نص التقرير الذي قدّمه الأستاذ الدكتور سيار الجميل في الاجتماع السنوي للهيئة الدولية لدراسات المستقبل في روما، 23 ديسمبر/ كانون الثاني 2008، ودارت حوله مناقشات مستفيضة، وقد ترجمته إلى العربية الدكتورة سمر ماضي سكرتيرة أعمال الهيئة. ولقد أنتخب الدكتور سيار الجميل رئيسا للهيئة لدورة 2009. وتتألف الهيئة من 12 شخصية علمية وفكرية في العالم.
ايها الأصدقاء
صباح الخير وكل عام وانتم بخير، وشكرا لانتخابي رئيسا مفوضّا لهيئتنا الدولية هذا العام متمنيا لكم ولها ولكل من وقف معنا طوال السنوات الثمان الماضية كل الشكر والتقدير.. ويسّرني أن أشكر الصديق الدكتور توماس لنك على جهوده التي بذلها خلال توليه مسؤولية إدارة الهيئة للعام 2008. وأرجو المعذرة إن كان تقريري مطولا هذا العام، بسبب الثقل التاريخي الذي حظي به عام 2008، وما سيحظى به العام 2009 من ثقل اكبر.. سأقوم بعرض ما رصدته كورونولوجيا من أحداث العراق المهمة التي سجلها العام 2008 ونحن نودعه.. ومن ثمّ أقدّم بعض التوقعات للعام الجديد 2009. ودعوني أقول بادئ ذي بدء، إن العام 2009، سيكون مهما جدا بالنسبة للعراق والشرق الأوسط، وأظن أن العراق والمنطقة سيمران بمخاطر جسيمة، هي جزء من متغيرات صعبة سيشهدها العالم. ولا يسعني بهذه المناسبة، إلا أن اشكر شكرا جزيلا الزميلة العزيزة الدكتورة سمر ماضي على جهودها وإدارتها وتنظيمها لأعمال اجتماعنا هذا.
العراق.. وثقل الاحداث 2008
لقد شهد العراق عام 2008 سلسلة أحداث مهمة وخطيرة، وما حدث هو أفضل بكثير لما جرى في العامين السابقين من النواحي الأمنية، والسياسية، والعلاقات الخارجية، والموارد النفطية، والإنفاقات الحكومية، وزيادة في رواتب الموظفين.. فضلا عن انه شهد قوة نسبية للجيش والشرطة.. ومع تعزيز علاقاته الخارجية، وجدنا تفاقم الاختراقات الإيرانية لأراضي العراق ومدنه.. مع ازدياد حجم الفساد المالي والاقتصادي والإداري.. مع ازدياد حجم المساومات السياسية بين مختلف القوى. ويمكننا رصد الأحداث وتطوراتها وتداعياتها في العراق مع تسلسل أشهر عام 2008، على النحو التالي :.
اولا : شهد يناير 2008، حملات رسمية على عناصر القاعدة، فطرأت ثمة تحسينات على الأمن في بعض المناطق، ولكن الأوضاع، بقيت محفوفة بالمخاطر الشديدة. وفي 19 يناير، قتل زعيم ما يسمى بـ«جند السماء»، إثر اشتباكات دامية بين أتباعه وقوات الأمن في مدينتي البصرة والناصرية أدت لمقتل وإصابة العشرات. وقد شهدت منطقة الانبار، هدوءا بفعل ظاهرة أمنية جديدة قامت بها العشائر، وقد أسميت بـ ” الصحوات، فاستقرت الأمور نسبيا غرب بغداد، لكنها اضطربت كثيرا في شرقها، وبالذات منطقة ديالى، بفعل جماعات القاعدة، وبقيت الانفجارات في بغداد، تقتل المزيد من العراقيين الأبرياء.. كما شهدت بغداد عودة عوائل مهجّرة منذ العامين التعيسين 2006 و 2007 بفعل الصراعات الطائفية. وأقدمت جامعة الدول العربية على تفعيل ما سمي بـ ” المصالحة الوطنية ” التي لم تترجم أبدا في الواقع.. ولقد تم القبض على جماعات وعصابات لخطف الأساتذة والأطباء والفتيات عند مطلع العام 2008، ولكن لم نسمع بأية محاكمات عراقية، وأية عقوبات لتلك العصابات القاتلة. وفي 12 يناير، يقّر البرلمان العراقي قانون المساءلة والعدالة، بديل قانون «اجتثاث البعث».
ثانيا : في مطلع شباط / فبراير 2008، صرحت حكومة بغداد بانخفاض أعمال العنف ونهاية تنظيم القاعدة، ولكن العنف بقي مستمرا. لقد نجحت حركة الصحوات في الانبار التي تعتبر أولى المحافظات التي سّلمت ملفها الأمني عام 2008. وانبثق تيار ” أبناء العراق ” وهو اسم جديد لمتطوعي الصحوات. وازداد العثور على مخابئ أسلحة في مناطق عدة، ولأول مرة تستخدم النسوة المصابات بعاهات في التفجيرات بعد تفخيخهن، كالذي جرى في سوقين للطيور ببغداد يوم 5/2/2008. ولقد أعلن في 9 فبراير، بأن المعركة ضد القاعدة، ستكون حاسمة في الموصل التي عاشت فراغا امنيا، وصراعا سياسيا، وخللا إداريا. وأعلن مؤتمر اتحاد علماء المسلمين الحرب على تنظيم القاعدة، وقد قرر مقتدى الصدر تمديد تجميد فعاليات جيش المهدي ستة أشهر أخرى، وشهدت منطقة الاعظمية ببغداد انفراجا امنيا واضحا. وفي 13 فبراير، أقرّ البرلمان العراقي حزمة من القوانين دفعة واحدة، وهي الموازنة الفيدرالية لسنة 2008 وقانون مجالس المحافظات غير المنتظمة بإقليم وقانون العفو العام، بعد جدل واسع استمر شهورا. وفي 22 فبراير:يعلن الزعيم الديني الشاب مقتدى الصدر قرار تمديد تجميد نشاطات ميليشيا جيش المهدي الموالية له.
