ماذا نفعل مع الافكار والتعبيرات التي ترفض حرية الاخرين وتصطدم بحقوقهم وتقدمهم ثم تطرح فكرا معاديا للتحديث الذي يعتمد اساسا على الانسان ومركزيته وحريته؟ هل يحق للفكر المعادي للحياة ان يتواجد الى جانب الفكر الذي يؤمن بحق الاخرين؟ وهل هذه المعادلة عادلة بين الذين يريدون ان يعيشوا في مكان اخر غير الحياة وبين الذين يريدون ان يعيشوا التجربة الانسانية بابداعاتها؟ هل هذا التناقض بين الدنيا والاخرة حقيقي ام مفتعل بسبب سوء تفسير الاسلام في هذه المرحلة؟ من الباكستان الى افغانستان ومن السعودية الى القاهرة والمغرب ينتشر الفكر السلفي كثقافة عامة للمجتمع محدثا دويا كبيرا، واثرا كبيرا. اذ تنتشر السلفية في مجتمعات عربية واسلامية تعيش فشلا في علاقاتها بالعصر، وتعيش ازمة بطالة كبيرة. اذ يكفي ان ندلل بأن المليار ونصف مسلم لم يحقق منهم سوى حفنة صغيرة جائزة بمستوى جائزة نوبل في العلوم وغيرها اما الخمسة عشر مليون يهودي في العالم فقد نجحوا في حصد معظم جوائز نوبل. في العالم العربي والاسلامي سقط الابداع وسقطت الجدية الانتاجية وسقط المرح والفرح والانسانية في خضم ثقافة لا ترى في ذلك ضرورة او غاية او اهمية. لقد انسحبنا نحن المسلمين من العصر بينما غيرنا يزداد ارتباطا بالعصر واسهاما في اعمار الارض. ان ما يقع خاصة في الباكستان وافغانستان اكبر دليل على المصير الذي ستلاقيه جميع البلاد العربية ابان سيرها في طريق السلفية.
فهل نحن بحاجة لديكتاتورية جديدة كما فعل اتاتورك وغيره بهدف تغير حال المسلمين وفرض واقع جديد يقوم على الانتاج؟. ان الاجابة على هذا السؤال قد تأخذنا بأكثر من اتجاه. الاتجاه الاول هو اتجاه الحجر والمنع، وهذا اتجاه جربته البشرية على مدى قرون طوال ولم تصل لنتيجة لانه ساهم في تعميق قيم التشدد والكراهية عوضا عن نشر قيم التسامح. اذكر هنا مثلين: تركيا الحديثة في ظل اتاتورك ومصر الحديثة في ظل عبد الناصر. كلاهما اعتمد سياسة المنع والقمع. لكن هذه السياسة لم تستطيع منع فكر يريده الناس. فالمنع بكل انواعه والرقابة بكل اشكالها تؤدي لعكس النتيجة. لقد سقط الاتحاد السوفياتي رغم كثرة الرقابة والمنع، كما برزت افكار الاخوان المسلمين وقبلهم تيارات اخرى وبعدهم تيارات جديدة رغم غياب مناخ الحرية في بلادنا العربية .
لكن الاتجاه الاخر الذي اومن به شخصيا يجب ان يقوم اساسا على الحوار. لكن ذلك لن يكون ممكنا بلا التصدي لمنع الاختلاط واطروحات الفصل بين الرجال والنساء في التعليم وفي الحياة، واطروحات عزل المرأة وتهميشها. وهذا يتطلب ايضا تفعيل دور الثقافة والمثقفين و تشجيع القراءة والثقافة العالمية وفتح المكتبات العامة وبناء مراكز ترعى الابداع والتفاعل والرياضة، ان الفكر السلفي يسير الى الامام بلا اية مقدرة من الجانب الاخر على المواجهة وممارسة ما يؤمن به. في هذا هناك خلل كبير في المعادلة نجدها على مدار العام عبر التلفزة والبرامج ومن خلال القوانين التي تسنها الدول والتي تسير باتجاه لجم الحريات الشخصية والسياسية بنفس الوقت.
