(ما فى السماء يكون على الأرض – As above so is below)
تصدير:
فى كتابنا “حصاد العقل” المنشور عام 1973 كان الإهداء الذى صدّرناه به هو “إلى الإنسان الكونى الذى أشرق عصره فلاح بالأفق المبين”، هذا فى وقت كانت الغلبة فيه للأيديولوجيات القومية والدينية، ولم يكن مفهوم العولمة – بدلالته الحديثة – قد ظهر أو قيل. ومن يـُصدّر كتابه بإهداء إلى “الإنسان الكونى” لا بد أن يكون على تشوّف لهذا الإنسان وعلى تشرف بتحقيقه، وبذاته ولذاته، فيكون مثلا ومثالا. وهذا حال ينأى عن التعصب لبلد، أو لجنسية، أو لقومية، أو لمعتقدية، وهو دليل نركن إليه وتستهدى به على أننا حين نكتب عن حضارة مصر القديمة موافقة أو مخالفة، لا نصدر فى ذلك عن نازع وطنى، وإنما نفعل ذلك عن وازع إنسانى ودافع كونى، لا يريد إلا الحق، والحق وحده، مهما كان الثمن وكيفما يكون الأداء.
ويعنى ذلك أنى دائما أبدا، ومنذ أول كتاب لى، وحتى الكتاب الرابع الآنف بيانه، وفيما بعد ذلك، أرنو دائما إلى الانسان الكونى، الذى يستشرف الكون كله، ويستهدى بالتراث البشرى بأجمعه، ويتضامن مع الانسانية كلها؛ بصرف النظر عن اختلاف العقيدة أو اللون أو الجنس أو الوطن أو اللغة أو أى شىء آخر.
فمع أنى مصرى أصلا، ولادة وتربية وثقافة وحياة، فإنى أنتشر من مصر إلى كل العقائد والألوان والأجناس والأوطان واللغات والثقافات. وهذه الدراسة تهدف فى النهاية وتعمل منذ البداية، إلى تآلف العقائد، وتعارف الناس، وتداخل الجهود، وتآنس الجميع، فى رحاب الكونية، ومحيط الانسانية. فهى وإن بدأت من مصر، فذلك لأن مصر كانت – كما سوف يبين ويتأكد – من الجانب الكونى – هى صورة السماء وأصل الحياة وأم الدنيا.
والذى آمله أن يفهم الجميع مقاصدى وأن يعرف القراء أهدافى. فهى لا تتصل أبدا بمصريتى، وليست تعصبا أو تحيزا بأى حال من الأحوال. فهدفى الدائم هو “الحقيقة” وسعيى المستمر هو استجلائها. ولعلى أُوفق فى أن يشاركنى الكثيرون ذلك بعد أن ينتهوا من قراءة هذه الدراسة
(14)
حكمة مصر
بعد أن عرضت الدراسة، فى أسلوب موجز، لكنه واف بقدر الإمكان، ما يتعلق بأصول الحضارة المصرية، وتطور بناء الأهرام، والمقارنة بين أهرام مصر وما يقال إنه هرم المكسيك وهرم الأنجور وأهرام الهند، بعد ذلك، عرضت الدراسة إلى حقيقة الرسالة المصرية فيما يتصل بالحكمة والعقيدة والمعرفة المقدسة، وترى الدراسة من ثمّ، أنه من الأفضل، أن تقدم حكمة مصر، على ما حصلناها وحررناها فى كتابنا “الأصول المصرية لليهودية” مع تصريفات وتحويرات وتأويلات يقتضيها سياق الدراسة الحالية.
فى كتابه، التواريخ (Histories) قال المؤرخ الإغريقى هيرودوت “484- 425 ق.م” : إن المصريين القدماء كانوا يعتقدون بأنه فى بداية عصورهم، حكمهم الأرباب “أى السادة المتميزون، والتي تترجم خطأ إلى الآلهة”. ثم بعد ذلك حكمهم أنصاف الأرباب، ثم بعد ذلك حكمهم الناس. وثمت كتاب عنوانه بالإنجليزية مكتبة نجح حمادى (The Nag Hammadi Library) وهو الكتاب الذى يحتوى ما يسمى بأناجيل المعرفة (Gnostic Gospels) والتي عُـثر عليها بالقرب من مدينة نجع حمادى بصعيد مصر، وفى هذا الكتاب نص بأن الأرباب “السادة المتميزون” صعدوا من مصر وتركوها ومن ثم صار الناس، بغير إرشاد روحى ولا توجيه حكيم، فساد بينهم الإضطراب وعمّ الاختلاط وانتشر التدهور، وغلب على الناس الطيش والنزق والتهور.