ثالثا : يوم 5 /3 / 2008، نجاد يزور العراق، وهي الأولى لرئيس إيراني منذ عقود، بل ومنذ الإطاحة بنظام الشاه 1979، ورئيس المخابرات العراقية يحذر من مخطط إيراني لإفشال تجربة الصحوات في العراق 7/3/2008، ومظاهرات عراقية ضد زيارة نجاد يوم 8 منه. ويحتدم العنف في الموصل، ويختطف رئيس أساقفة الموصل من الساحل الأيسر، فتعّم موجة قلق عارمة ويناشد إطلاق سراحه 4/3/2008.. مع حدوث اكبر جريمة بتفجير أحياء الزنجيلي بالموصل بلا رحمة حيث قتل المئات من السكان تحت الأنقاض، واتهمت الإدارة المحلية والأكراد بتنفيذ الجريمة التي لم يعلن عن حيثياتها من قبل الحكومة حتى اليوم، بالرغم من كل المناشدات !! ويقتل المطران بولص فرج رحو الذي وجدت جثته عند أطراف الساحل الأيسر بالموصل، ويحدث مصرعه صدمة قوية اثر خطفه من جهات مجهولة نتيجة مواقفه الثابتة بعدم مغادرته الموصل، وعمّت موجة عارمة من الاستياء الشعبي.. وفي بغداد، عودة للمهاجرين الى أحيائهم، والإعلان عن انحسار القاعدة في العراق مع وجود أعمال عنف وتفجيرات الكرادة يوم 11 /3.. وظهور ما سمي بمجالس الإسناد في بعقوبة والإعلان عن تعافي العراق اقتصاديا.. وفي 14 آذار / مارس تنطلق حملة صولة الفرسان في البصرة لمطاردة الميليشيات الشيعية. ومقتدى الصدر يعلن انسحابه عن قيادة التيار الصدري يوم 14 آذار.. ومؤتمر البرلمانات العربية يعقد أعماله باربيل 15- 17 آذار، في حين يشيد تقرير بعثة الأمم المتحدة الفصلي بالتحسن الأمني 19 آذار، والشيخ علي الحاتم يعلن تشكيل الجبهة الوطنية لإنقاذ العراق 22 آذار، وبغداد تشهد مؤتمرا موسعا لمكافحة الفساد 21 آذار والإعلان عن عمليات صولة الفرسان في نهاية آذار، ويكتشف التلوث البيئي في العراق29/3/2008
رابعا : في مطلع ابريل، مقتدى الصدر يأمر أنصاره بإنهاء المظاهر المسلحة ويعلن رفضه للعنف 1/4/200، والحكومة تعلن عن خمسة أهداف رئيسية لعملية (صولة الفرسان) في البصرة أولها القضاء على الميليشيات، وفرض القانون، ويؤكد المالكي إن عملية (صولة الفرسان) ستتوسع لتشمل مدن أخرى لتحرير الشعب من سطوة الجماعات المسلحة، ويؤيد رؤساء العشائر تلك العمليات ضد العصابات، والقوة الجوية تنفذ أكثر من 100 مهمة لتلك العملية. وضبط 170 عبوة خارقة للدروع عند حدود إيران وإلقاء القبض على المتورطين 22/4/2008، وازدياد النفوذ الإيراني في العراق. القوات العسكرية لن تنسحب من مدينة الصدر والشعلة وستضاعف من أعداد المراكز الأمنية المشتركة فيها،ومجلس النواب يشكل لجنة لإنهاء الأزمة مع التيار الصدري28/4/2008
خامسا : شهر مايو، لا تفاوض بين الدولة والعصابات، وقرار باستئصال مسلحي جيش المهدي من مدينة الصدر في ايام4/5/2008 والامم المتحدة تحذر من استغلال الاطفال من قبل الميليشيات والجماعات المسلحة. وفي الخامس من مايو، زار وفد برلماني عراقي يزور ايران لطرح ادلة تؤكد تورط قوة القدس في العراق 5/5/2008، وفي العاشر منه، أعلنت الحكومة العراقية عن تنفيذ عملية زئير الأسد في الموصل لمطاردة عناصر القاعدة في المدينة. وان اتفاقية توقّع بين الائتلاف العراقي الموحد والتيار الصدري لانهاء ازمة مدينة الصدر19/5/2008. وان مجلس عشائر صلاح الدين يعلن تأييده للخطة الأمنية في الموصل 18/5/2008 التي أطلق عليها بـ زئير الاسد في صولة الحق، ومن ثمّ (ام الربيعين) بهدف تطهيرها من الارهابيين 19/5/2008، ولكن تخفق الحكومة في إجراءاتها بسبب الأجندة الكردية. أما الداخلية، فتعتقل العشرات من المطلوبين وتصادر كميات من الاسلحة في محافظات الجنوب21/5/2008. ويتم اصدار حكم الاعدام بحق قاتل المطران رحو 24/5/2008 من دون الإعلان عن هويته علما بأن هناك مجموعة قتلة وليس قاتل واحد !! إن قيادة عمليات نينوى تستقبل قطعات جديدة من الجيش العراقي27/5/2008.. وفي 26 /5/ 2008 دعا رئيس الوزراء العراقي الأسبق الدكتور أياد علاوى رئيس القائمة الوطنية العراقية إلى تشكيل لجنة عربية ودولية لمراقبة انتخابات مجالس المحافظات في بلاده، والتي ستجرى في بدايات 2009. وشدد علاوى من القاهرة في تصريحات صحفية على ضرورة أن تمتلك اللجنة صلاحيات تمكنها من اتخاذ قرارات بشأن صحة الانتخابات، مشيرا إلى أهمية انتخابات مجالس المحافظات في المرحلة المقبلة في ظل مخاطر تطبيق الفيدرالية في وسط وجنوب العراق واحتمال تشكيل أقاليم في البلاد.
