بعد ان تزايدت حدة الاتهامات ضد “جماعة أنصار الشريعة” واتهامهم بالخروج عن الدولة وعدم الإيمان بالمسار الديمقراطي وصرحوا هم بذلك، اصبح الغرياني ملزما بالفتوى بأنهم خارجين عن سلطة ولي الامر ينبغي قتالهم.
وللتخلص من هذا الموقف وتمييع الكلام خرج وطالب بالدليل وحاول تبرئتهم وفتح لهم باب التنصل من جرائمهم ودعاهم لإعلان براءتهم مما يتهمون به من عمليات القتل والتفجيرات وعدم الجهر بمعارضتهم للدولة أو مقاطعة الانتخابات. ولو طبقوا ما يقول لما كان لوجودهم معنى، لكنه فى الواقع لم يكن يدعوهم لذلك بل كان يدعوهم الى اتخاذ ما يسميه الشيعة بـ”التقية”، والتي تعني ان تظهر غيرَ ما تبطن وتعلن الولاء والطاعة للحاكم إن كان ظالماً، فالمُهمّ ان تنجو بنفسك، وهذا مذهب مهم في فقه الشيعة وليس في فقه السنة.
وما يميز أنصار الشريعة أنهم لا ينافقون ولا يتلونون! فلم تستجب الجماعة لدعوته، بل أعلنوا صراحةً موقفهم المعارض للدولة والديمقراطية وتكفير المجتمع، واستمروا في حروبهم. مما يعنى ان قوات حفتر تملك الحق في قتالهم لأنهم أقروا بلسان قائدهم أنهم فئة تحارب الدولة، أي أنهم فئة باغية، كما انهم لم يستمعوا الى قول “كعب الأحبار” الذي يمثل الاسلام الرسمي للدولة.
لكن للتقية جانباً أخر فَهِمهُ أنصار الشريعة أكثر مما فهمه “الحبر”، هو أنه “اذا بلغ الدم فلا تقية”. أي إذا كان القتل أمرا حاضراً، فيجب اظهار العقيدة، وكانوا صادقين في رفضهم فسببوا لـ”الحبر” المتلون احراجا ما بعده احراج، لذا خرج من جديد يصف حفتر بكل شيء سيء ويعلنه “كافراً” ويدعو للقتال ضده باعتباره قتالا في سبيل الله! مع أنه لو قال هذا الكلام عن جماعة أنصار الشريعة لكان أقرب للواقعية، فهم الذين يرفضون وجود الدولة ويرفعون عَلماً غير علمها ويكفرون العاملين فيها ويقتلون من يستطيعون من رجال القضاء ورجال الجيش والشرطة.
ويتناقض الشيخ مع نفسه حين يدافع عن “المؤتمر” باعتباره “ولي الامر” وممثل الشرعية. فإذا كان المؤتمر هو ولي الامر، فلماذا ثار ضده؟ وإذا كان ليس ولي الامر، فلماذا يكفر الخارجين ضده؟ وما قوله الآن، و”ولي الامر” منقسم على نفسه فى داخله ومع الحكومة ومع القضاء؟ اي منهم يعتبره ولي الامر في هذه الحالة؟
ما زال الكهل يعيش فى وَهمِهِ “الخميني”، يعتقد أنه يستطيع أن يحرك الامة بالكلمة ويوجهها بالإشارة! يحدد لها كيف تتصرف فى حياتها، وأين سيكون مقامها بعد الموت عند ربها! وبرغم أني لا اعلم كيف حصل على توكيل من الله للحديث باسمه، وكيف تنازل الله له عن صلاحياته، وترك له ان يقرر من يدخل جهنم ومن يزحزح عن النار، ولا أعلم لماذا يربط نفسه بالله دائما “فمن سبّني فقد سب الله والرسول” ومن أغضبني بالكلام فسيلجمه الله بلجام من نار فى جهنم! أنه يذكرك بالحلاج (أنا ألله وألله أنا)!
و برغم صلته السماوية، أعتقد انه يتناقض في كلامه ولا يقيم ميزان العدل، ولو كنت ألهاً لما اخترت مثله ليمثلني، ولو كنت مكانه لرددت دعاء واحدا (اللهم اضرب الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين)، ثم لزمت الصمت المكين.
السؤال الان ليس موجها للصادق الغرياني الذي رُفع عنه الغطاء ورُفع عنه القلم، وإنما الى العلماء أحبار الأمة الذين يعملون معه او الذين يؤازرونه،
أنكم مخيرون أن تكونوا احد اثنين:
الاول أنكم لا تقرّونه على ما يفعل وما يقول، لكنكم صامتون لأنه يملك تعيينكم ويملك فصلكم، ويملك أن يقطع عنكم رواتبكم ويسحب الجِبب الفاخرة الي تظهرون بها على شاشة التليفزيون. لكن دينكم لا يوصيكم بذلك، وما تقولونه للناس فى مواعظكم يختلف عما تقولونه فى مواقفكم، والصمت عن قول الحق إثم والصامت عن الحق شيطان اخرس.
