه السلطات الدينية “لكيفية تنظيم السياسة في دولة إسلامية” هي نفس رؤية داعش”!
٢٨ صفحة غير منشورة من تقرير برلماني عن هجمات ١١ سبتمبر
ومن المؤكد أن ما سبق هو السبب في نهوض تيار سياسي قوي في الكونغرس الأميركي يدعو إلى كشف “الكواليس المظلمة” للسياسة السعودية. وفي الأسبوع الماضي، دعا السناتور السابق “بوب غراهام”، الذي كان في الماضي قد ترأس “لجنة الإستخبارات في مجلس الشيوخ”، إلى رفع طابع “السرّية” عن ٢٨ صفحة من التقرير البرلماني حول اعتداءات ١١ سبتمبر ٢٠٠١. وفي معرض كلامه عن مجزرة مجلة “شارلي إيبدو” الفرنسية، أكّد “بوب غراهام” محاطاً بنائبين أحدهما الجمهوري “وولتر جونز” والثاني هو الديمقراطي “ستيفن لينش”، في مؤتمر صحفي، أن ٢٨ صفحة المحجوبة “تشير بالإصبع إلى السعودية كمموّل رئيسي للإعتداءات”!
وأضاف السناتور الديمقراطي السابق: “يمكن للبعض أن يعتبر أن هذا الموضوع من الماضي، ولكنه بقدر أهمية وخطورة المواضيع التي تتصدر صفحات الصحف الآن” (في إشارة إلى أحدات “شارلي إيبدو”). وقال أنه كان تم فرض حظر على الصفحات الثماني والعشرين “لأسباب تتعلق بالأمن القومي، ولكن الخطر الحقيقي على الأمن القومي الأميركي هو في عدم الكشف عنها أمام الملأ”، مندّداً بـ”نزعة عمومية” لإبقاء الجمهور الأميركي في الظلام.
جدير بالذكر أن باراك أوباما، في أبريل ٢٠١٤، كان قد صارح أهالي ضحايا ١١ سبتمبر بأنه يؤيد رفع الحظر عن الصفحات الثماني والعشرين. ولكن الناطق بلسان البيت الأبيض رفض، يوم الجمعة الماضي، الإجابة على أسئلة “الفيغارو ” بهذا الصدد.