ويقصد بالأرباب فى هذا الكتاب وذاك، ما سلف بيانه من أنها قوى ذات خصائص (Characteristics)، ومُكنات (Potentialities) وقابليات (Capacities) تفوق المستوى العادى للبشر، وهى من ثم فى تجسدها البشرى ووجودها الدنيوى، تؤدى رسائل أو تنتج أعمالاً أو تنشىء أفكاراً، لا يقدر على أدائها أو ابتداعها الفرد العادى من البشر، وهؤلاء هم الذين يسميهم الناس عباقرة أو موهوبين أو أفذاذا “فائقى القدرة” وتطلق عليهم التوراة تعبير أبناء الله الجبابرة، نسبة إلى كوكبة الجبار (أبناء الله رأوا بنات الناس أنهن حسناوات، فاتخذوا لأنفسهم نساء من كل ما اختاروا) سفر التكوين 6 : 1، 2.
يوجد ما يسمى بالتعاليم السرية لقدماء المصريين، وهذه التعاليم هى أعلى درجات المعرفة الكونية، استطاع بعض علماء المصريات (Egyptologists) ذوى النزعة الصوفية العقلية أن يصلوا إليها من بعض النصوص، بطريق الفهم المباشر، أو بقراءة ما بين السطور، أو بإدراك معناها الداخلى الذى يسمى أحيانا بالباطنى (Esoteric). وفى هذه التعاليم أو المعرفة أن حكمة مصر كانت تنبنى على معرفة عميقة بأصول الكون، وقواعد الخلق (Geneses)، وفى تطبيق هذه القواعد وتلك الأصول فقد صيغت فى قوانين تختزلها إلى عدد محدود من الوظائف التى تلزم للكينونة فى الوجود، وكل هذه الوظائف مرتبطة ببعضها وممثلة للقوى الكونية التى تنبض بدورها من خلال ما يمكن أن يسمى بالقلب الكونى أو النبع الكونى أو الضمير الكونى.
بهذا المعنى كانت مصر القديمة راعية للحكمة الخالدة، حيث تجسد فيها أوزير وهو الكلمة والحكمة والروح، فبذر بذار المعرفة الكونية الصحيحة ومن ثم فقد ظلت روح مصر خالدة تنقل الحكمة العميقة والمعرفة الكونية إلى أجيال بعد أجيال، وفيها تجلت قوى ربانية فى علماء وحكماء وزعماء حتى إذا ما دار الفلك دورة خاصة “ابتدأت بالعقد اللولى الذى انتثر فى آفاق السماوات يوم 2 مايو 2000” عاد الوضع إلى أصله، لتعود مصر إلى ما كانت عليه فى بداية التاريخ البشرى، حيث تكون مرة أخرى مركزاً للمعرفة، وموئلا للحكمة، ومثابة للنور، فى عالم عاجز عن الوصول إلى حقيق الحكمة الربانية وصميم المعرفة الكونية.
واتباعا لهذا الطريق، تركز الدراسة على بعض نقاط حكمة مصر، بأسلوب انتقائى، غير اطـّرادى، لتخلص منه إلى أثره على الفكر البشرى، وقيمته فى الإحياء الإنسانى الجديد، الذى لابد أن يحدث فى عصر الدلو (Aquarius) الذى صار فى قبة السماء.
أ) الخطوة الأولى فى طريق الحكمة هى إيقاظ الشعور الكامن وتنمية قوى الملاحظة، والتعرف على القيم الحقيقية والشعور بالمسئولية الكونية، وهذا مما يمكن تلخيصه فى ضرورة تجربة الحياة، من خلال منهج واضح محدد، للفحص والتمييز والفهم والتقدير.
ب) الأرباب هى قوانين الطبيعة، وقد فسرها العالمون فى مصر القديمة لتكون مفهومة للناس مقبولة منهم، فقدموها إليهم على قدر عقولهم ونوع فهومهم، ولكن هل للفرد قوة لتعديل قانون للطبيعة ؟ ربما كان المرء عاجزا عن الحكم، وعليه اتباع صوت قلبه “ضميره” ولسوف يقوده الصوت النقى نحو الحقيقة الكبرى.
ج) اسمع يا إنسان، سوف يأتى يوم تعرف فيه البشرية كيف تعبد الله الحق، وفى هذا اليوم لن يحتاج الناس إلى معابد وهياكل، ولا إلى أساطير وتواليف، ترمز إلى عمل القوى الكونية ؛ ولا تماثيل ومقاصير تصور الحالات المتناثرة لتجلى القوى. ولن يكونوا فى حاجة إلى كتابات غامضة أو تراتيل متتابعة تشير إلى المعنى السرى للعلم الكونى. آنذاك سوف يصبح الناس جميعاً، ولهم أعين يبصرون بها، وآذان يسمعون بها، وبصائر للرؤية الشاملة النافذة.
