الأرجح أن “العربية” هي الحالة القصوى مما يسمّى “ديجلوسيا”، أي لغة عامية “مُحتَقَرة” ينطق بها جميع العرب، ولغة فُصحى “مقدّسة” لا ينطق بها أي عربي! معظم شعوب العالم تتعلّم في المدارس بلغتها المحكية نفسها، إلا العرب فإنهم “يتعلّمون أولاً العربية في المدارس” قبل أن “يتعلّموا ما ينبغي أن يتعلّموه في المدارس”! (بالمناسبة، وبفضل أتاتورك، فالتركي ينطق بـ”التركية” الحديثة، وليس بلغة عمرها ١٠٠٠ سنة!) هذا الوضع يؤثّر حتماً على مستوى التعليم العربي، في الجزائر وفي غير الجزائر.
وكلّما طُرِحَت هذه المشكلة، فإن “أنصار المقدّس” و”الثوابت” يمنعون النقاش، غالباً لأن النقاش “مؤامرة إستعمارية” أو “مؤامرة على لغة القرآن”. ولا يعرف أنصار المقدّس أن كنيسة الروم الأرثوذكس في اليونان دفعت اليونانيين للتظاهر في أثينا في العام ١٩٠١ ضد ترجمة الإنجيل (الذي كُتِب أصلاً باليونانية القديمة) إلى لغة يونانية حديثة، وسقط في المظاهرات حينها ٨ قتلى دفاعاً عن “المقدّس”!
لا نعرف كيف ستتطور “ديجلوسيا” اللغة العربية، ولكننا نعرف أن هنالك مشكلة حقيقية، وأن هذه المشكلة جزء من مشكلة التأخر الثقافي و”الأمّية” التي “يتفوّق” العرب بها على كل شعوب الأرض!
عموماً، لنلاحظ أن دعاة المقدّس و”الثوابت الدينية” لا يتطرّقون إلى مسألة انتشار “الأمّية” في العالم العربي. هل خصّص القرضاوي حلقة واحدة من برنامج “الشريعة والحياة” لهذا الموضوع؟ طبعاً، لا! والسبب واضح: فـ”الأمية”، والتأخر الثقافي والعلمي، هي “الأساس” الذي تقوم عليه سلطة “الإخوان” و”السلف” على الناس العاديين.
بالحد الأدنى، موضوع “ديجلوسيا” اللغة العربية يستحق النقاش، ولكنه من أقلّ الموضوعات تداولاً بين النُخَب العربية.
بيار عقل
*
وكالة الصحافة الفرنسية- اشتعلت الساحة السياسية في الجزائر بعد اقتراح بتدريس اللهجة العامية في المرحلة الابتدائية، حتى ان بعض النواب طالبوا برحيل وزيرة التربية نورية بن غبريط.
فخلال ندوة حول “تقييم الاصلاح التربوي” حضرتها الوزيرة وافتتحها رئيس الوزراء عبد المالك سلال الاسبوع الماضي، اقترح بعض الخبراء ادراج اللهجة الجزائرية في الطور الابتدائي من التعليم بدل اللغة العربية الفصحى، ما حول القضية من نقاش تربوي الى نقاش سياسي.
واعتبر نواب التيار الاسلامي في المجلس الشعبي الوطني ان مجرد التوصية باستعمال اللهجة العامية في التدريس يعد “تعديا على الدستور وعلى قوانين الجمهورية”. وطالبوا “برحيل الوزيرة فورا نظرا لجرأتها على الخطوط الحمراء باستهدافها مقومات المجتمع الجزائري”.
وردت وزيرة التربية ان الحديث عن “الندريس (باللهجة) الدارجة اشاعة وضجيج غير مقبول” موضحة ان “اللغة العربية تبقى هي اللغة المدرسية الاولى والمستعملة في تدريس باقي المواد، ثم هناك دستور يبقى الفاصل”.
