نستهدف من طرح قضية العصمة، عصمة الأنبياء، معالجة الأوصاف غير البشرية أو فوق البشرية التي يسعى البعض إلى إلصاقها بفئة من البشر هم الأنبياء.
يزعم هذا البعض وجود بشرٍ يتجاوزون الوصف البشري. ويستندون في زعمهم هذا إلى مفهوم “العصمة”، الذي يسعون من خلاله إلى جعل سلوك البشر وصفاتهم تتجاوز الحالة الطبيعية.
إن الثقافة التي تصوّر البعض بأنهم يتجاوزون الوصف البشري، تساهم بقوة في وأد ثقافة النقد، إذ لا يمكن الجمع بين صاحب السلوك وصفاته فوق البشرية، وبين نقده. لذا تقف العصمة بوصفها سلوكاً فوق بشري، في الضدّ من السلوك الطبيعي، ومن ثَمّ في الضدّ من الثقافة الساعية إلى نقد هذا السلوك. وعادةً ما تنزع الصفات فوق البشرية عن الإنسان الكثيرَ من الانفعالات البشرية الطبيعية، مثل الفرح والغضب والحزن والسرور وما يرافق ذلك من سلوكيات خاصة، الأمر الذي يطرح تساؤلا هاما: إذاً، ما مصير هذه الانفعالات؟ وهل هناك انفعالات خاصة بالبشر العاديين، وانفعالات أخرى تخص غيرهم؟! وإذا كان الجواب بالإيجاب فما هي هذه الانفعالات؟
إن العديد من الباحثين يعتقدون بأن الحقائق والمصاديق الدينية لا يمكن إخضاعها للإثبات. من هؤلاء “ابن سينا” الذي كان يقول بأن “المعاد” لا يمكن إثباته بالدليل العقلي. والأمر نفسه ينطبق على التوحيد والنبوة، وكذلك على العصمة. وبالتالي قام البعض بإلغاء الدليل العقلي كشرط للاعتقاد، ووضعوا الإيمان بديلا عنه، وأكدوا على أن الحقائق والمصاديق والتعاليم الدينية لا بد أن تكون “لاعقلية”. بعبارة أخرى، رأى هذا البعض أن الإيمان بالله، على سبيل المثال، لايستند إلى العقل ولايحتاج إلى دليل، وأنّ من يقيس التعاليم الدينية بميزان العقل كأنه يضحي بالله في مقابل العقل، وأنّ في مسألة الاعتقاد بالله وبالحقائق الدينية يجب التعلّق بحبل الإيمان لا بحبل الأدلة العقلية.
وتعتبر عصمة الأنبياء من مصاديق العقيدة الدينية عند المسلمين. غير أنه لا يمكن إخضاع أصول العقيدة ومصاديقها للصدق أو الكذب، لأنها تتعلق بالإيمان لا بالبراهين والأدلة العقلية. لذا لا يمكننا أن نوجه السؤال التالي: هل العصمة أمر قابل للصدق؟ لأنه لايمكن تأكيد العصمة عن طريق الدليل أو البرهان العقلي، بل نستطيع فحسب أن نؤمن بالعصمة. أما إذا قلنا بأن عصمة الأنبياء أمر صادق، فإننا نتساءل: هل هناك أدلة وبراهين وشواهد تؤكد صدق ذلك؟
إن أنصار كل دين يعتقدون بأن دينهم فقط هو دين الحق لأنهم “واثقون ومطمئنون” من تعاليمهم الدينية. لكن هذا الإطمئنان لايعني أن الأدلة العقلية هي التي أكدت ذلك، أو أنها ساهمت في تأكيد “صدق” تلك التعاليم. فممكن للاعتقاد أن يكون ثابتا وقويا ومطمئنا، لكن لا توجد أدلة عقلية تؤكد صدق هذا الاعتقاد، لأن “صدق” أي شيء يعتمد على الدليل العقلي وعلى وجود هذا الشيء في الواقع. أما إذا لم نحصل على الدليل، أو لم نجد ما يثبت هذا الشيء في الواقع، فإنه لن يكون صادقا، لكنه من جانب آخر لن يكون مانعا لأي شخص من أن يؤمن به. فلا توجد أدلة وبراهين عقلية تؤكد صدق الحقائق الدينية، لكن ذلك لا يمنع الإيمان بها. وبالتالي يستطيع الباحثون أن يبحثوا في ادعاءات صدق الأدلة العقلية الساعية إلى إثبات الحقائق الدينية، لكنهم لا يقتربون من منطقة الإيمان بتلك الحقائق، بسبب عدم خضوع مسألة الإيمان للأدلة والبراهين العقلية. فالإيمان بوجود الله هو بمعنى عدم إثبات ذلك بالأدلة والبراهين العقلية.
