مع اقتراب الذّكرى الأولى لاندلاع الثورة في ليبيا، لا يبدو الشباب راضين عن المسار الذي سارت فيهالأمور منذ تحرير البلد من كتائب القذافي في 23 أكتوبر 2011.
وتعتبر قطاعات واسعة من الشباب، أن الجيلين السابقين استحوَذا على مِـقوَد الثورة وأزاحا الشباب من موقع القرار.
وقال خالد عثمان، المُذيع الشاب ومقدِّم البرامج التليفزيونية لـ swissinfo.ch، نعترف أن النجاح الأكبر كان سقوط الطاغية (القذافي) وتحرير البلد، وهنا لعِـب الشباب دوْرا أساسيا في المجهود الحربي، أي في تأمين المُـدن والمطارات والمنشآت الحيوية. لكن، هذا غيَّـبهم عن الجبهات السياسية.
فعندما حدث حِـراك سياسي، عبَّـأه المحسوبون عمريا على الأجيال السابقة، ولمّـا عاد الشباب من الجبهات، وجدوا واقعا آخر. ورغم أنهم يملكون السلاح، نراهم قد لجأوا إلى تنظيم التجمُّـعات في ساحة الشجرة وفي ميدان الجزائر في مدينة بنغازي، وشاركوا في الحوارات التليفزيونية، ما دلّ على مستوىً متقدِّم من النُّـضج السياسي.
يُقال أنهم منفَـعلون، لكنهم صبروا واعتصموا على مدى أربعين يوما في طرابلس وبنغازي، رغم البرد الشديد، دِفاعا عن مطالب مشروعة. وهُـم يقولون “لدينا مطالب سنُـدافع عنها إلى الآخر، لكن لن نستَـخدِم السلاح أبدا، بل سنحقِّـق أهدافنا بالوسائل السياسية”.
واستدل عثمان بأن الشباب ردّوا بالحجّة ولم يلجؤوا إلى حجّة القوّة، مهْـما بلغت المشادّات الكلامية بينهم وبين المسؤولين. وعثمان صحفي شابّ كان يعمل في التليفزيون الرسمي إبّان الثورة، عندما أُرْسِـل إلى بريطانيا في دورة تدريبية، ومن هناك انضمّ إلى الثوار وغادر لندن إلى بنغازي.
لكن في مقابل هذه الرُّؤية الوردية لدوْر الشباب، يشير مراقبون للشأن الليبي إلى احتكاكات واشتباكات، كثيرا ما حصلت بين مجموعات من الثوار، على خلفية قبَـليَـة غالبا، وأكثرية هذه المجموعات مؤلَّـفة من الشباب… وردّ عثمان على هذه الملاحظة، بأن مدينة وحيدة شهِـدت مثل هذه المعارك، هي طرابلس، بينما المنطقة الشرقية هادِئة، على حد قوله، وهذا يعني أن الهدوء يسود 75% من بلد خارج لتوِّه من ثورة دامية.
وعدتُ أسأله عن تصريحات رئيس المخابرات الليبية الجديد سالم الحاسي، الذي حذّر من أن “أزلام القذافي، كما قال، يُنظِّـمون انفسهم في دُول الجوار لإرباك الثورة”. وعلّق عثمان على تلك التحذيرات بالقول، أن التهويل من صميم عمل أجهزة الاستخبارات، مؤكِّـدا أنه لا يخشى من الأزلام، رغم الأموال الكبيرة المُـسرَّبة من ليبيا إلى الخارج ودور القيادات التي فرّت إلى الجزائر والنيجر ومصر وتركيا وتونس.
“الشباب هم صمَّـام الأمان”
وأشار إلى أن المستشار مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الوطني الانتقالي قال في يوم من الأيام، إنه صمّـام أمان الثورة، بينما الشباب هُـم صمّـام أمانها برأي عثمان. واستدلّ هنا بدور الشباب في وقف الاشتباكات التي حدثت بين ورشفانة والزاوية أو داخل بني وليد. وشدّد على أن المعتصِـمين في طرابلس وبنغازي، هُـم خط الدّفاع الأول عن الثورة. فلديهم مطالب واضحة ومعروفة، إلا أنهم يعطون فرصة للسياسيين والتنفيذيين للعمل. ولم يُخفِ أن هاجِـس الثوار، هو الخوف من أن تُسرَق الثورة، “غير أنهم يمنحون فرصة للمجلس كي يصحِّـح المسار”.