د) إنهم يظنون أن المعبد “أو الهيكل” هو بيت الله، لكن قلب الإنسان هو البيت الحقيقى لله. ولابد من وضع تفرقة بين الفكرة والتعريف بها فهذا غير تلك.
هـ) يا إنسان ! اعرف نفسك. فالمعرفة وعاء من الزجاج النقى الذى يمتلىء بالحكمة، وفى هذا النقاء ينعكس الكون بأسره ثم يتركز فى شعاع مفرد ثم يتساقط على سطوح الحيطان “أى الأشياء”.
و) التعليم الحقيقى ليس مجرد تجميع المعلومات إنما هو فى الأصل والأساس إيقاظ الشعور الذى يتعالى ويسمو درجا إثر درج، يفتح كلا منها بابا بعد باب، حتى تتحقق الغاية فى الإكتمال.
ز) يا إنسان : لا تقل أنا خالٍ من الخطايا “فالاعتراف بالخطيئة أول طريق للتخلص منها والسمو عليها”.
ح) الإعتقاد لا شىء، لأن الأدلة عليه مطلوبة وإلا كان الإعتقاد خاويا فارغاً يمكن أن يملأه فكر مغلوط أو رأى مخلوط “أى إن الإعتقاد بغير دليل واضح سليم هو التعبير الدارج للإيمان الأعمى غير البصير”.
ط) لحسن المعرفة ينبغى أن تستثير فى نفسك الفضول وحب الإستطلاع (بحيث لا يتوقف قط ولا ينتهى أبداً).
ي) حركة السماء تحكم وضع البشرية ومستقبل الإنسان، ومن ثم فإن الأصل أن يكون التاريخ والثقافة والعمل صورا لها. وسعادة المجتمع (المحلى والعالمى) أن يكون ما فى السماء هو ما على الأرض، فعند ذلك يكون قد تحقق التوافق والتكامل الكونى.
ك) مصر هى صورة السماء وبالأحرى (أو بمعنى آخر) إنها المجال الذى كان وسيطا ومسقطا لكل العمليات التى تحكم وتحرك القوى الكونية. وفى الحقيقة فإن مصر هى معبد العالم كله.
ل) الكتابة الهيروغليفية (Neteri Medu)، بمعنى الكتابة المقدسة، تتكون من رموز تشير إلى معان كونية ومقادير إلهية. والمسطورة الدينية التى تطورت من العصور الأولى إلى آخر أيام مصر القديمة هى بدورها رمزية، ولكل رمز منها معنى داخلى “باطنى Esoteric”. ولعل هذا يظهر بوضوح فى رموز الأفلاك “الكوكبات Constellations” مثل الحمل والثور والأسد والجدى والعقرب والنسّر “القوس”، وهكذا. وعلى سبيل المثال فإن الرّبة “أو السيدة” سفـْخت (Sefekgt) تمثل عدد القوى الكونية المنشئة للكون، وهى سبع قوى “تظهر فى ألوان الطيف السبعة والسبع مقامات الموسيقية، والسماوات السبع والأرضين السبع، وهكذا”.
م) كان المصريون يقصدون أنفسهم عندما يقولون إنهم الناس أو ينطقون لفظ الناس، ولم يكن ذلك عن صلف منهم أو كبرياء ولكن لأنهم كانوا يقصدون باللفظ معنى العارفين للقوى الكونية التى يهيمن بها الإنسان على شخصيته الدنيا.
ن) كانت مدينة أون الأرضية لدى المصريين صورة من مدينة أون السماوية، كما كانت مصر صورة السماء.
س) العناصر الوراثية (Genetics) أمر يتعلق بالدم والجسد، لكنها لاتتصل على الإطلاق بالذات (Identity) التى تسمى تجاوزا بالروح. بل إن الذات أو الروح تتخير من العناصر الوراثية ومن الظروف البيئية ومن الأوضاع الإجتماعية ما يلائمها وما يناسبها فى تحقيق أغراضها واكتمال وجودها.
ع) تحقيق الأهداف الكونية يكون بتحرير المعانى من رموزها، والأفكار من حروفها، والأرواح من أجسادها، والوقائع من ملابساتها.
ف) لآلاف السنين كان المصريون هم الشعب المختار ليكونوا شهداء للحكمة الكونية التى تعين الإنسانية وترقى بها. وقد احتفظت مصر فى تكاملها بالعنا صر الأساسية التى أودعت لديها منذ البداية، وهذا مما يؤكد أن مصر فى وقت آخر “قريب” سوف تكون من جديد مركزا كونيا للحكمة.