ان اهم ما تسعى اليه السلفية هو وضع الحجر على المجتمع بدءا من منع اختلاط الرجال بالنساء. بل يمكن اعتبار الفصل بمثابة الخطيئة الاولى والاصلية في تدمير المجتمعات وقتل روح الابداع والحياة والمرح فيها، فهذا واضح في جميع المجتمعات التي تعتمد الفصل بما فيها الباكستان والسعودية وافغانستان. في هذا قتل للانسانية بين الناس والغاء للفرحة بينهم والمودة بين الافراد والاقرباء وضمن الاسرة وخارج الاسرة.
ويتأسس على هذه الخطيئة الاولي منع التعليم المشترك والتدخل في الحريات الشخصية و فرض الحجاب على المرأة والتفرقة ضد الاقليات الدينية بما فيها الاسلامية. وهذا غير ممكن في التطبيق الا اذا سارت الدول في طريق السلفية كما هو حاصل في عدد كبير من الدول الاسلامية والعربية. هذا الفكر الذي يمارس الوصاية على المجتمع والناس والجماعات والافراد هو الفكر الذي يسود العالم الاسلامي اليوم . لقد اصبح العالم الاسلامي السني سلفيا للعظم. في هذا نجحت السلفية في توجيه هزيمة كبرىِ للدول العربية وللتنوير العربي. فأبان السنوات القليلة الماضية حتى الازهر الوسطي وشيوخه فقد دوره ووقعت في قياداته اختراقات سلفية اساسية. كما وفقدت المراكز الدينية التقليدية الاسلامية موقفها لصالح السلفية. هناك موجة سلفية في الازهر واخرى سلفية في كل موقع ديني اسلامي سني حتى في صفوف الاخوان المسلمين وقادتهم.
لقد قامت المدرسة السائدة في الاسلام عبر تاريخه المديد على مبادئ مختلفة عن تلك التي تطرحها السلفية اليوم. فقد انطلقت المدرسة التقليدية اساسا من تحمل الفرد لمسؤولياته، وقامت على مبدأ عدم وجود وصاية على الاخرين وسلوكياتهم واراءهم ، وقامت مبادئ الاسلام ايضا على تفسير النص الاسلامي والاحاديث الشريفة بما يتلاءم مع احتياجات ومصالح الناس بكل ما يفرض هذا من اقلمة وتعديل وتأويل وتفسير ومرحلية. بل انطلق التفسير الاسلامي من ان نصوص القران يجب ان تطبق بمرونة وبتصرف وبدرجات مختلفة وفق احتياجات مختلفة وذلك لضمان عقلانية العلاقة بين الدين والناس. هذا ما حصل في معظم التعبيرات الدينية السابقة في الفكر السني و هو الاساس لفكر محمد عبدو الاصلاحي في القرن العشرين.
لكن السلفية على ما يبدو استندت على مدرسة مختلفة، وانطلقت من عصور سابقة ايضا سادت ابانها المواجهة مع غزاة اجانب كما سادت ابانها افكار اكثر انغلاقا ورفضا للتجديد. لقد استند هذا التوجه على ابن حنبل في القرن الثامن والتاسع الميلادي من حيث التشدد ثم ابن تيمية في القرن الثالث عشر والاكثر تشددا عن كل من سبقه. ان المرحلة السلفية الراهنة تقوم اساسا علي مبدأ المنع بينما في الاسلام السائد هو السماح والاباحة وليس والمنع. في السلفية الجديدة هناك سعي مضخم للتعامل مع ظاهر النص القرآني بعيدا عن فهم اسباب النص وظروف النزول والمرحلة التاريخية وغيره من الابعاد الاجتماعية والتاريخية والاقتصادية. في السلفية حدة تضيف على الحدة التي يمر بها العالم الاسلامي.