سادسا : في يونيو/ حزيران، يصّرح بانخفاض أعمال العنف إلى اقل مستوى 9/6/2008، وبعد أيام بدأ مقتدى الصدر يدعو إلى تشكيل فصائل مسلحة وتوقعات بمواجهة حادة من قبل الحكومة 18/6/2008، ومع فشل عمليات الموصل تبدأ القوات الأمنية العراقية يوم 19 حزيران / يونيو بتنفيذ عملية أمنية أطلق عليها شعار ” بشائر السلام ” في محافظة ميسان جنوب العراق لملاحقة المسلحين، حدث بعد أيام تفجير سوق الحرية ببغداد التي اتهمت به المخابرات الإيرانية، فدعا ذلك ثلاثة ملايين عراقي إلى إدانة التدخل الإيراني في العراق 23/6/2008.. وعرضت آلاف القطع من الأسلحة المصادرة في مدينة الصدر24/6/2008. كما تمّ الإعلان عن تهريب النفط..إذ ضبط 46 صهريجا وخزانا للتهريب بعد تشريع قانون يجرّم مهربي النفط واعتبر ذلك إنهاك للعراق اقتصاديا وخطر تمويل الإرهاب. تنبثق قوى سياسية عراقية إذ أن الدكتور إبراهيم الجعفري يعلن عن تشكيل تيار الإصلاح الوطني للمشاركة في انتخابات مجالس المحافظات11/6/2008، مع بروز أحزاب جديدة استعدادا للمشاركة في الانتخابات القادمة27/6/2008..ونرى أيضا العراق يفعّل علاقاته الدبلوماسية، ويبدأ مرحلة جديدة مع دول المنطقة. انه على عكس ما يعلن رسميا دوما، فموجات العنف مستمرة وتشترك فيها قوى تعرفها الحكومة حق المعرفة. انه بالرغم من الحصيلة الأمنية في ديالى بعد مرور عام على تنفيذ خطة “السهم الخارق”24/6/2008، فان الأوضاع الأمنية فيها بقيت غير مستقرة أبدا، ودوما ما يعلن عن إفلاس القاعدة رسميا، في حين أن القاعدة متغلغلة.
سابعا : في تموز/ يوليو، شهد العراق انفتاحا دبلوماسيا واقتصاديا 9/7/2008، إذ تعززت علاقات بغداد بأنقرة والدعوة لعقد اتفاقية شراكة اقتصادية وزيادة حجم التبادل الاقتصادي، ويصل رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الى بغداد يوم 10 تموز / يوليو وفي زيارة رسمية هي الأولى لرئيس وزراء تركي منذ عام 1991، ويوقّع العراق وتركيا البيان السياسي المشترك لتأسيس المجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجي بينهما13/7/2008. وتقوم دولة الإمارات بإلغاء 7 مليارات دولار بكافة فوائدها المستحقة على العراق15/7/2008، ويصل سفيرها الجديد إلى بغداد. ويقوم الحريري بزيارة بغداد 20/7/2008، ويلتقي المالكي ميركل في جولة أوربية ويدعو الشركات الألمانية إلى الاستثمار في العراق 27/7/2008، ويدعو البابا بنديكتس السادس عشر لزيارة العراق 30/7/2008. وتثار مسألة قانون انتخابات مجالس المحافظات مما يدعو رؤساء وممثلو الكتل البرلمانية مناقشتها مع دي ميستورا 4/7/2008. ثمة مشكلات وأزمات كالبنزين في بغداد نتيجة أعمال تخريبية 5/7/2008، وتوضع خطة أمنية شاملة لفرض القانون في ديالى6/7/2008. ويصبح العراق منطقة ترانزيت لنقل المخدرات 8/7/2008، ويقف البرلمان ضد جريمة التهريب الاقتصادية 19/7/2008. ويعلن مجلس محافظة نينوى، قرب وصول تعزيزات عسكرية من بغداد لمواجهة الإرهابيين9/7/2008، وتستعد جبهة التوافق للعودة الى الحكومة11/7/2008. مجلس النواب يصادق على أسماء المرشحين لشغل الحقائب الوزارية الشاغرة27/7/2008.ومع إثارة مسألة الاتفاقية الإستراتيجية مع الولايات المتحدة الامريكية12/7/2008 وطرحها ينقسم الناس إزاء قبولها ورفضها.. وان المجلس السياسي للأمن الوطني العراقي يتفق على استمرار التفاوض بشان الاتفاقية طويلة الامد23/7/2008 مع سياسة إعادة المهجرين والنازحين 13/7/2008 ويعاد تقييم للأوضاع في الموصل والاستعداد لعمليات ديالى16/7/2008، علما بأن عمليات الموصل غدت فاشلة، ولم تؤد أهدافها كاملة بسبب اختفاء الجماعات المسلحة وبسبب المساومات السياسية بين الحكومة والأكراد الذين يستحوذون على أجزاء واسعة من محافظة نينوى. وزادت القوات العراقية من ضغطها على الجماعات المسلحة داخل بغداد19/7/2008، وتسلمت الديوانية الملف الامني23/7/2008 وتعلن الشرطة الوطنية القبض على شبكة إرهابية مسؤولة عن تفجير الحرية26/7/2008 وتمكن الجيش من قتل 48 ارهابياً30/7/2008 ويعلن في بغداد أن تنظيم القاعدة يخسر أنصاره ويعاني نزعات الموت 30/7/2008. أما مجلس النواب العراقي، فانه يقر قانون الانتخابات لمجالس المحافظات والاقضية والنواحي29/7/2008.
