دبي- حكم البابا
يخصص تقرير “العربية. نت” السينمائي مادته الرئيسية هذا الأسبوع لاستعراض أجواء الدورة الرابعة لمهرجان دبي السينمائي الذي سيعلن عن أفلامه الفائزة بجوائز المهر مساء اليوم، بعد أسبوع من عروض الأفلام التي سبق للكثير منها، وخاصة العربية المشاركة في مسابقتي المهرجان أن عرضت في مهرجانات سابقة، وحصل بعضها على جوائز في تلك المهرجانات، ويقدم تقرير العربية. نت ملاحظات على الأخطاء التي شابت هذه الدورة، ومن ضمنها النتائج التي ستعلن اليوم مساءً، كما ينوه بالإيجابيات التي ميزت دورته الرابعة الحالية عن سابقاتها.
الطريقة المثلى في رأيي لمتابعة مهرجان دبي السينمائي، هي النظر إليه ومعرفة أخباره ومشاهدة نشاطاته من خلال شاشة التلفزيون؛ لأن الرؤية التي تحكم نظرة إدارة المهرجان لمهرجانهم رؤية تلفزيونية مصنّعة على ما يبدو، ولا تتعدى دعوة عدد من النجوم العالميين، وتمريرهم على البساط الأحمر أمام حشد من عدسات الكاميرات وأضوائها، واستئجار ثلة من الفتيات الجميلات للتصفيق والتصفير والتهييص، لتقديم صورة مقلدة لحفل الأوسكار في هوليود أو منسوخة لمهرجان كان السينمائي، فعلى الرغم من أن مهرجان دبي السينمائي أنهى أو يكاد دورته الرابعة، إلاّ أنه لم يستطع أن يكوّن شخصيته الخاصة المستقلة، وبقيت إدارته أسيرة التقليد في رسم صورته العامة، وتقوم بالتخطيط له وتحديد فعالياته مدفوعة برغبة في النسخ بدون اجتهاد أو طموح في الابتكار. وعلى الرغم من أن مهرجان دبي بقدراته المالية الكبيرة التي تتفوق على قدرات أي مهرجان سينمائي آخر في المنطقة العربية، ورعاته الكثيرون الذين أظهروا بذخا يتجاوز الكرم بكثير، استطاع أن يحصل على عدد مثير من الأفلام الجديدة، والتي يعتبر وجودها كافيا لإنجاح أي مهرجان سينمائي في جانبه الأهم وهو المشاهدة السينمائية، إلاّ أنه لم يستطع أن يتجاوز خطوة الانتقال من حال أسبوع العروض السينمائية، إلى حال المهرجان السينمائي، وعلى الرغم من أن مهرجان دبي رغبة منه الظهور بالصورة الأمثل استعان في إدارته التنفيذية ببعض متعهدي المهرجانات عربا وأجانب، إلاّ أن هؤلاء عملوا بشكل تقني، لا باعتبارهم جزءا من المهرجان أو معنيين به بطريقة تتعدى الأجر الذين سيحصلون عليه كمقابل لعملهم.
يحتاج مهرجان دبي السينمائي اليوم في رأيي إلى تسجيل ملاحظات على السلبيات التي ظهرت في دورته الرابعة أكثر مما يحتاج إلى إشادة ومديح وإطناب؛ لأن الإمكانيات المتوفرة له يمكنها أن تحوله إلى المهرجان الأهم في الشرق الأوسط سينمائيا، رغم أنه يقام في بلد غير منتج للسينما، وعلاقته بالثقافة السينمائية علاقة سياحية، إلاّ أنه قادر على الاستفادة من كل الطاقات السينمائية الموجودة في بلدان المنطقة لدعم فعالياته، وخلق علاقة ثقافية بينه وبينها تتجاوز علاقة البائع بالمشتري، والزبون بالبضاعة، وأظن أن أول وأهم ملاحظة تهدد المهرجان بنيويا، هي ابتعاد المهرجان عن المحيط اللازم له لخلق الحال المهرجانية الاحتفالية، فلأنه يقام في مكان لا تتعدى العلاقة فيه بالسينما علاقة حضور فيلم سينمائي يعرض في الصالات، كان من الطبيعي على إدارته أن تفكر بإقامته وسط مدينة دبي لضمان اهتمام جماهيري ولو فضولي به، بدلا من اختيار مكان معزول نسبيا وبعيد عن حركة الحياة والناس كمدينة الجميرا التي لايقصدها إلا المهتم جدا بالمهرجان، رغم كل الأسباب التي يمكن للإدارة التذرع بها لاختيار مكانها البعيد، وهي قادرة على تأمين الحماية والراحة والاهتمام بالنجوم والضيوف وسط دبي، ومن دون أن تكون مضطرة لاستئجار وتصنيع معجبين بضيوف مهرجانها خلال سيرهم على البساط الأحمر، وكما يمكن أن يحدث بالنسبة للضيوف ولفعاليات المهرجان الاحتفالية، يمكن نقل عروض المهرجان السينمائية من صالات مول الإمارات البعيد عن مركز المدينة إلى مركز تجاري وسط دبي، لخلق حال الإحساس بوجود مهرجان وعروض سينمائية لدى سكان دبي وزوارها، وهو ما سيضاعف أعداد مشاهدي أفلام المهرجان، الذين لم يملؤوا في أفضل الأفلام وأهمها وأكثرها جماهيرية أكثر من نصف مقاعد صالة من صالات مول الإمارات، باستثناء الفيلم الأخير للمخرج يوسف شاهين الذي حجزت مقاعد الصالة التي عرض فيها مبكرا!