لقد اصبح جوهر الموقف السلفي: هذه حياة فانية لا قيمة لها، اما الحياة الدائمة فهي التي تستحق الجهد وذلك في اطار اولوية النص على الحياة والناس ومصالحها واحتياجاتها وتطورها. هل اصبحت السلفية افيون العرب والمسلمين تجعلهم يعيشوا وهما كبيرا حول الاسلام بينما الفشل يعتمر حياتهم ويملئ واقعهم؟ هل اصبح النجاح الاخروي هو البديل للفشل الارضي؟ وهل يصل للاخرة من يفشل في اعمار الارض وتحقيق العدالة وبناء الانسان وتطوير الحقوق؟ هل نترك النجاح في الارض للغرب والشرق بينما ينزوي العالم الاسلامي وراء التاريخ ويقف على مسافة كبرى خلف الحضارات الاخرى؟
ورغم انتشار السلفية الا انه برزت من اوساطها فئات انتقدت التجربة وقيمتها وتجاوزتها لصالح درجات من الانفتاح والتأقلم مع العصر الحديث. هذا التغير الذي نرى بعض منه في اوساط سلفية تجاوزت الحدة تجاه الاخرين واستعدت للحوار والاستماع يمثل فرصة لتعميق الحوار واحداث تغير في التوجهات السلفية التي تتميز بدرجة عالية من التطهرية والصدق بنفس الوقت.
ان السلفية في شكلها السياسي الراهن تعبير عن امة في خطر، انها بطريقة او بأخرى دين جديد يدخل عوالم المسلمين ويهز دولهم وانظمتهم واقتصادهم واوضاعهم. لن تصل السلفية بصورتها الراهنة لشيء حقيقي لصالح المسلمين. فهي قادرة على نفي نفسها بنفسها لانها تقوم اساسا على الخوف من الاخر والاختلاف والمرأة والانفتاح والاختلاط والعالم الحديث كما انها تقوم اساسا على مبدأ الترهيب وليس الترغيب والقمع وليس الاقناع.
يبقى السؤال ماذا نفعل مع فكر هو في الاساس فكر الاقلية في الاسلام؟ ماذا نفعل مع فكر تحول الى التفسير السائد بين المسلمين عن المرأة، وعن الميراث وعن الحرية والموت والحياة؟ فهل نلوم السلفيين على نجاحهم ام نلوم المجتمعات العربية والقادة العرب والمثقفين العرب على تخليهم عن دورهم؟
استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
تعليقان
السلفية: الى اين؟
عرض الموضوع وتحليله لا غبار عليهما وشجاعة الدكتور الغبرا جديرة بالتنويه. لقد وضع النقاط على الحروف واوضح ان السلفية المعاصرة هي الداء الذي ينخر في مجتمعاتنا وهي التي تمنع البلاد العربية والمسلمة من مواكبة ركب الحضارة ومن اعادة المسلمين الى المكانة السامية التي تسنموها في العلوم في القرون الوسطى. وليسمح لي الدكتور الغبرا ان اضيف ان الملك فيصل بن عبد العزيز ملك العربية السعودية في الستينات والسبعينات من القرن الماضي اسهم كثيرا في نشر الوهابية تحت اسم السلفية . وقد قام بنشاطه هذا منذ كان وليا للعهد ثم نائبا للملك (او بالاحرى ملكا دون لقب ملك) ومن ثم حين اصبح الملك رسميا. لقد كان ، رحمه الله، من اذكى السياسيين فاستغل ذكاءه لمصلحة بلاده في مجالات شتى كما قام بنشاطات ملموسة لنشر المذهب الوهابي في افريقيا وآسيا وفي الغرب ايضا، ونظرا لان فئات من المسلمين كانت تناصب الوهابية العداء لاسباب تاريخية ومذهبية، قام الملك فيصل ومن بعده اخويه المرحومين الملك خالد والملك فهد بنشر الوهابية تحت اسم السلفية ونجحوا في ذلك نجاحا باهرا. وللاسف الشديد نجد ان بعض السلفيين الوهابيين لم يعودوا يكتفون بالمبادئ التي تربوا عليها فقاموا على شيوخهم وائمتهم وبدأوا يتسمون بمسميات مختلفةويحاربون العربية السعودية وما تمثله. وقانا الله شر التطرف بكل اشكاله وانواعه وهدانا الى ما فيه خير المسلمين حقا.