ثامنا : آب / أغسطس، يصل العاهل الأردني عبد الله الثاني يوم 11 آب / أغسطس بغداد في زيارة مفاجئة وقصيرة هي الأولى لزعيم عربي منذ الإطاحة بنظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين. وفي مطلع أغسطس، ثلاث انتحاريات يفجرن أنفسهن وسط مواكب الزوار ببغداد والأمم المتحدة تدين الانفجارات1/8/2008، ويعلن الزعيم الشيعي مقتدى الصدر يوم 8 آب / أغسطس عن تشكيل ما اسماه بمشروع «ممهدون» الذي يمهد لتحويل ميليشيا جيش المهدي الموالية له إلى منظمة «اجتماعية وتثقيفية». ويتم اعتقال إيراني الجنسية في عملية بشائر الخير، ويصّرح بدليل جديد على تورط إيران بزعزعة الأمن 9/8/2008، ويعثر على أسلحة وصواريخ حديثة الصنع12/8/2008، ويتم التأكد من التدخل الإيراني، واستهداف الصحافة المستقلة 13/8/2008. وتحذر رابطة الأكاديميين والمثقفين العراقيين من مؤامرات إيرانية لإفشال خطة “بشائر الخير”17/08/2008، كما يتم الكشف عن فرق اغتيالات عراقية تدرب في قم ومشهد والأهواز وطهران26/08/2008. ويصدم المثقفون العراقيون باغتيال مستشار وزارة الثقافة صديقنا المثقف العراقي الأستاذ كامل شياع، للتأثير على مسيرة الثقافة العراقية28/08/2008. ويقوم العاهل الأردني أول زعيم عربي يزور بغداد 13/8/2008. يعلن عن عمليات تهريب عبر الحدود العراقية السورية 15/8/2008. وتتم عودة 1200 عائلة مهجرة أغلبهم من العرب إلى ديالى15/08/2008، وتشكّل العشائر العراقية تيارات سياسية 30/08/2008. ويعلن عن تحقق ارتفاع قيمة الدينار العراقي.
تاسعا : في شهر سبتمبر/ ايلول، تتسلم محافظة الانبار ملفّها الأمني من القوات الأمريكية، كأول محافظة، في وقت كانت تعد أبرز معاقل تنظيم القاعدة في العراق. وفي 16 منه، سّمت دمشق سفيرها ببغداد بعد قطيعة دبلومــاسية استمرت ثلاثين عاما. ويقوم هجوم انتحاري في جلولاء 01/09/2008، الجماهير العراقية وقضية ايمرسن الساخنة 01/09/2008. اتفاق عراقي – إيراني على إعادة ترسيم الحدود بين البلدين07/09/2008. يؤكد رسميا ارتفاع نسبة الإصابة بالكوليرا 12/09/2008. التدخل الإيراني في العراق من جديد بمسدس كاتم الصوت وموقف معادي من الصحوة14/09/2008. وفي انتحارية ثانية تقع في قبضة القوات الامنية17/09/2008. مشروع ضمان اجتماعي للعراقيين19/09/2008. المالكي يعد بحصر السلاح بيد الدولة ودمج الصحوة مع مؤسساتها 19/09/2008. مقتل 4 من كادر قناة الشرقية بالموصل 20/09/2008. انخفاض عمليات العنف في ديالى 20/09/2008. نواب عراقيون يرفضون التدخل الايراني21/09/2008. مجالس الإسناد لدعم الحكومة 22/09/2008. تحذيرات من عودة المجاميع الخاصة من إيران لإثارة العنف بالعراق 28/09/2008. اعتقال زعيم تنظيم (فتيان الجنة) فرع القاعدة 30/9/2008. إثارة حقوق الأقليات في تشكيل مجالس المحافظات30/9/2008. ومحافظة الانبار، التي كانت تعد أبرز معاقل القاعدة في العراق، تتسلم ملفها الأمني من القوات الأميركية. ودمشق تسمي سفيرها ببغداد بعد قطيعة دبلومــاسية استمرت ثلاثين عاما إبان حكم الرئيس العراقي الســابق صدام حسين.