ص) يا إنسان ! عليك أن توقظ ضميرك الفردى وأن ترابطه بالضمير الكونى، فهذا هو الذى يؤدى إلى أن تعرف وتسلك سبيل الحق والعدل والإستقامة والنظام، الفردى والكونى، وبهدوء وسلاسة. والمعرفة الكونية وحدها هى التى تتجلى بها الألوهية فى الإنسان.
ق) المعرفة الكونية هى الشعور الواعى بالحقيقة، والحقيقة هى جماع القوانين التى تحكم الكون، وتضبط الأسباب التى تتدفق هذه القوانين منها.
ر) يا إنسان ! عليك أن تعرف جيداً ذلك الفارق بين الظاهرة الطبيعية والظاهرة السحرية. والفارق بين العلاج الطبيعى والعلاج السحرى. فالظاهرة الطبيعية هى نتيجة لقوى طبيعية معروفة، أما الظاهرة السحرية فهى نتيجة لقوى أخرى لا يعرفها الناس بعد ولم تدخل ضمن القوى الطبيعية التى يدركونها ؛ لكنهم يمكن أن يكتشفوا أسسها ويتعرفوا على أسبابها فيما بعد. والقوانين التى تدخل فى نطاق القوى الطبيعية غير تلك التى تكون من مجال ما يسمى بالقوى السحرية، وهو ما يعنى أنه لما يسمى بالظواهر السحرية قوانين خاصة بها تختلف عن القوانين الفيزيائية (وهو ما كررناه فى دراسات لنا سابقة).
ش) كان المصريون القدماء يجمعون بعض القوى فى ثالوث، مثل آمون ورع وبتاح، لكنهم كانوا يرون أن الثلاثة فى واحد، أو هم واحد له مظاهر مختلفة، لكن التثليث كان مقصورا على الأرباب أو السادة. أما الله فكان يتجلى فى الكلمة التى تم بها الخلق (على حد التعبير القرآنى : كن فيكون)، وتشكيل الوجود، والخلاص للناس، لكنه لم يدخل فى ثالوث قط. فالكلمة هى التى تنطوى وتحتوى على قدرة الخلق (Creation)، والتشكيل (Animation)، والخلاص أو النجاة (Salvation).
ومن جانب آخر فقد كانت الكلمة (The Word)، وهى الحكمة (The Wisdom)، وهى الوحى (The Revelation) ؛ والثلاث وظائف أو مظاهر (باليونانية أقانيم) فى واحد، أو هم واحد ؛ مثلها فى ذاك مثل الشمس، فهى فى قرص ظاهر، وعنها تصدر الحرارة ومنها يشع النور، والثلاثة فى واحد.
ت) يقصد بالمعرفة الكونية ما يسبق التعليم العادى (A priori Knowledge) وهى تستثار ويُسار إليها، بالوعى واليقظة والتنبه (ومن هذه القاعدة أخذ أفلاطون مقولته من أن العلم، يقصد المعرفة، ذكر وأن الجهل نسيان).
أأ) يرتبط كل من الخير والشر بمبدأ الثنائية ووضع الأزدواجية الذى هو صميم الكون المادى الفيزيقى. فلا يوجد فى هذا الكون خير مطلق أو شر مطلق، فى التعاليم المصرية، فإذا كان ثمت خير مطلق أو كان ثمت شر مطلق، ما أمكن أن يوجدا معا فى مجال واحد أو سبب مفرد، ذلك أن المطلق ينفى غيره، مع أنه من اللازم أن يوجد كل منهما وأن يوجدا معا، وإلا انتفى مبدأ الثنائية ووضع الأزدواجية، الذى يقوم عليه الكون المادى ويتأسس العالم المنظور.
فالخير والشر، كمتقابلين أو متناقضين، يلزم أن يوجدا فى الطبيعة، ومن ثم فإنهما ليسا مطلقين، وإلا جبّ أحدهما الآخر أو انتفيا معا.
فكل من الخير والشر نسبى، وفقا للمفهوم المصرى الذى لا يضع تعريفا لشىء إلا فى نطاق تعريف لشىء آخر. وبالذات فإنه لا يعرف وضعا أو معنى إلا فى نطاق تعريف عكسه وبيان نقيضه.
وبالنظر إلى الفرد، فإن اكتمال تحقيق ذاته، لابد أن يكون متصلا بأعضاء مملكة طبيعية، أو مرتبطا بالكلية الإنسانية عموما ؛ بمعنى أن يكون الاكتمال الفردى فى واقع محقق، وليس مجرد صياغات لفظية أو ادعاءات كلامية.