وأبدى تفاؤله بالحِـراك السياسي والثقافي الذي يقوم به مثقَّـفون، من أمثال المعارض السابق محمد المقريف ومحمود جبريل ومحمود شمام، الذين يعقِـدون ندوات ومؤتمرات، هدَفها توْعَـوي، بالإضافة إلى دور المثقَّـفين الشباب، أسْـوة بطارق المقريف نجل محمد، الذين برزوا على الساحة في الفترة الأخيرة.
هل سيكون لهؤلاء الشباب دوْر في الانتخابات المقرّر إجراؤها في غضون أربعة أشهر؟ يُجيب عثمان بكثير من التفاؤل، انطلاقا من مؤشِّـرين. أولهما، الثقل السكاني للشباب، الذي يمثل أكثر من 60% من أهْـل البلد. وثانيهما، مستوى الوعي. فهُـم القوة الفِـعلية التي حرّرت ليبيا وهُـم الصوت القوي والفاعل الذي تَـعوَّد على الكلام في وسائل الإعلام واكتَـسب خِـبرة هامة.
وضرب محدِّثنا أمثلة من شباب استضافهم في برامج حوارية، بعضهم أسَّـس أحزابا، مثل وليد اللافي، الذي عاد من ألمانيا بعد الثورة وأنشأ حزبا ليبراليا، ومثله أكثر من ثلاثين حزبا أنشأها شباب. كما ضرب مثلا بشاب آخر، أنشأ مرصد ليبيا لحقوق الإنسان، يتحرّك على الأرض داخل ليبيا، وطرح المرصد على نفسه مراقبة الانتخابات وسيركِّـز على الدفاع عن كوتة المرأة، “ومن المهم أن يكون الشباب هم الذين يراقبون الانتخابات عبْـر مؤسسات أهلية”، على رأي عثمان.
هؤلاء الشباب قد لا يكون لديْـهم بيت، لكنهم يدفعون من جيوبهم لإقامة هذه المنظمات بإمكانات بسيطة من أجل بناء ليبيا الجديدة. الشاب عاطف الأطرش مثلا، أصرّ على مراقبة الانتخابات التونسية للتعلّم من التجربة. كما هناك أيضا فَـتيات يشاركْـن في العمل الأهلي من أجل توعية الناس بقِـيم المواطنة وحقّ المرأة وحقوق الإنسان، وخاصة حق الانتخاب. هؤلاء الشباب حصلوا على دعم من منظمات دولية، فهُـم يبحثون عن مساعدات فنية وخِـبرات إقليمية.
واعتبر عثمان أن “هذا نجاح مهِـم في بيئة طاردة للإبداع والأحلام. اليوم، صار الشباب الليبي يحلم ويفكر ويطبِّـق أفكاره مع سعيه لنبذ القبلية والجهوية””.
تشتّـت الأهداف
أما الصحفي الشاب محمد زيدان، الذي شارك في تأسيس أول صحيفة صدرت بعد أيام من اندلاع شرارة الثورة في بنغازي، فانتقد “تشتّـت أهداف الليبيين اليوم، بعدما كان يجمعهم هدف واحد، هو الإطاحة بنظام القذافي”. وروى زيدان لـ swissinfo.ch كيف أسّس مع أستاذه محمد المنفي، عميد كلية الإعلام والصحفي محمد المزغوي (الذي يرأس تحرير صحيفة “الكلمة” حاليا) وحسين بن عطية وأسامة زروق، صحيفة “17 فبراير”، وكيف كان يهتف “اعتصام اعتصام حتى يسقط النظام” وشعارات أخرى، قبل أن يتجمعوا يوم 21 فبراير في المركز الإعلامي ويعدّوا العدد الأول من الصحيفة ويوزِّعوه بأنفسهم يوم 23 فبراير.