عاشرا : في اكتوبر / تشرين الاول، انفتاح عربي وإقليمي على العراق20/10/2008، وأبو الغيط يعلن دعم مصر الكامل 07/10/2008. وزيارة ولي عهد الإمارات لبغداد وعودة الجامعة العربية 10/10/2008. وحملات مداهمة وتفتيش مكثفة عقب تفجيرات الكرادة 05/10/2008. الحكومة تستلم ملف الصحوات من اجل دمجهم في مؤسسات الدولة 06/10/2008 والعراق يوقع عقد استثمار الغاز مع شركة شل العالمية07/10/2008. ان اجتماعات مكثفة للخروج بحل للمادة الخمسين لقانون انتخابات مجالس المحافظات10/10/2008، وسكان النجف يعلنون مخاوفهم من نفوذ إيراني وفقدان هوية مدينتهم 12/10/2008، مع استنكار شعبي وسياسي لاغتيال النائب د. صالح العكيلي 12/10/2008. وجاء حدوث موجة اغتيالات للمسيحيين في الموصل وتفجير بيوتهم بغية إخراجهم وتهجيرهم من المدينة إلى قرى سهل نينوى الذي يسيطر الأكراد عليه. وقد أتهم كل من البيشمركة والاسايش التابعة للحزبين الكرديين بهذه العمليات من قبل النائب أسامة النجيفي الذي يؤكد دائما على ان هناك مشروعا كرديا للتهجير من اجل السيطرة على العديد من أقضية ونواحي الموصل 17/10/2008، واستنكار واسع النطاق لأحداث الموصل، والحكومة العراقية تأمر بالتحقيق في فرار المئات من العوائل المسيحية من مدينة الموصل عقب تلقّي تهديدات جماعية بالقتل، ومع وصول قوات عراقية إليها. وتثير الاتفاقية الإستراتيجية مع واشنطن المشاعر الوطنية، وهي تتصدر النقاشات السياسية والإمام السيستاني يوكل الموافقة عليها إلى البرلمان والشعب 22/10/2008.
حادي عشر : نوفمبر (تشرين الثاني): 16 نوفمبر: العراق والولايات المتحدة يبرمان اتفاقا امنيا بعد نحو عام من المفاوضات، والاتفاقية تمهد لسحب القوات الاميركية من المدن العراق نهاية 2009 وسحب القوات من العراق أواخر 2011. وفي 27 نوفمبر، يقر البرلمان العراقي الاتفاقية بعد الموافقة على لائحة الاصلاح السياسي والمتضمنة عدة نقاط مهمة، وبضمنها طرح الاتفاقية للتصويت الشعبي بعد ستة اشهر من موافقة البرلمان.. وينقسم الشعب العراقي ازاء هذه ” الاتفاقية ” الامنية بين القبول والرفض.
ثاني عشر : في 3 ديسمبر/ كانون الأول، تصدر المحكمة العراقية الجنائية العليا، حكما ثانيا بالإعدام بحق ابن عم الرئيس العراقي الأسبق علي حسن المجيد بقضية قمع الانتفاضة عام 1991. وفي 14 منه، يصل الرئيس الأميركي جورج بوش إلى بغداد في زيارة وداعية من اجل التوقيع على الاتفاقية الأمنية بين الولايات المتحدة والعراق، وصحافي عراقي اسمه منتظر الزيدي، يقذف الرئيس بوش بحذائه، أثناء مؤتمر صحافي مشترك مع المالكي في مبنى رئاسة الوزراء. ويأخذ هذا ” الحدث ” له أبعادا واسعة النطاق بين مؤيد ومعارض ليس في العراق فقط، بل في كل أرجاء المنطقة والعالم. وفي 23 منه، يصّوت البرلمان العراقي على استقالة رئيسه محمود المشهداني، فيقدم استقالته. وبذلك، فهو يختتم عند نهاية 2008 مشهدا دراميا لما جرى داخل البرلمان العراقي من إساءات وملاسنات وشتائم وضرب.. تعّبر تعبيرا حقيقيا عن الأوضاع السياسية المحتدمة في دواخل العراق.
تساؤلات نقدية لتصريحات حكومية
أعلن وزير الداخلية مقتل 1233 شرطيًا وإصابة 3400 آخرين خلال العمليات المسلحة العام 2008، وقال إن وزارته طردت 24 ألف شرطي لفسادهم وتجاوزاتهم خلال هذا العام إضافة إلى تحرير 406 مختطفًا.وأكد أن العمليات الإرهابية قد انخفضت في البلاد بنسبة 90% خلال العام الماضي 2008 وقال إن 1233 شرطيًا قد قتلوا خلال ذلك العام بينهم 148 ضابطًا وإصابة 3400 بينهم 318 ضابطًا. وأوضح انه تم كذلك تفكيك 2861 متفجرة و174 سيارة مفخخة ومصادرة 30 ألف قنبلة وتحرير 406 مختطفًا إضافة إلى تفكيك 198 خلية إرهابية وتدقيق 27800 معلومة أمنية والقبض على 6988 متهما بالإرهاب.. وقال انه تم خلال السنوات الخمس الماضية اعتقال 121 إلف و700 مطلوب وضبط 106 مليون مفردة من المواد الممنوعة والمسروقة و121 ألف بندقية.وأكد وزير الداخلية انه تم خلال العام الماضي طرد 24620 رجل شرطة بتهم فساد وتجاوز على القانون مشددا على استمرار العمل لتطهير جهاز الشرطة من المخترقين والمفسدين. ( انتهى النص ).
