يشكل الأمر التنفيذي الصادر عن الرئيس الأمريكي في 24 نوفمبر 2025، والذي يبدأ عملية النظر في تصنيف فروع معينة من جماعة الإخوان المسلمين كـ”منظمات إرهابية أجنبية” (FTOs) و “إرهابيين عالميين مصنفين تصنيفًا خاصًا” (SDGTs)، نقطة تحول مفصلية في تعامل واشنطن مع الجماعة. هذا التحليل يسعى لاستقراء مصير الجماعة، ردود أفعالها المتوقعة، والآثار المترتبة على دول مثل ليبيا.
1. تحليل الأمر التنفيذي الأمريكي والمحفزات
الأمر التنفيذي يستند إلى صلاحيات قانون الهجرة والجنسية (INA) وقانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية (IEEPA)، ويحدد هدفًا واضحًا: تجفيف موارد فروع الإخوان المعينة وإنهاء التهديد الذي تشكله على مصالح الولايات المتحدة وشركائها.
دوافع التصنيف:
الأمن الإقليمي: ربط الأمر التنفيذي فروع الإخوان في لبنان والأردن ومصر بأنشطة عنيفة ومزعزعة للاستقرار.
لبنان: الإشارة إلى انضمام الجناح العسكري لفرعها إلى فصائل مسلحة بعد 7 أكتوبر 2023.
مصر والأردن: الإشارة إلى دعوات من قياداتها للعنف ودعم مادي مزعوم للجناح العسكري لحماس.
الإطار الزمني: تزامن الأمر مع مؤتمر عالمي للإخوان المسلمين في “لاهور”، ما يشير إلى محاولة استباقية لتقييد النشاط التنظيمي العابر للحدود.
التوجه الدولي: الأمر يأتي في سياق تزايد الإجراءات الأوروبية، مثل تلك التي اتخذتها فرنسا، لتضييق الخناق على نشاطات الإخوان تحت مظلة مكافحة التطرف.
حدود الملاحقة والتجريم:
التصنيف كـ (FTO) أو (SDGT) ليس مجرد إدانة سياسية، بل له تداعيات قانونية ومالية صارمة:
تجميد الأصول: يتم تجميد جميع الأصول والمصالح في الممتلكات التي تخص الكيانات والأشخاص المصنفين والخاضعة للولاية القضائية الأمريكية.
حظر التعاملات: يُحظر على المواطنين والكيانات الأمريكية إجراء أي تعاملات أو تقديم دعم مادي أو موارد مع المصنفين.
تأثير الهجرة: يصبح أعضاء المنظمات المصنفة غير مؤهلين للحصول على تأشيرات دخول إلى الولايات المتحدة.
ملاحقة الشبكات: يمتد التجريم ليشمل الأفراد والكيانات التي تقدم “الدعم المادي” أو “التسهيلات” للكيانات المصنفة. هذا يشمل الشبكات المالية والمنظمات غير الحكومية المرتبطة بها.
2. مصير الإخوان المسلمين وفروعهم والأدوات المرتبطة بهم
في ظل هذا الضغط المشترك (الأمريكي، الأوروبي، الإقليمي)، يواجه الإخوان المسلمون تحديًا وجوديًا:
التشظّي التنظيمي: من المرجح أن يؤدي التصنيف إلى تسريع عملية التشظي والانفصال بين الفروع. ستحاول الفروع غير المصنفة (أو التي لم تذكر صراحة) أن تنأى بنفسها عن الفروع المستهدفة لضمان استمراريتها.
تجفيف التمويل: سيُشكل التجفيف المالي، خاصة في ضوء القيود المحتملة على الداعمين الاستراتيجيين مثل قطر وتركيا، ضربة قاضية لـ “الكلبتوقراطية” المزعومة ولنشاطاتهم الاجتماعية والسياسية.
التحوّل السري: ستضطر الفروع المستهدفة إلى التخفي والتحول إلى العمل السري بشكل كامل لتجنب الملاحقة، ما يقلل من تأثيرها السياسي العام ويحولها إلى مجموعات شبحية.