من الناحية التنظيمية أستطيع أن أقول وبدون مجاملة أن مهرجان دبي هو الأكثر تنظيما بين مهرجانات المنطقة، ورغم عدد الأفلام الكبير المعروضة في أقسامه المختلفة، لم يتأخر عرض أو يتم استبدال فيلم بآخر، ولم يعانِ أي ضيف أو صحافي من أية مشكلة، سواء في متابعته لفعاليات المهرجان أم حضوره لعروضه السينمائية، بل على العكس كان بإمكان المتابع أن يحجز بطاقات الأفلام التي يود مشاهدتها خلال كل أيام المهرجان منذ اليوم الأول، فضلا عن وجود مكتبة بصرية تتيح للإعلاميين مشاهدة الأفلام المعروضة فيه عبر أقراص الـDVD وفي أي وقت يرغبون بذلك، ولم يعب هذا التنظيم الذي ميّز المهرجان وبنى صورته الحضارية، إلاّ الجهل الكامل بقيمة وأهمية الضيوف والذين تعرض بعضهم -ومن بينهم نجوم عرب- إلى معاملة غير لائقة من قبل موظفي ومتطوعي المهرجان، بسبب تبديل مكان في صالة أو عدم الرغبة في الوقوف في طابور!
نصل الآن إلى الجزء الأهم في المهرجان وهو الأفلام المعروضة في أقسامه المختلفة، فعلى الرغم من أن المهرجان لا يتحمل مسؤولية عن مستوى الأفلام المعروضة فيه، خاصة أنه حرص على الحصول على أحدث الأفلام العربية والعالمية إلاّ أن الاستثنائي منها أو فيها كان قليلاً إن لم أقل إنه نادر، وسبق لها العرض في المهرجانات العربية والعالمية، وتظهر الأفلام العربية التي حصرت بها أفلام المسابقة صورة مرعبة لواقع الإنتاج السينمائي العربي، وخاصة في مصر وسوريا ولبنان، التي شاركت بأفلام لا تستحق دخول مهرجانات رغم أن بعضها حمل توقيع مخرجين كبار كفيلم (خلص) اللبناني لبرهان علوية، وفيلم (شقة مصر الجديدة) المصري لمحمد خان، وهذا المستوى ينسحب على الأفلام الأخرى التي تميزت بالادعاء الثقافي كالفيلمين المصريين (ألوان السما السبعة) لسعد هنداوي و(بلد البنات) لعمرو بيومي، أو التبسطية إلى حد السذاجة كالفيلم السوري (خارج التغطية) لعبد اللطيف عبد الحميد، والتي سيكون لنا وقفات معها في تقارير العربية. نت المقبلة، في حين تميز الإنتاج المغاربي، الذي قدم أفلاما هامة لم تحظ بالاهتمام الكافي من قبل لجنة التحكيم، التي فضل أعضاؤها استبدال المعايير النقدية والقيمة السينمائية بالتربيطات والتحالفات الصغيرة، ولذلك لن يتاح لأفلام المغرب العربي أن تذكر كثيرا على منصة توزيع جوائز المهرجان التي ستعلن مساء اليوم. أخيرا، سواء رغب مهرجان دبي السينمائي أم لم يرغب، فبحكم وجوده في المنطقة العربية، وبحكم حصر جوائز مسابقاته الثلاث بالأفلام العربية، فإنه وعلى الرغم من محاولته تقليد المهرجانات الدولية، ونزعته السياحية الترويجية التي تطغى أحيانا على جانبه الثقافي السينمائي، سيبقى مهرجانا عربيا، وجزء أساسي من تطوره هو في البحث عن هويته الخاصة والمرتبطة بمحيطه، حتى لا يبقى مثل الحجل الذي أراد أن يقلد مشية الحمامة فنسي طريقته في المشي، ولم يستطع تعلم مشية الحمامة!
أهم الأفلام العربية التي تنافست في المهرجان: • (القلوب المحترقة) من المغرب للمخرج أحمد المعنوني. • (البيت الأصفر) من إنتاج فرنسي جزائري للمخرج عمر حكار. • (آخر فيلم) من تونس للمخرج نوري بوزيد. • (أسرار الكسكس) من إنتاج فرنسي للمخرج عبد اللطيف كشيش.