وينص الدستور الجزائري على ان اللغة العربية هي “اللغة الرسمية” معترفا باللغة الامازيغية ك”لغة وطنية”، بينما لا يوجد موقع رسمي للغة الفرنسية المنتشرة بشكل واسع على المستوى الشعبي والرسمي وفي تدريس العلوم بالجامعات.
والفرنسية اللغة الموروثة من 132 سنة من الاحتلال الفرنسي، حاضرة في كل جوانب حياة الجزائريين من المدرسة، ابتداء من السنة الثالثة ابتدائي الى قطاع المال والاعمال الى الصحف حيث يوجد في البلد 63 صحيفة يومية بلغة فولتير، بحسب احصاء رسمي لوزارة الاتصال، مقابل 86 صحيفة باللغة العربية.
ومنذ تعيينها في وزراة التربية تواجه بن غبريط المتخصصة في علم الاجتماع من جامعة فرنسية، انتقادات واسعة لعدم اتقانها اللغة العربية وتوجهاتها الفرنكفونية، في قطاع يسيطر عليه المحافطون.
ونطم هؤلاء ندوة موازية حول اصلاحات المدرسة في مقر صحيفة الشروق التي كانت في طليعة المنتقدين لبن غبريط.
ونتيجة هذه الندوة ظهرت في الصفحة الاولى للصحيفة الصادرة السبت تحت عنوان “العربية ستحرقكم.. فلا تلعبوا بالنار“.
كما يطاب “المدافعون عن اللغة العربية” ان يتم اعتبار اللغة الفرنسية كلغة اجنبية مثلها مثل الانجليزية، بينما يتم تدريس اللغة الامازيغية في المناطق المنتشرة بها.
واللهجة الجزائرية مختلفة من منطقة الى اخرى في بلد شاسع تفوق مساحته 2,2 مليون كيلومتر مربع وعدد سكانه 40 مليون نسمة.
فلغة الجزائريين التي يتحدثونها منذ ولادتهم الى غاية الست سنوات من العمر بعيدة عن اللغة العربية الفصحى المقررة في المدرسة.
وبحسب الخبراء فان هذا الشرخ هو احد اسباب الفشل في الدراسة، لذلك يوصون بان يتم ادراج اللهجة الجزائرية عربية وامازيغية في العامين الاولين لشرح المواد الاساسية وتسهيل تعلمها.
وبحسب الوزيرة التي تحدثت لصحيفة الوطن فان “استخدام اللغة الام (الدارجة) في التعليم يسمح بتنمية اجزاء مهمة في المخ” مستندة لدراسات قام بها علماء اعصاب.
واضافت “حتى في الولايات الجنوبية حيث يتعلم الاطفال (العربية) في المدارس القرآنية (قبل الالتحاق بالمدرسة) فان النتائج ضعيفة جدا” بسبب طريقة تدريسها. ولكنها قالت انه “اذا لم يتم اتقان اللغة العربية فانه لا يمكن استيعاب المواد العلمية والرياضيات”.
وبالنسبة لمفتش التربية في وزارة بن غبريط فانه “يجب تعلم اللغة العربية الفصحى بصفة تدريجية. فالطفل لا يجب ان يتعرض لصدمة عند التحاقه بالمدرسة واكتشاف لغة ليست اللغة التي يستخدمها في البيت” كما افاد في حوار لصحيفة الخبر.
ولكن “استخدام اللهجة العامية مكان اللغة العربية يعيد الجزائر الى العهد الاستعماري” بحسب جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي أسسها عبد الحميد ابن باديبس الذي يحتفل بيوم وفاته احتفالا رسميا على انه يوم العلم.
ودعا احد مسؤوليها،عمار طالبي، “الجمعيات المدنية والمؤسسات الثقافية الى مقاومة هذه الفكرة للحفاظ على نقاء اللغة العربية ووقايتها من اي تهديد”.
إقرأ أيضاً:
لماذا ضلّ الربيع العربي طريقه؟