ب ب) يعنى التصوف المصرى البحث عن وسيلة تحرير الذات من القواعد التقليدية والقيود المادية. والقصد من التصوف الفردى هو امتلاك شعور متكامل متعال داخل كيانه الذاتى (أو حقيقته المؤقتة) يتواصل مع كونيته الروحية ؛ بحيث يكون العقل والعواطف والطاقات مجرد وسائط مساعدة للتسامى فوق كل ما هو عادى وشخصى وقاصر، بدلا من الوقوع فى حبائلها والإنحدار فى مهاويها.
ويعنى ذلك ببساطة أن التصوف فى جوهره هو امتداد الذات (أو الضمير) الفردى ليتوحد مع الذات (أو الضمير) الكونى، ولا يكون ذلك صحيحاً وفعالا إلا من خلال التجربة المباشرة والمعرفة الكلية الكونية.
ج ج) كل شىء مرتبط ومتداخل مع كل شىء آخر، ولا يمكن إدراك ذلك إلا من خلال الولوج ثم السير فى شريعة أوزير (Path of Osiris) لأنه كسيد (رب) للطبيعة قدم الطريق الصحيح للتداخل فيها والتوافق معها.
وشريعة أوزير (أوذريس بالنطق اليونانى وإدريس فى اللفظ القرآنى) تتلخص فى تعبيرين : الكل فى واحد (All in one)، والكل فى الكل (All in All).
د د) فى العالم المادى لا تظهر الحقائق عارية، لكنها تتشح بوشاح وتتغطى برداء، عادة ما لا يستطيع الشخص العادي أن يدركه أو يستطيع نزعه أو يقدر على النفاذ إلى ما ورائه. لكن من لديهم معرفة مقدسة، ومن تدربوا على استيعاب الحقائق مهما كانت مرة أو صلبة أو غريبة يستطيعون تخطى الرمز إلى المرموز له، وعبور الإشارة إلى المشار إليه، وتجاوز الدلالة إلى المدلول عليه.
الترجمة بتصرف كثير جدا عن كتاب (Egyptian Initiate, Two volumes). وهذا وجيز، واف واضح، للمبادىء المصرية فى الحكمة الربانية والمعرفة الكونية. يظهر منها بوضوح أن مصر كانت هى السابقة بحق فى وضع أصول هذه المعرفة وتلك الحكمة وهى التى نشرت إشعاعاتها فى كل أنحاء العالم وغرست مفاهيمها فى كل التراث الإنسانى.
ومن النظرة العلمية والمقارنة الموضوعية يتبين أن الآخرين ومنهم الإغريق والعبرانيون، أخذوا من مصر أشياء وتركوا فيها أشياء. ويلوح أن العلة فى ذلك أن المصريين لم يكونوا يشرحون للغرباء كنه علومهم وأصل حكمتهم ومن ثم فقد فهم هؤلاء منها شيئاً وغابت عنهم أشياء. ومهما يكن من أمر فإن المقابلة والمقارنة بين الفكر المصرى القديم وكثير من الفكر الدينى الحالى تخلص فيما يلى:
1- مصر كانت تنظر دائما إلى الداخل الفردى والكونى، من خلال الضمير والقلب والذات، أما الفكر الدينى الغالب فهو يتعلق كثيرا بكل ما هو خارجى، سواء كان ذلك فى القوانين والقواعد والشعائر التى تحكم الشخص من الظاهر، أم فى فكرة التكفير عن الذنب أو الخطأ بذبيحة أو تقدمة، أو بأن يتحمل الكاهن وزر الشخص وذنبه وخطيئته، خلافا لما كان مقررا فى الفكر المصرى من أن فضيلة الرجل الصالح أفضل عند الله من أية ذبيحة.
2- ويظهر الفصل الحاد فى التركيز المصرى على القلب وأنه هو بيت الله فى حين يقوم الفكر الدينى الغالب على وجود معبد أو مقام أو مزار يعتبر هو بيت الله عوضا عن القلب وبدلا من الضمير، والفارق بين الاتجاهين واضح ومؤكد وله تداعيات كثيرة وخطيرة، أولها وأهمها أن يلتفت المرء عن نفسه لينتبه إلى أثر خارجى ؛ وأن لا يُعنى بتنقية قلبه، بل يهدف إلى تنظيف مكان معين. وأن لا يُحكم على الأشخاص والأشياء فى جوهرها وإنما يغلب عليه صدور الحكم على الظواهر والصور والإدعاءات.