إنني واثق تمام الثقة، أن أوضاع العراق قد تحسّنت أمنيا أكثر بكثير مما كانت عليه الاوضاع في عامي 2006 و 2007، وهذا أمر يتضح جليا من خلال قراءة الأحداث، ومقارنة الإحصاءات الرقمية، ولكنني أسأل أربعة أسئلة، وأود من الحكومة العراقية أن تعلمنا بأجوبتها الكريمة :
1/إذا كان 2008 قد شهد مصرع 1233 شرطيا وإصابة 3400 آخرين.. فما هي مصداقية انخفاض العمليات الإرهابية إلى 90% خلال العام 2008؟؟
2/ماذا تقصدون بالعمليات الإرهابية؟ ومن تقصدون بها؟ إذا كانت المليشيات الحزبية مزروعة في كل مكان؟ وقد عرفت هي الأخرى بتجاوزاتها على الناس؟
3/وإذا كنتم قد طردتم 24620 شرطيا من الخدمة لفسادهم وتجاوزاتهم خلال العام 2008، فأين أصبح هؤلاء؟ هل استطعتم أن تضبطوا أوضاعهم في المجتمع؟
4/اذا كنتم قد القيتم القبض على 6988 متهما بالإرهاب.. فما الإجراءات التي اتخذتها الحكومة بحقهم؟ هل حقق معهم؟ وكم منهم ادين بقتل الأبرياء؟ وكم منهم شملتهم عقوبات وأحكام؟
توقعات مستقبلية: رؤية معمّقة
دعوني أحدد بعض التوقعات ضمن الرؤية لما سيحدث في المستقبل المنظور:
1/ لا يمكن التكّهن بما سيكون الوضع عليه في 2009، ولكن المخاض سيكون صعبا بفعل الانتخابات العامة، وما سيطرأ على الوضع من سلسلة أحداث خطيرة على امتداد العام الجديد، وسوف تستميت القوى السياسية الحاكمة بالبقاء في السلطة بإتباعها مختلف المناورات والأساليب والتزويرات.. وستجري مع بدايات 2009، الانتخابات المحلية، إذ يحق لحوالي 13 مليون ناخب عراقي المشاركة في هذه الانتخابات التي ستجري في 14 محافظة عراقية في 31 من الشهر المقبل 13 مليون عراقي لاختيار 440 عضوا في مجالس المحافظات الجديدة من بين حوالي 15 ألف مرشح يتنافسون عليها.
2/ أتوقع حدوث وقائع دموية تترجم صراعات القوى السياسية على السلطة، وخصوصا منع أي قوى جديدة مدنية وعلمانية ليبرالية عراقية من ممارسة حقها المشروع في الديمقراطية.. إن الشعب العراقي، وبعد مرور أربع سنوات على الانتخابات المحلية والعامة، قد اكتسب وعيا سياسيا أكثر بكثير مما كان عليه سابقا، واعتقد أن الفئات السكانية العراقية التي حرمت من الانتخابات السابقة، أو حرّمت على نفسها ممارستها ستحاول هذه المرة ممارسة حقها الطبيعي، إلا إن مورست إعلاميات مضادة، أو حملات دينية.. وستشهد العديد من المناطق الصعبة، حركة تزويرات واسعة من قبل قوى سياسية متنفذة، وسيكون لها انعكاساتها السياسية الحادة على المجتمع.. فضلا عن إقبال واسع النطاق على الترشيح ومن قبل مختلف الشرائح السكانية، وبضمنها عناصر غير نظيفة، إذ لها سوابقها وتواريخها التي لا تؤهلها للعمل السياسي، ولكن لها القدرة على أن تسبح في كل الاتجاهات من اجل تحقيق مآربها ومصالحها الخاصة.
3/ وكلما يتقدّم الزمن نحو موعد الانتخابات العامة، سيزداد العزف على مسألة الاكثريات إزاء الأقليات المضطهدة.. كما سيزداد طنين ما اسمي بالمكونات الثلاثة ( السنة والشيعة والأكراد )، ناهيكم عن التماهي الطائفي الذي لعب دورا في سحق النزعة الوطنية.. إن سعيا محموما من قبل الذين في السلطة للبقاء فيها طمعا في الامتيازات أولا، وحماية لهم لما اقترفوه من أخطاء كيلا يتعرضوا للمساءلة والمحاسبة ثانيا..