يتذكر زيدان كيف كان يوزِّع الصحيفة وهو يبكي متأثِّـرا بقوة تلك اللحظة، ثم كيف عاد إلى البيت في السابعة صباحا فوجَـد والديه قلقيْـن عليه، خاصة بعدما شهرت به قناة “الجماهيرية” الرسمية وبأقرانه الذين أصدروا الصحيفة. فقبل الثورة، عمل زيدان في تلك القناة ثلاثة أشهر ثم تركها. وقال لـ swissinfo.ch، لم أكُـن خائفا في بنغازي، رغم وجود شرطة ومخابرات تابعة للقذافي، أما بعد تجمع ساحة الشجرة في بنغازي أخيرا وتصريح مصطفى عبد الجليل بأن قناة “ليبيا الأحرار” (التي أعمل فيها الآن)، باتت ضد الثورة، فأصبحتُ خائفا أكثر من أي وقت مضى.
واستغرب محمد من انطلاق مظاهرة في بنغازي تردّد “سير واحنا معاك يا جليَل… مبدأنا مبدأك”، تأييدا لمصطفى عبد الجليل، وهي نفس العبارات التي كانت تُردَّد متَّـجهة إلى القذافي “سير واحنا معاك يا قايد… مبدأنا مبدأك”.
واعتبر زيدان أن أبرز مكسَب للشعب الليبي بعد عام من الثورة، أنه بات قادِرا على أن يقول لا. إنها كلمة أصبحت منتشِـرة ويمكن أن تقال لأية سلطة، سواء أكان مصطفى عبد الجليل أو أي مسؤول آخر. ومضى شارحا “الناس تعوّدوا على الحديث الحُـر. وفي الفترة الأخيرة، تظاهر الشباب ضد المجلس الوطني الانتقالي، وهذا مهِـم للمران السياسي الديمقراطي بتكريس الرأي والرأي الآخر. ففي الماضي لم يكُـن يوجد رأي مخالف وكان صاحب الرأي الآخر يُصنّـف في عداد الخوَنة”.
ورأى زيدان أن الليبيين بدأوا يتعافَـون من الفِـكر الواحد مع المناقشات التي دارت حول مسودّة الدستور وقانون الانتخابات. مع ذلك، اعتبر أنه لا دور حقيقي للشباب منذ انتصار الثورة، عدا مساهمتهم في السلطة الخامسة، أي الشارع، الذي قال إنهم امتشقوه سلاحا من خلال خروجهم في المظاهرات وتأسيس الجمعيات الأهلية، التي انطلقت بعد الثورة، لكن لأهداف إنسانية وإسعافية في البداية.
وتذكر زيدان كيف أعلن نائب رئيس المجلس الانتقالي عبد الحفيظ غوقة (استقال لاحقا)، أن مشاركة الشباب ستكون كبيرة في المجلس، “لكن لم نَـر شبابا. وعندما تشكّـلت حكومة عبد الرحيم الكيب، غاب منها الشباب، حتى أطلقوا عليها “حكومة هَـرمنا”. فأين الشباب بين الوزراء ووكلاء الوزارات؟ يقولون إنها ثورة شباب، لكن الشباب ما زال مُغيبا”.
وسألتُ زيدان: هل يكون الضغط بالأسلوب الذي هجَـم به المحتجّون على مصطفى عبد الجليل؟ فردّ بأن القمع يحمل بذور الثورة في داخله، لأن الثورة نتاج للحاجة إلى التغيير. فالثورات في ليبيا كانت من أجل إزاحة رموز النظام أو الشفافية أو ضد الطُّـغيان… فكيف تريد أن لا ينتفض هؤلاء الذين ثاروا على القذافي بالأمس، ضدّ المجلس الانتقالي اليوم؟ وأشار إلى ما قاله حسن زقلام، وزير المالية الليبي، الذي أكّـد أن “أموال ليبيا تُهرّب يوميا إلى الخارج عبْـر المطارات والمنافِـذ الحدودية، وأن البلد بات محطّة عبور للأموال”، ليستخلص (أي زيدان) أنه ليست هناك سُـلطة في البلد، مُعلِّـقا بأن “على المجلس الوطني الإنتقالي والحكومة أن يجدا حـلا… وإلا فليتنحَّـيا”.