3- فى مصر القديمة كان الفكر دون تعريف يعد لغوا بلا أى قيمة، كما كان الرأى فى مسألة محددة عبثا لا طائل وراءه. أما فى الفكر الدينى الشائع فقد وُضعت أفكار كثيرة جنبا إلى جنب وصيغت كلمات وفيرة فى صفوف متراصة وإيقاعات مستمرة، مما شتت الوجود الإنسانى وضيع العقل وبدد الفكر وجمد المعتقد فى صياغات وكلمات وروايات، غالبا ما تكون متعاكسة أو متشاكسة، لا تضع تعريفا ولا تحدد معنى. وكانت نتيجة ذلك أن تحولت بعض المعتقدات إلى أن تصبح أيديولوچيات أساسها الشعارات الخاوية والعبارات الفارغة والاتجاهات الجامدة، فهى من ثم شعارات إلى جوار شعارات أو عبارات إلى جانب عبارات أو كلمات إلى صف كلمات، بغير أى تعريف أو توصيف ؛ الأمر الذى يؤدى فى الأيديولوچيا عموما، وفى الدينية منها خصوصا، إلى شل الفكر وأسر العقل، ومنع الفحص وقمع النقد. فكل قول أو رأى أو نص أو حديث هو من المُسلـّمات (Postulates)، مهما كانت متناقضة أو كانت متعارضة أو كانت متهاترة.
4- فى حين حرصت مصر على المعرفة الكونية، وفرضت على كل فرد أن يسعى إليها بنفسه، فإن معتقدات كثيرة عُـنيت بالمعرفة الكهنوتية (أو الفقهية) وفرضت على كل فرد أن يأخذها من الغير دون نقاش. ويلاحظ أن الكهانة قد تكون بحكم الشرع (De jure) أو تكون بحكم الواقع (De facto) ؛ وفى الإسلام لا توجد لدى السنة كهانة بحكم الشرع لكن ظروف الحياة السياسية أوجدتها بحكم الواقع (De facto). أما لدى الشيعة فتوجد مرجعية دينية مما يُعد كهانة بحكم الشرع (De jure).
5- فى مصر القديمة، كان الاعتقاد أن مدينة أون “شمال شرق القاهرة حالا” هى صورة أون السماوية، وهذه الفكرة نقلتها اليهودية لتشير بها إلى أورشليم السماوية، وهو تعبير ورد بنصه فى سفر رؤيا يوحنا اللاهوتى ؛ كما أن بعض المسلمين يعتقدون أن الكعبة الشريفة فى مكة هى صورة من كعبة توجد فى السماء.
وفكرة وجود شىء أو شخص على الأرض مماثل لشىء أو شخص فى السماء هى “نظرية المـُثل” عند أفلاطون نقلها عن مصر ويقول بمقتضاها أن كل شىء أو شخص على الأرض مثل لآخر يوجد فى السماء فى عالم اسمه عالم المثل.
وكل هذه الأفكار هى تطبيق شائه للمبدأ المصرى “ما فى السماء يكون على الأرض”، وهو – على ما سلف – ذات المبدأ الذى قدمه السيد المسيح فى الصلاة المسيحية بفهم صوفى هو طريق الفهم المصرى.
6- اعتقد المصريون أنهم شعب الله المختار لتحصيل المعرفة الكونية وتفعيل الحكمة الربانية، وكان مقتضى هذا الفهم أن يكونوا مكلفين أفرادا وجماعات بهذا التفعيل وذلك التحصيل ونشره فى كل الأنحاء ومده إلى كل الأرجاء وبثه فى كل إنسان وبعثه بأى إمكان. وبهذا كانت مصر منشئة للفكر والمعرفة، ناشرة للحضارة والثقافة، داعية للسلام والأمان، ولم تتحول مصر إلى قوة حربية تؤسس الإمبراطوريات وتستعمر بلاد الغير إلا بعد أن عانت الأمرّين من الهكسوس (رعاة الماشية) فأدى طردهم من مصر وتعقبها لهم إلى تغيير مؤقت فى رسالتها بسبب الدفاع عن النفس خلال الدولة الحديثة.
أما العبرانيون الذين نقلوا عن مصر فكرة شعب الله المختار فإنهم لم يقدموا سببا واحدا لهذا الاختيار، بل إن نصوص التوراة ذاتها تمتلىء بما يفيد غضب الإله عليهم وتخليه عنهم، وكانت هذه الفكرة الموهومة وما زالت سببا فى الاستكبار الفردى والاستعلاء القِبلى، كما أنها كانت السبب فى أغلب ما حاق بهم من مكاره وإيذاء وما صدر عنهم من إضرار بالآخرين (الجوييم أى الأممين أو الأميين بالتعبير القرآنى). وقد دفعتهم الفكرة التى لا ترتبط بالمعرفية ولا تنبع من الكونية إلى إعلان الحروب على كل الشعوب، منذ أن خرجوا من مصر وحتى الأن، وهى حروب مادية ومعنوية ألحقت بهم وبالبشرية أضراراً بالغة.