وكان الرئيس الأمريكي الثالث “توماس جيفرسون”، المفكر السياسي الشهير في العصر المبكر للجمهورية الأمريكية وأحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، يقول بأن التعاليم الدينية التي وردت على لسان المسيح عيسى بن مريم يستطيع الأطفال أن يفهموها، في حين أن آلاف الكتب التي كتبت حول إفلاطون لم تستطع أن توضح مقاصد هذا الفيلسوف اليوناني. فالإيمان يحقق غاية الاعتقاد من دون الاستناد إلى أدلة وبراهين عقلية. أو بجملة أخرى، بسبب عدم وجود دليل عقلي يثبت وجود الله، فإن الإيمان بالله يتحقق.
وفي اعتقاد بعض رجال الدين المسيحيين، تُعتَبَر المسيحية “أفضل الأديان” لأنها لا تثبت الحقائق الدينية بالدليل العقلي، إذ كلما ابتعد الدليل العقلي عن الحقيقة الدينية كلما أصبح الإيمان بها أقوى.
يقول الفيلسوف النمساوي “لودفيك فتغنشتاين: إن الدين لا يمكن أن يستند إلى الدليل والبرهان لأنه “يقول إفعل هذا، فكر هكذا، بالتالي هو غير قادر على أن يطرح أدلة لهذه الأوامر. وإذا ما سعى إلى ذلك، فإن مقابل أي دليل يطرحه يوجد هناك منطق قوي ضده”. ويؤكد فتغنشتاين بأنه يمكن، مثلا، إثبات الواقع التاريخي لنابليون من خلال الشواهد والأدلة، لكن لا يمكن إثبات الإدّعاءات التاريخية للأديان من خلال ذلك أيضا. ففي نظره، لا تستند المسيحية إلى وقائع تاريخية مثل ولادة المسيح وصلبه وبعثه مجددا، كما أن “التفاصيل التاريخية للأناجيل قد لاتكون صحيحية من ناحية الإثبات، لكن وجود تلك التفاصيل غير الصحيحة لا يقلل من الاعتقاد بها شيئا. فالبرهان التاريخي لاصلة له بالاعتقاد. وقبول الناس للرسالة (رسالة الأناجيل) يتم من خلال الاعتقاد (أي من خلال الإيمان)”. ويضيف بأن “المسيحية لم تقم على حقيقة تاريخية، بل هي سَلّمَتنا رواية (تاريخية) تقول: أؤمن الآن. فأنت تواجه رواية هنا. لكن عليك ألاّ تواجه هذه الرواية بنفس الطريقة التي تواجه بها الروايات التاريخية الأخرى. إحجز لهما مكانين مختلفين في حياتك”.
إن الشيعة، من دون أن يطرحوا دليلا أو برهانا، يعتقدون بأن جميع الأنبياء معصومون. وهم ينقسمون إلى فريقين في شرح معنى “العصمة”: الأول يعتقد بأن النبي حين تلقى الوحي ثم بلّغ الرسالة كان مصونا من أي خطأ، فيما الثاني يعتقد أن النبي مصون من الخطأ في جميع المسائل والأمور في الحياة سواء ارتبطت بالوحي أم لم ترتبط. فالنبي، وفق رأي الفريق الثاني، هو إنسان فوق بشري.