والثاني أنكم تتفقون معه فيما يقول ويفعل، وترتكبون بذلك جناية كبرى في حق الدين الذي يكون العمل على نشره هو مصدر قوت يومكم، وإنكم تتفقون مع “أنصار الشريعة” والنواصي و”داعش” فيما يفعلون، فتدخلون الشك في قلوب المؤمنين ويسألون أنفسهم اي دين هذا الذى أؤمن به، وتضعون أمامهم خيار الكفر حين يجدون ان دينهم هو دين القتل والاغتصاب واللعب بالرؤوس، هو دين التكفير والحقد والرغبة في الانتقام، هو دين “أنصار الشريعة” و”داعش” و”دار الإفتاء”!
لكن السادة العلماء اخذهم الكبر وساروا على هوى كبيرهم الذى علّمهم، وأصدروا بيانا يكرر نفس ما قاله! وهم لا يدركون خطورة ما يقولون ولا يقرأون ردة الفعل على تصرفاتهم ويقطعون ما يربطهم بعامة البشر ويضعون الايمان والعقيدة فى مأزق!
ونود، إظهارا للحق، أن نسألهم، ويهمنا أن نرى جوابهم وجوابه عن اسئلة أربعة:
هل تريدون قيام دولة ليبيا مستقلة ذات سيادة يهمها رقي شعبها وتقدمه، أم تريدونها بداية لقيام الخلافة وجزءاً من دولة الاسلام الكبرى لا فرق فيها بين مسلم ومسلم؟ وهل تفضلون أن يحكمكم عالم وهابي، سعودي أو يمني أو أفغاني، عن أن يحكمكم سياسي مدني ليبي؟
الثاني ما موقفكم من خطاب الزهاوي وتهديده بدعوة مسلحين من الخارج لمشاركته الجهاد، وإعلانه عدم الاعتراف بشرعية الدولة واتخاذه علما غير علمها؟ وقال ذلك علنا بما ينفي الشك بالجهالة، فلماذا لا ينطبق عليهم ما ينطبق على حفتر؟ ولماذا لا تصفوه وجماعته بالبغاة لانهم في مسألة الخروج على الدولة فى موقفٍ سواء ووضعهم أكثر سوءا وجنايتهم أكثر وضوحا والاعتراف سيد الادلة؟
الثالث، ما موقفكم من حركة “داعش” وتهديدها لمصالح الدولة العراقية؟ هل تروهم
بغاة ينازعون سلطة ولي الامر أم ترونهم جنود الاسلام الذين ينطبق عليهم قوله تعال”ى وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة”، مع العلم أنهم من جنسيات مختلفة فيهم الليبي والتونسي وغير ذلك؟
رابعا، هل تستطيعون أن تطلبوا من إمارة قطر عدم التدخل فى الشأن الليبي وأدلة تدخلها واضحة؟
وإزاء ما نحن فيه أجدني مضطرا أن أكرر ما دعوت إليه من قبل لو انضم الحقوقيون وعلماء الدين الذين لا يخضعون لسيطرته إلى المطالبة بتنحيته عن وظيفته. ولو تبنى المحامون رفع دعوى تطعن دستورية قانون دار الافتاء المليء بالمطاعن والسخي فى الامتيازات التي مُنحت للشيخ دون وجه حق مدعيا أنه يطلبها للدار لا لنفسه، لأنه لا يفصل بين شخصه وبين المنصب الذى يشغله ولا يفصل بين نفسه وبين الله!
Magedswehli@gmail.com
طرابلس- ليبيا
*
صرح مفتي ليبيا الشيخ الصادق الغرياني، إن من ينضم إلى اللواء خليفة حفتر، الذي يقود عملية عسكرية لمواجهة المليشيات المسلحة والمتطرفة في مدينة بنغازي، ويموت معه “يخشى أن يموت ميتة جاهلية، وكل من يقاتله ويموت فهو شهيد في سبيل الله”، بحسب قوله.
وقال الغرياني-خلال مقابلة تلفزيونية-”هذا الكلام منشور وموجود على موقع دار الافتاء، وإننا اليوم نزيده تأكيداً ونبينه ونقرره، ونقول للناس الذين يقاتلون مع حفتر إنكم بغاة خارجون عن طاعة ولي الأمر الواجبة طاعته شرعاً، وأنكم تقاتلون الناس ظلماً، وعلى الناس جميعاً أن يقاتلونكم بأمر الله سبحانه وتعالى لأنكم بغاة”.