4/ أتوقع أن الكل سينشغل بالإعداد للانتخابات العامة خلال العام 2009 من دون الالتفات إلى استحقاقات عراقية كانت قد أقرّت منذ تشريع الدستور وانتهاء بتمرير الاتفاقية الأمنية بين العراق والولايات المتحدة.. لقد أقرّ العراقيون أنفسهم : مبادئ لإصلاح الدستور والحياة السياسية وصولا إلى الاستفتاء الشعبي على الاتفاقية.. وكلها مجردة من محتواها، وليس هناك أي نوايا لإعادة النظر في ما صدر من قرارات.. إن هناك معلومات تقول أن تعديلات قد جرت على بنود الدستور من قبل لجنة كتابة الدستور، ولكنني اعتقد أنها ليست تعديلات جوهرية تعّبر عن طموحات مستقبلية أولا، فضلا عن أن أي تعديلات دستورية لابد أن يقوم بها أناس مستقلون تماما عن أجهزة السلطة وأحزابها.
5/ إن هناك خريطة جديدة من التحالفات ستتبلور بعد تلك التي اندفعت لتشكيل الحياة السياسية العراقية، ولكن خوفنا من هذه الخريطة الجديدة، أن لا تنبثق في بحر من الدماء.. وسوف لا تغيب ادوار الدول الإقليمية المجاورة من لعب أوراقها في عموم العراق، سواء كما تريد أو من خلال عملائها وطوابيرها وقواها العلنية والخفية.. ويقال أن ملامح ذلك قد بدأت منذ الآن.. إن التحالفات الجديدة ستتبلور لمن له إستراتيجية أقوى، وتأثير سياسي فعال.. ذلك أن اغلب التحالفات السياسية السابقة قد تفككت بدءا بالائتلاف الشيعي، أو التوافق السني، أو القائمة العراقية ( باستثناء قوة الحزبين الكرديين ).. إن الانسحابات التي جرت عن تحالف القائمة العراقية، لابد أن تؤسس إستراتيجية جديدة للمدنيين والعلمانيين وكل من القوميين واليساريين العراقيين إن نجح الدكتور أياد علاوي في إعادة التأسيس في العام 2009، وقبل الانتخابات العامة على أسس جديدة، سياسية وإعلامية باسم ” المشروع الوطني “، كي يقود التحالف العلماني المدني العراقي من جديد.. واعتقد أن الدكتور احمد الجلبي سيكون له دوره في العام 2009، وسيلعب لعبة مثيرة وعلى طريقته الخاصة أيضا، وسنرى كيف سيبني تحالفاته هذه المرة. أما السيد نوري المالكي ( رئيس الوزراء الحالي )، فستكون له حملته التي يحقق من خلالها أرقاما كبيرة نظرا لنجاح خططه التي سماها بـ ” الإسناد “، والتي ستتشكل من عشائر وصحوات ومجالس لها هوية وطنية.. وستنبثق تجمعات حزبية وسياسية تحت مسميات مدنية بعد تشرذم الإسلاميين الذين وجدوا أن التيار ليس لصالحهم.. أما الإسلاميين، شيعة وسنة، فسيبقى رهانهم على الورقة الدينية، أو الحوزة المرجعية، أو الرموز الصدرية للاتكاء عليها كلها، لتمرير مشروعيتهما.. إن التحالفات الكبيرة هي التي ستفوز بأكثرية من المقاعد، ومن يبقى يراهن على ذاته، أو عشيرته، أو حزبه المتألف من عدة أنفار، فسيخذل تماما.
6/ إذا كان الشعب العراقي يتطلع للمستقبل برؤية جديدة، فهو لم يزل ينتظر قبل كل شيء الأمن والاستقرار والتمتع بالحريات التي حرم منها أزمانا طويلة، كما انه لم يزل بانتظار الخدمات التي وعد بها، وخصوصا الكهرباء والماء النقي ومجموعة ما يحتاجه في حياته البيتية، أو المعيشية.. وان يأخذ كل عراقي حقه في التعليم، وفي تأمين صحي ومعاشي وتقاعدي وأمني وغيرها من ابسط المستلزمات ومتطلبات الحياة الضرورية… وسيبقى يتساءل : أين المشاريع النفطية والبتروكيمياويات, وأين المشاريع الزراعية والصناعية والسياحية؟؟ لقد شهد 2008 اكبر الموارد العراقية في التاريخ، ولكن حجم الإنفاقات كان كبيرا، ولا يعرف أين ذهبت مليارات عدة من دون أن يتحقق إلا القليل من الانجازات. ويتمنى الكثير من العراقيين انه لو تحقق توفير الطاقة الكهربائية للعراقيين، وتمّ إصلاح الطرق والمواصلات، فسيكون ذلك أفضل بكثير من صرف مبالغ مالية على مشروعات لا تخدم الجميع.
7/إن الصراع سيكون على أشده وبأشكال مخفية على امتداد عام 2009 على المناطق التي يطالب بها إقليم كردستان في كل من كركوك والموصل وديالى، ولقد سماها بعض المسئولين الأكراد بـ ” المناطق المسلوخة “.. وستتفجر صراعات متنوعة، وتزداد المشكلات، وستكثر العمليات الإرهابية.. وستعيش الأقليات المتنوعة في شمال العراق أزمات الانتماء من اجل أن تجد مستقبلا لها، ليس مع الأقوى، بل مع الأصلح.. وهنا، ينبغي أن تراعي الحكومة المركزية ما تتعرض له مناطق تابعة رسميا للمحافظات الثلاث المذكورات أعلاه من أقصى درجات الإهمال والتهميش.. على حساب نفوذ أجهزة الحزبين الكرديين، وخصوصا حكومة الإقليم في كردستان وسيطرة قوات البيشمركة والاسايش على الاقضية والنواحي التابعة للمحافظات الثلاث. وهنا، ينبغي أن يكون للحكومة المركزية دورها القوي في إدارة المحافظات الثلاث سياسيا وعسكريا.. بحيث تمتص عوامل الصراع الداخلي.. فضلا عن مناشدتنا حكومة الإقليم في كردستان أن تراعي في العام 2009 الحقوق القومية والسكانية لكل من العرب والتركمان والسريان والكلدان وألاثوريين واليزيدية والشبك في المناطق التي تسيطر عليها الآن، وهي مناطق تتبع رسميا ودستوريا محافظات عراقية صرفة.