وما حدث لدى العبرانيين من فكرة “شعب الله المختار” حدث لدى بعض المسلمين، وخاصة أرباب وأصحاب الأيديولوچيا أى الإسلام السياسى. فمن الأية “كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر” سورة آل عمران 3 : 110، اجتزأ البعض القسم الأول، وصرفه فى ذات المصارف العبرانية، ومن ثم أصابهم داء الاستعلاء على الآخرين وانتشر فيهم وباء الاستكبار على الأغيار، بل واتهموا من عداهم بالاستعلاء والاستكبار، وهو أمر معروف فى علم النفس بما يسمى الإسقاط (Projection)، ويحدث حين يُسقط العليل نفسيا أو المريض عقليا علته ومرضه وداءه وصفاته على الآخرين ؛ وهو ما يعبر عنه المثل العربى حيث يقول “رمتنى بدائها وانسلت”.
الخيار الوارد فى الآية القرآنية، من واقع النص وواضح التعبير، مشروط بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ومن لا يأمر بغير المعروف أو يفعل المنكر ويبرره بالحق أو يسوغه بالعدل، لا يمكن أن يكون مختارا من الله قط. يضاف إلى ذلك أن ثقات المفسرين المسلمين متفقون على أن المقصود من الآية هى الجماعة الإسلامية الأولى التى تحلقت حول النبى فى مكة، فهذه الجماعة هى الأمة، وهو لفظ من أصل عبرى يعنى القبيلة أو الجماعة، أما الناس الذين أُخرجت إليهم هذه الجماعة وخـُيرّت عليهم، فهم أهل مكة آنذاك، فلقد كان لمكة أسماء عدة منها “الناسة” وكان أبناء مكة يُـنسبون إلى اسمها هذا فيقال إنهم الناس. وتأكيدا لهذا المعنى فإن الخطاب القرآنى فى التنزيل المكى كان يوجَّه دائما إلى الناس، لكنه تحول فى التنزيل المدنى ليغلب عليه التوجيه إلى المؤمنين.
7- الخير والشر فى الفهم المصرى حالان نسبيان، ليس فيهما مطلق أبدا، وإلا أدى المطلق إلى نفى الآخر وانفراده بالساحة، فإما خير مطلق وهو مستحيل، وإما شر مطلق، وهذا هو الذى ينتهى إليه الواقع الذى لا يتلطف بالخير ولا ينضبط بالحق. ومن هذا المفهوم السديد فقد رأوا أن كل فعل وأى قول إنما يقدّر فى سياقه ويفهم فى نطاقه، وهو ما يتأدى إلى أن تكون المكانية والزمانية والتاريخية والنسبية أبعادا أساسية فى كل فعل وأى قول، لا يمكن الحكم عليه أو تقديره بعيدا عنها.
فى أغلب الفكر الدينى فإن الشر جاء إلى المرء من خارجه، من خلال الحية أو الشيطان، ومن ثم فإن تقدير الأفعال والأقوال يتم وفقاً لمعيار مطلق، فهى إما أن تكون خيرا محضا وإما أن تكون شرا مطلقا. وهذا المعيار المطلق يؤخذ من عبارات كهنوتية أو تفسيرات فقهية أو نصوص وقتية أو تعبيرات رمزية، لا يُدخل فى تقديره الظرف النسبى بما ينطوى عليه من حدودية المكان ووقتية الزمان وتاريخية الأشياء ونسبية الأشخاص والنصوص والمعايير، كما أنه لا يضع فى مفهومه الفارق بين الرمز والمرموز له أو الإشارة والمشار إليه.
8- كانت اللغة المصرية والكتابة الهيروغليفية، لغة مقدسة وحروفاً مقدسة، ذلك لأن الذى علمها للمصريين هو تحوت رسول الإله الأكبر إلى الناس (وهو مظهر من مظاهر الكلمة)، هذا فضلا عن أن الحروف الهيروغليفية كانت تنطوى على معان داخلية أو باطنية، لا يعرفها إلا أولو العلم وذوو الحكمة. وقد قال العبرانيون ذلك عن لغتهم العبرية، مع أنهم فى الأصل كانوا يتكلمون اللغة الكنعانية، وألواح الوصايا العشر التى قدمها إليهم موسى كانت مكتوبة بالحروف الهيروغليفية، لأن موسى لم يكن يعرف إلا اللغة المصرية القديمة التى رُبى عليها ونـُشّىء وترعرع وهو يتكلم بها (يراجع فى تفصيل ذلك كتابنا : الأصول المصرية لليهودية). وقد نشأت اللغة العبرية فى القرن التاسع قبل الميلاد، أى بعد موسى بأربعة قرون، ولم تصبح لغة تخاطب عادى إلا فى القرن الثانى قبل الميلاد.