• للحق والحقيقية: حتى ساعة كتابة هذا التقرير وقبل إعلان جوائز مسابقات المهرجان، لم تتدخل إدارة مهرجان دبي في عمل لجنة التحكيم، ولم تطلب مراعاة أي فيلم أو التنويه به لا مباشرة ولا مداورة! • رغم امتعاضه الشديد من فيلم (خلص) للمخرج اللبناني برهان علوية بعد خروجه من عرضه مباشرة، إلاّ أن عضو لجنة التحكيم اللبناني بيار أبي صعب رئيس القسم الثقافي في جريدة الأخبار اللبنانية التي يمولها حزب الله، وبتربيطات قام بها داخل لجنة التحكيم في اجتماعاتها التي عقدتها لإقرار النتائج، استطاع -بحسب المعلومات المتوفرة حتى ساعة كتابة هذا التقرير- أن يحصل على جائزتي السيناريو والمونتاج للفيلم، رغم اعتراضات عدد من أعضاء اللجنة على ذلك، وهاتين الجائزتين تعتبران فضيحة بحق لجنة التحكيم، بسبب سوء مستوى الفيلم وسذاجته اللامتناهية، والسيناريو الرديء الذي يفتقد أبسط مقومات الحوار المقبول، والذي كان أحد أهم مشاكله! • وتربيطات العضو اللبناني في لجنة التحكيم لم تقتصر على فيلم برهان علوية (خلص)، بل تعدته لمنح فيلم لبناني آخر هو (تحت القصف) تشارك في تمويله فرنسا وبريطانيا من إخراج فيليب عرقتنجي كبرى جوائز المهرجان، ولذلك فجزء من مشكلات النتائج التي ستعلنها لجنة التحكيم اليوم في حفل توزيع جوائز المهرجان يعود هو تغليب السياسة على السينما، وسيفاجئ أي متابع لأفلام المهرجان، بخروج عدد من الأفلام المغاربية الهامة بدون جوائز، في مقابل حصول أعمال لبنانية أقل مستوى عليها، مما سيقلل من صدقية المهرجان أمام جمهوره، وسيشكك في أهلية أعضاء لجنة التحكيم أو في نزاهتهم على الأقل! • لم يكن لسوريا ممثل في لجنة التحكيم، والحضور المصري فيها تعصب للسينما أكثر من تعصبه لمصر، ولذلك خرجت الأفلام المصرية والفيلم السوري بدون جوائز، مع أن هذه الأفلام كانت تتساوى بمستوى سوئها مع الأفلام اللبنانية، في حين أن الحضور المغاربي في اللجنة بدل أن يكون داعما لأفلامه اعترض على منحها أية جائزة! • كان من حق الفيلم السعودي القصير (إطار) للمخرج عبد الله آل عياف أن يحصل على تنويه في لجنة التحكيم، أولا تشجيعا لبلد لا ينتج سينما وليس فيه صالات عرض سينمائية، وثانيا لأن الفيلم بيئي ومعبر ومستواه معقول، ولكن للأسف لم يكن وراءه عضو لجنة تحكيم!
• الزاوية الوحيدة التي تقرأ في نشرة المهرجان المسماة (يوميات) هي برنامج عروض الأفلام، أما الزوايا الأخرى مثل التعريف بالأفلام وأعضاء لجنة التحكيم فيمكن قراءتها في دليل المهرجان، كونها منسوخة منه حرفيا، وبخلاف ذلك لن يعثر القارئ في النشرة إلا على الصور، ولذلك فقارئ النشرة لن يستطيع أن يكون صورة عن فعاليات المهرجان من خلال صفحاتها، اللهم إلاّ إذا كان المهرجان فقيرا فقر النشرة، مع أني لا أظن ذلك! • أكثر الأماكن التي كان يمكن العثور بها على أكبر تجمع إعلامي وصحافي في المهرجان ليس في عروض الأفلام، ولا في مناقشاتها، وإنما في الحفلات الباذخة التي كانت تقام مساء كل يوم من أيام المهرجان! • في أحد دورات مهرجان القاهرة السينمائي تحول حضور الممثل الهندي اميتاب باتشان إلى تظاهرة جماهيرية عفوية طوال فترة وجوده في القاهرة، وفي مهرجان دمشق السينمائي يعرقل وجود النجوم المصريين السير في شوارع دمشق، أما في مهرجان دبي فأكثر الأمور التي شاهدتها فيه إضحاكا هو حشد النساء المصنّع تصنيعا والذي كان يصدر أصوات التهليل -بالأجرة طبعا- عند مرور نجم ما على سجادة المهرجان الحمراء! • الناقد السينمائي اللبناني محمد رضا مثير للاهتمام في مقالاته النقدية، ومثير للحزن في عمله في مهرجان دبي! • هل من المعقول أن تقتصر مشاركة النجوم المصريين على ليلى علوي وفاروق الفيشاوي -اللذين يشاركان بفيلم ألوان السما السبعة-، ومحمود ياسين وزوجته الممثلة المعتزلة شهيرة وعدد من أبطال فيلم يوسف شاهين “هي فوضى”، في حين لم يحضر أي نجم سوري مهم باستثناء سامر المصري!
(العربية)