8/ أما ما اصطلح عليه بـ ” المحاصصة “، فهو أمر قد زاد تجذّرا في الأرض، ولا يمكن أن يختفي بسهولة في ظل الأوضاع الحالية، ولا في ظل الأسماء الحالية، ولا تحت عباءة آخرين.. ان هناك العديد من المسؤولين يدينون الطائفية والمحاصصة، وهم محسوبون على أحزاب طائفية، وقد تسّموا ضمن العملية السياسية الحالية بطائفيين من قبل هذا الطرف أو ذاك.. فلا يمكنهم أن ينكروا الطائفية. ستبقى مثل هكذا ” محاصصة ” حتى في اللاوعي العراقي، لأن اغلب العراقيين قد اختاروا التخندق الطائفي بغياب النزعة الوطنية، فليس اجتثاث الطائفية بأمر سهل كما يريد الأغبياء أن يقولوا.. كما أن مبدأ المحاصصة الطائفية لا يمكن أن يستبدل بآخر، إلا بعد تأسيس نظام مدني علماني يفصل الأحزاب الدينية عن المؤسسات السياسية.. وهذا أمر لا يحصل بسنة، أو سنتين، ومع هيمنة أحزاب دينية على كل المؤسسات !
9/أما موضوع الفيدرالية، فهو إن لم يتقدم خطوة أو خطوتين عام 2008، بل تراجع عما ساد من هوس به في العامين 2005 و 2006، فان 2009 لا مجال لمناقشته أصلا، فالعراقيون سينشغلون بمسائل أخرى.. فضلا عن أن العراقيين لا يمكنهم أن يقبلوا بتقسيم العراق إلى أقاليم، بشكل عام، وستظهر دعوات عدة منها ما هو مدفوع الثمن، ومنها ما هو مندفع للتسلط، ومنها ما هو حالم بالانفصال أصلا.. ولكنها دعوات لا يمكنها أن تتحقق أبدا، إلا إن انتهت الحكومة المركزية ببغداد، وهذا ما لم يحصل في التاريخ !
10/ ستبقى الاتفاقية الأمنية العراقية الأمريكية سارية المفعول، مع ظهور مستجدات أخرى في العام 2009، فضلا عن تبلور مشكلات صعبة متلازمة، تتفاقم نحو العام 2010 بفعل غباء بعض البنود التي تضمنتها الاتفاقية المذكورة. وستتبلور أساليب جديدة من العلاقات في ظل الرئيس الأمريكي الجديد باراك اوباما.. مع بقاء واستمرار قوى عراقية عديدة تسخن تحت الأرض، وهي مختلفة ومتباينة سياسيا، وهي مرتبطة بجهات متعددة في الخارج، وخصوصا بعض دول الإقليم، كي تثير تبك ” القوى ” سلسلة مضنية من الصراع المسلح ضد الأوضاع القائمة تحت مسميات شتى، أي بمعنى : استمرار حالة الصراع ضمن تسميتين اثنتين : أولاهما المقاومة وثانيهما الإرهاب.
واخيرا : ماذا اقول؟
استطيع القول أن ليس كل ما يحدث يعلم به في العراق، وليس كل ما يقال هو الصحيح، وليس كل ما يحدث يعّبر عن حقيقة.. إن هناك خفايا كثيرة لا احد يستطيع معرفتها، وان عرفها حكام العراق ومن يقوم على إدارته اليوم، فهم لا يبوحون بها إطلاقا.. ثمة مناورات وتحالفات طويلة وآنية بين القوى السياسية الحاكمة، إذ أن كل واحدة مرتبطة بالأخرى من اجل إبقاء هذه التركيبة الحاكمة على وضعيتها.. وصحيح أنها قد جاءت من خلال انتخابات عامة، ولكن ضمن مبادئ لم يقبلها كل الشعب. إن العراقيين اليوم، وكما كانوا من قبل وكما يريدون أن يكونوا في قابل الأيام لا يريدون إلا العيش المشترك ضمن نزعة عراقية أولا، ولا يريدون إلا حكاما يخدمون العراق ثانيا ويحققون لهم ما كانوا قد حرموا منه لسنوات ثالثا.. إن 2009 سيشهد مجموعة مفاجئات ـ كما اعتقد ـ لم تكن في الحسبان أبدا.. أتمنى على العراقيين كلهم حكاما ومحكومين أن يعملوا من اجل العراق ومصلحة العراق وشعب العراق.. مع تمنياتي للعراق وكل العراقيين بالنجاح والتقدم على طريق البناء والاعمار والتطور..
ينشر بالعربية لأول مرة على موقع الدكتور سيار الجميل 16 يناير/ كانون الثاني 2009