وجدير بالذكر فى هذا الصدد أن اللغة العربية، بشكلها الحالى، كملت قبل ميلاد النبى “ص” بحوالى قرن من الزمان، وأنها كانت ذات لهجات متعددة جمعها النص القرآنى الذى كُـتب أيام عثمان ابن عفان، وسمى بالرسم “أى الكَـلمْ” العثمانى.
هذه هى حكمة مصر، صدرت عن ضمير الكونية ونبعت من صميم الإنسانية، لتقدم الألوهية الصافية والكونية الصادقة والإنسانية الراقية.
ففيها، ولديها، أن الله هو الإله الأكبر أى الذى هو أكبر من أى رب آخر، واحد أحد ليست له صورة ولا شكل ولا هيئة ولا رسم وليس كمثله شىء أو شخص أو خلق ؛ وهو بلا شريك أو قرين أو رفيق، ومعه كانت ومنه فاضت الكلمة، وهى لفظة باللغة المصرية القديمة تعنى الكلمة المتحركة الفعالة (مثلما هو الحال فى اللفظ اليونانى المقابل للكلمة Logos). والكلمة هى قوة الله الخلاقة “كن فيكون”، كما أنها روح الله التى تبث الحياة فى كل شىء، وهى الحكمة التى تسرى فى ثنايا الأكوان والإنسان فتجعل لكل شىء معنى وتوجد التوافق والتناسق والتواثق بين قوى الكون جميعا ليكون الكل فى واحد والواحد فى الكل، وهى فى هيئة أو صورة أخرى الوحى الذى يوجد فى وعى أو طبع كل خلق فيوحى للحيوان والحشرات والزواحف وغيرها نظام عملها وأسلوب حياتها فيما يسمى بالغريزة (Instinct) بحيث تسير فى عملها وحياتها سيرا سليما محددا ليس فيه خطأ أو انحراف، على نحو ما جاء فى القرآن “وأوحى ربك إلى النحل” سورة النحل 66 – 68.
كما توحى إلى الإنسان بالحق والعدل والإستقامة والنظام، وهى حقائق وطرائق لا يعرفها ولا يصل إليها إلا القلب الصافى السليم والوعى النقى الخالص الذى يكون نتيجة ثم يكون سببا إلى المعرفة المقدسة والإيمان الصحيح التى بها وبها وحدها ينال المرء الخلاص من شوائب الماديات وضوارى الجهالات وتدنى السفالات.
هذه الحكمة التى هى صميم الرسالة المصرية ضاعت وتاهت وبادت حين تحولت بعض المعتقدات إلى أن تكون عمل المؤسسات أو تصير محض أيديولوچيات، فانتهت بالبشرية إلى الضلال والضياع والهلاك.
أهم المراجع
1- Plato , great dialogues.
2- E.A. wallis Budg , the gods of the Egyptians 2 volumes.
3- E.A. wallis Budg , the Egyptian Book of the Dead.
4- E.A. wallis Budg , osiris 2 volumes.
5- Henry frankforts , kingship and gods.
6- lsha swhwaller de sulicg , Egyptians initiate 2 volumes.
7- E.A.Wallis Budge , Egyptians Magic.
8- Peter femesurier , The great pyramid Decoded 1977.
9- الكتاب المقدس – الطبعة البروتستانتينية.
10- Peter Tompkin , secrets of the great pyramid 1973.
11- King Land , The great pyramid in Facened Theary 1932.
12- Abb M. Moreux , la sience mysterieuse des pharons , paris 1924.
13- james henri breasted , dawn of conscience.
14- encyclopedia Britannica.
15- encyclopedia Americana.
16- The nag hammadi library. General Editor Games M. Robinson
17- مؤشر بحث Google، مؤشر بحث yahoo مؤشر بحث، MSN.
وخاصة فى البحوث التالية:
Great pyramid statistics, construction stones
The pyramid of orion
Orion ( constellation )
Ptah , the universal architect god
Constellation
The mystery of the sphinx
Symbolism and coincidences of the great pyramid
Hermes Trismegistus
The deep photographic guide to the constellation
Sirius
Sirius , mystery of red color
Osiris
Sirius mythology
The great pyramid of giza
Mercury in Astrology
Apollo
Hermes ( roman mercury )
A new look at planetary symbolism
Egyptian …. Themes in Christian tradition
Pagan Christ’s
Mercury
Illuminating the Mysteries of the Great Pyramid and the Sphinx
by Jan Wicherink