وتتفق الغالبية العظمى من الشيعة مع رأي الفريق الثاني، لأن رأي الفريق الأول يؤدي إلى احتمال أن “يخطئ” النبي أو “يذنب”، وهو أمر غير مقبول بالنسبة إليهم. يقول “الشريف المرتضى:، وهو أحد أبرز رجال الدين الشيعة، في “تنزيه الأنبياء” إن “الشيعة إنما تنفي عن الأنبياء عليهم السلام جميع المعاصي من حيث كان كل شيء منها يستحق فاعله الذم والعقاب”.
هذا الإدعاء، ادعاء الفريق الثاني، يصطدم بأسس العلوم التجريبية الحديثة ونتائجها العلمية، ولا يمكن إثباته من خلال الأدلة والبراهين العقلية. فتلك العلوم تبرهن أن الإنسان مخلوق خطّاء، وهو ما يتعارض مع مفهوم “العصمة”. فالإنسان كما عرض نفسه على مر التاريخ غير مصون من الخطّأ، لأن الشخص الذي لا يخطئ لا يمكن إطلاق وصف “إنسان” عليه إنما هو شيء آخر.
وبما أن “العصمة” تتعارض مع العلوم التجريبية، وغير قابلة للإثبات عن طريق الأدلة والبراهين العقلية، فإن المؤمنين بـ”العصمة” لجأوا للنص القرآني لإثبات إدعائهم. غير أن الدليل النصّي يشير أيضا إلى عكس ذلك: “إنما أنا بشر”، ويؤكد على أن الأنبياء مثل بقية البشر، حيث يرسم لهم أوصافا بشرية، في حين يعتبر الفرق الوحيد بينهم وبين بقية البشر أنه يُوحَى إليهم. تقول الآية 110 – من سورة فصلت “قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا”. لكن مفسري القرآن لجأوا إلى “تأويل” الآيات من أجل إثبات “العصمة” (!!؟). فحينما يعيش نبي الإسلام حياة طبيعية مثل جميع البشر، فإن سؤالا مهما يُطرح: أين تكمن “الفروق”، إذاً، بينه وبين البقية؟ فالبشر كانوا يعتقدون بأنه حينما يقول شخص ما بأنه نبي الله، فذلك بمعنى ألا يكون من نوع البشر بل هو فوق البشر وله صفات تتجاوز الفهم الطبيعي للإنسان. لكن الله أبلغ النبي الأكرم محمد في سورة الإسراء – الآية 93 أن “قل سبحاني هل كنت إلا بشرا رسولا””، وفي سورة إيراهيم – تقول الآية 11: “قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده”، وفي سورة يونس – تقول الآية 2: “أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم، قال الكافرون إن هذا لساحر مبين”.
يتبع
ssultann@hotmail.com
• كاتب كويتي
الشيعة والعصمة (1 -2)
بسم الله الرحمن رحيم
ان قولك ان المسلمين لا يعتقدون بالدليل العقلي للمعاد والعصمة وهم يقولون ان الايمان فقط هو الزي عتدهم فكل هزا غير صحيح لا عند المسلمين على الانسان ان يتفكر في عقله في وجود الله وانبيائه والكتب وفي العصمة فان العصمة هي ارا يختص بالنبياء والائمة بالنص القراني والدليل العقلي
اما القران فيقول لا ينطق عن الهوى انما هو وحي يوحى واما العقل ان الانبياء هم قدوتنا فكيف نقتدي بالعاصين كما امرنا الله فنكون قد اعطينا برائة من المعاصي من الله
ارجو عدم كتابة الامور المخترعة منكم التي تقول المسلمين ما لا يقولون