الضغط على الداعمين: ستواجه الدول التي كانت تعتبر “رافدًا وداعمًا استراتيجيًا” (قطر وتركيا) ضغوطًا دبلوماسية ومالية متزايدة من الولايات المتحدة والشركاء الأوروبيين لإعادة تقييم دعمها للجماعة.
3. التأثير على المستقبل القريب وردود الأفعال المتوقعة
رد فعل الإخوان المسلمين (الاستراتيجية المتوقعة):
الإنكار والمظلومية: سيعتمدون خطابًا رسميًا ينكر اتهامات الإرهاب، ويُصوِّر الأمر التنفيذي كـ “مؤامرة سياسية” أو “استهداف للإسلام السياسي المعتدل”.
فك الارتباط الظاهري: إجراء تغييرات هيكلية وشكلية للفروع لتجنب التصنيف المباشر، مثل تغيير الأسماء أو الإعلان عن فك الارتباط التنظيمي بين الفروع (خاصة بين الجناح السياسي والأنشطة المسلحة).
التحول الدَعَوي والاجتماعي: التركيز على الأنشطة الدعوية والاجتماعية والخيرية (المحلية غير الممولة خارجيًا) كوسيلة للحفاظ على القاعدة الشعبية، مع العمل السياسي في الظل.
اللجوء القانوني والدبلوماسي: استخدام اللوبيات في أوروبا والولايات المتحدة للطعن في قرار التصنيف والمطالبة بإجراءات قانونية دولية. تأثير ذلك في المستقبل القريب:
فترة 30-45 يومًا: ستكون فترة اضطراب حادة، حيث ستعمل الأجهزة الأمريكية على تحديد أسماء الفروع والقيادات والأشخاص المراد تصنيفهم. ستبدأ الشبكات المالية المرتبطة بالجماعة في تفكيك نفسها أو البحث عن قنوات تمويل بديلة.
زيادة التضييق: ستزداد الإجراءات الأمنية والإدارية في أوروبا والدول العربية تجاه الأفراد والمنظمات التابعة أو المتعاطفة مع الإخوان.
تفاقم الانقسامات: ستتعمق الخلافات بين “جبهة إسطنبول” و “جبهة لندن” (إن وُجدت) والفروع المحلية حول كيفية التعامل مع الضغط.
4. انعكاس الوضع على ليبيا كنموذج واضح

يشكل الوضع الليبي نموذجًا معقدًا لحركة الإخوان، حيث تتمثل في “حزب العدالة والبناء” ولها نفوذ في مفاصل سياسية وأمنية ومالية.
الاستهداف المباشر: إذا تم تصنيف فروعٍ في مصر والأردن ولبنان، فمن غير المستبعد أن يمتد التصنيف مستقبلاً إلى شخصيات أو كيانات ليبية مرتبطة مباشرة بالكيانات المصنفة أو متهمة بتقديم دعم مادي لها.
الضغوط على النفوذ: سيؤدي التصنيف إلى:
عزل سياسي: سيجد السياسيون المحسوبون على “الإخوان” أنفسهم معزولين دوليًا، ويصعب عليهم التعامل مع الشركاء الغربيين.
تضييق مالي: قد يتم تجميد أموال مرتبطة بشخصيات أو مؤسسات ليبية على صلة مباشرة بالفروع المصنفة، ما يؤثر على قدرتها على تمويل النشاطات.
سيناريو الانكفاء: قد يضطر فرع “الإخوان” الليبي إلى الانكفاء والابتعاد عن الواجهة السياسية، والانخراط في تحالفات سياسية جديدة لا تحمل علامة الإخوان المسلمين بشكل صريح، لضمان البقاء والنفوذ، على غرار ما حدث في دول أخرى.
إن الأمر التنفيذي الأمريكي، بالتزامن مع التحركات الأوروبية، يمثل ضربة قوية ومنسقة ضد الهيكل التنظيمي والمالي الدولي للإخوان المسلمين، ويدفعهم نحو خيارين قاسيين: الذوبان في الكيانات السياسية الأخرى أو التحول إلى العمل السري تحت طائلة التجريم والملاحقة الدولية.