السلفية: الى اين؟
الغدير والغدر:جلس الرسول صلى الله عليه وسلم بين سبعين من الصحابة المقربين، بما هو أكثر من أصحاب الشجرة والبيعة الكبرى في غدير خم فقال: انظروا جيدا لقد استخلفت عليا من بعدي، مثل الانتخابات الأمريكية بعدي لأربع سنين، واحذروا من الانقلابيين والمروانيين؟ وبعد دورتين انتخابيتين، يرشح ابن الرئيس وينتخب مرة أخرى، ولكن هذه المرة إلى الأبد إلى الأبد… ولكن الملاعين من الانقلابيين خطفوا الصولجان ونصبوا رجلا من جماعتهم.. وهكذا ضاعت الخلافة الراشدة فوجب إحياءها مرة أخرى تحت ولاية الفقيه؟ هذا هو باختصار الجدل الشيعي التاريخي حول قصة حديث الغدير المزعوم؟ وهذا هو باختصار بناء العقيدة الشيعية على حدث تاريخي. وهذا هو باختصار مصيبة الانشقاق الإسلامي الأعظم إلى ثلاث فرق، المروانية والشيعية والخوارج، يلعن بعضها بعضا، كل فرقة تدعي وصلا بالأصولية النقية؟ ـ فأما الشيعة فقد (جَّيروا) الإسلام لحساب عائلة؟ ـ وأما المروانيون فقد (جيروا) الإسلام لحساب قبيلة تحت حديث الأئمة من قريش؟ ـ وأما الخوارج فكانوا أكثر ديموقراطية، حين قالوا أن الحاكم لا يشترط له سوى أن يكون مطابقا لهذا المنصب الحساس، حتى لو كان رأسه زبيبة، وعبدا أسودا يلمع من شدة السواد.. ومن سخرية التاريخ أن يكون أبسطهم وأشدهم عنفا وذبحا للمسلمين هم الخوارج، في الوقت الذي يدرس الشيعة الفلسفة. وهكذا انتهت رحلة الإسلام في التاريخ قبل أن تبدأ، حتى يعاد إحياؤها من جديد، صدقا وعدلا، وصدق النبي العدنان؛ لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، كما ضرب الكل رقاب الكل؛ من مرابطين وموحدين، وأيوبيين وفاطميين، وعثمانيين ومماليك، ومن شايعهم أجمعين، وكما يضرب العراقيون اليوم رقاب بعضهم تحت كلمة مجللة بالعار: شيعي وسني وخلفي وسلفي ووهابي وصوفي.. وكلها أسماء سموها ما أنزل الله بها من سلطان.. ما دفعني إلى كتابة هذه الكلمات هي الدعوة التي تلقيتها من مركز الإمام علي لحضور (السيرموني) في مركزهم في أقصى الأرض، وأنا في أدنى الأرض، بعد أن محى الانترنت المسافات، فأصبح الناس بنعمته إخوانا.. وهذه المسألة تحركت عندي على نحو حاد مع الثورة الإيرانية عام 1979م حين ارتج الغرب وخاف، فلما دخل الخميني الحرب مع صدام، وضع الغرب رجله في ماء دافئة، تناسب صقيع أوربا وكندا وبلاد الأسكيمو.. ويومها دعيت لحضور المناسبة الثانية للثورة الإيرانية، وكنت في ألمانيا، وكان الداعي أخ جزائري أعرف فيه العقل والتنوير، هو من أفضل تلامذة المفكر الجزائري مالك بن نبي فلبيت الدعوة.. واكتشفت أن الأخ قد فقد عقله تماما؛ فكان يقفز معهم كالقردة في طهران وعبدان، مثل مظاهرات الرفاق الحزبية، فهنا كان الهتاف يقص الحنجرة عجَّل الله فرجه، وهناك بالدم بالروح نفديك يا أبو الجماجم.. مع دخولنا مطار مهاباد، وفي حي الأمين في دمشق، حملت أطنانا من كتب الشيعة للبهبهاني والطبطبائي والمراجعي والتسخيري والعاملي والجاعلي..الخ وكلها كتب تعود لألفية كاملة إلى الخلف، في استرجاع الشخير الشيعي السني.. وقلت في نفسي يومها خالص راجع نفسك، ففيك بقية من عقل، فإن كان مذهبهم حقا، وطريقتهم صدقا، فيجب أن تعلن ولائك للفقيه، وتلتحق بالمرجعيات، وتضرب نفسك بالسلسال في يوم محرم وعاشوراء؟ وفعلا وضعت السؤال المحرج أمام عيني، وقرأت واستغرقت، لفهم هذه المعضلة التاريخية، وكان ذلك مع انفجار الثورة الإيرانية، وبدء الحلم العظيم في استيقاظ المارد الإسلامي.. بل لقد كتبت كتابا في الثورة الإيرانية، وألقيت محاضرة بحماس في مركز ميونيخ، عن أسباب وفلسفة الثورة الإيرانية، وكان الغرب يرعش خوفا، وينتفض كمدا، بعد أن تحركت الجماهير بأذرع عارية، كما وصفها روجيه غارودي، في أعظم ثورة لا عنفية منذ أن بعث النبي، وسبقت إيران أوربا الشرقية في التخلص من الطغاة، ولكنها تحالفت مع الطغاة مثل الأسد وشاوسسكو، في انقلاب من الثورة إلى الدولة، كما هي حال كل الثورات، التي حذرنا منها أرسطو قبل ثلاثة آلاف سنة؟ وهي الآن في طريقها لبناء صنم نووي، على طريقة بني صهيون؛ فيقولوا كما قيل لموسى بعد الخلاص من فرعون وعبور البحر اجعل لنا إلها كما لهم آلهة؟!! هذه المرة في غياب كامل لموسى، أن يقول إنكم قوم تجهلون، إن هؤلاء متبَّر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون؟ ثم ذهبنا إلى إيران، وقابلت أنا شخصيا الخميني، وكان شخصية لا توصف إلا أنها مميزة وكارزمائية ووجه صادق صارم لا يخيب. ثم اجتمعت بجماعة كيهان (نشرة الثورة)، ثم قابلت يزدي وزنكنا والخلخالي في مجلس نوابهم وآخرين.. وفي سؤال ليزدي عن معنى استمرار الإعدامات بدون توقف؟ غضب الرجل، واعتبرني من مناهضي الثورة؟ أما زنكنا الذين قلنا له أن حماة تدمر بيد حافظ الأسد، فهل تتدخلوا عند صديقكم وحليفكم الاستراتيجي، لإيقاف سفك دم ثلاثين ألفا من المدنيين، يلحقهم خمسة آلاف مقرنين؛ بيد سرايا الدفاع ووحدات الصراع ينهبون سوق الذهب، ويقتلون خمسين امرأة مسكينة هاربة من الجحيم في قبو مظلم، بما تورع عنه النازيون؟ في حمامات دم لم يفعلها بنو صهيون؟ غضب الزنكنا وقال: إنهم أخوان مجرمين يستحقون الذبح من الوريد للوريد.
النظرية النبوية العائلية في الحكم تقول الأسطورة أن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع سبعين من أصحابه في غدير خم فقال لهم أن الحكم يجب أن يكون في علي ونسله إلى يوم القيامة، وهو حديث يقول عنه ابن خلدون أمور يقولونها ولا يسلم لهم بها. ولكن الإيديولوجيات بنيت دوما على الأساطير، مثل رومولوس في قيام روما، والأساطير النوردية، أو النرتية عند الشراكس.. وأوزيس وأوزرويس حول ألوهية الفراعنة.. وفي عام 1979م كنت في إيران بمناسبة الذكرى الثانية للثورة فرأيت العجب.. كنا نطوف بين طهران وقم بين الملالي والتكايا، في رحلة عودة للعقل لألف سنة أيام المستنصر بأمر الله والعلقمي، ونشم رائحة غير نظيفة، واكتشفنا أننا أمام ثورة غير إنسانية، وكانت رحلة الوداع مع أطنان كتبهم إلى غير رجعة، بعد هذه الصدمة الكبرى.. كنا أول الأمر مستبشرين جدا، ولكن رابنا كثرة السجون واكتظاظها، إلى درجة أن غربيا صرخ ونحن لم نصرخ، لأنهم قوم تأصلت فيهم روح العدالة، ونحن مازلنا نعيش ضباب القرون؟ قال دعوهم يتكلمون ؟ كان ذلك في زيارة سجن إيفين، وكان مكتظا على نحو مخيف، مع كل مظاهر التخفيف والتزيين (الميك أب)، وأما معسكرات أسرى الحرب من العراقيين، فكانت الأسرة إلى السقف فيتسلقون للنوم كالقردة، وربما نام في الغرفة الواحدة مائتي شخص، بما تخجل منه زربية ماعز وخرفان.. والقصة ليست هنا بل الجدل العقائدي؟ قلت في نفسي نعم كان الأفضل بعد عمر أو ربما قبل أبي بكر وعمر لو تسلم علي كرم الله وجهه الخلافة لتغير مجرى التاريخ؟ كما هو مجراه في أدمغة الشيعة؟ خاصة أن عليا كان صغيرا في العمر، وهو من تشرب النبوة منذ نعومة أظفاره؟ وإلى هنا لا بأس، ولكن كل المشكلة بعد ذلك؟ فإن مات علي فمن سيكون بعد علي؟ هنا الطامة الكبرى وداهية الدواهي قاصمة الظهر؟ قلت لاشك أن الجميع سيتفق كما هي في النظرية الشيعية، أن من سيأتي بعد الحسين حسونة؟ ومن بعده ستوزع الهدايا على الرؤوس، بين طواقي بيضاء وسوداء، فمن لبس الأسود كان دمه نقيا نبويا، تجري في عروقه كريات حمر مختومة نبي نبي.. معصوم معصوم..، ومن كانت عمامته بيضاء كان دمه هجينا، في انقلاب كامل من الفكر والثقافة إلى الدم والعرق، مذكرا بالنظرية النازية الآرية من صفاء الدم وأرومة العرق وتسطح الجمجمة حسب روزنبرج؟ وهم ليسوا الوحيدين في العالم من المؤسسات الدينية، ونظرة لألوان القلنسوات والعمائم وأحجامها، من بطريرك الأرثوذكس في روسيا الذي رش بماء الكنيسة، سبعة ملايين قربان بشري في الحرب العالمية الأولى، فأفسح الطريق للإلحاد الشيوعي بالقدوم، على المراكب سباحة في أوقيانوس من الدم البشري. وانتهاء بمفتي الجمهورية، وشيخ الديار الإسلامية مفتي العثمانيين، الذي كان يوصي بخنق أولاد الخليفة مثل الدجاج مع اعتلائه العرش، بآية قرآنية أن الفتنة أشد من القتل؛ فيقتلون بالجملة، كما خنق السلطان مراد 14 أخا دفعة واحدة في ضربة سلطانية واحدة، مالها من فواق.. وبذا هربنا من المطر لندخل تحت المزراب، ونؤسس بيتا جديدا للحكم (ديناستي Dynasty)، مثل بيت تشين والمغول في الصين، بفارق أن الاسم لن يكون عبد الملك بن مروان، بل حسن بن علي بن الحسن بن علي.. إلى آخر السلسلة المعصومة؟ باعتبار أن آل البيت معصومين، وفي آية صريحة بزعمهم (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) وهنا يخرج من البيت كل نساء النبي الآخريات، وكل المجاهدين معه، وكل الصحابة الذين رباهم على عينه عشرات السنوات، بمن فيهم سلمان منا آل البيت، وهو حديث يردوه فلهم أحاديثهم التي لا ترد؟ لتتحدد الطهارة على نحو (دموي) فكل من يدخل دمه كريات حمر دم النبي تحول إلى مقدس ومعصوم، مثل بابوات الفاتيكان، حتى كتب فيهم يونج السويسري أنهم يحملون البلايا التسع؟ وهكذا تؤسس الأسر الحاكمة في التاريخ تحت ذريعة المقدس والإلهي، وأن الشمس بزغت والقمر استدار وملوك الأرض حملوا الهدايا لطفل يثغو؟ والبيعة لآل الرضا من آل البيت. وكان في تأسيس البيت العباسي، وآخر من شكله أزواج شاهد مفجع، على أن أعظم الدماء تقوم تحت أعظم الأسماء، لقد نبش العباسيون قبور بني أمية وصلبوهم، وذبحوهم لآخر طفل، ودفعوهم للهرب إلى الباسك ليشقوا الدولة الإسلامية إلى رأسين، ووضعوا بقايا الأموات تحت السجاد، وهم يحشرجون، وبن علي يشرب الخمر ويفترس الدجاج مع أصوات المحتضرين. وإذا كان بيت مروان أنتج عمر بن عبد العزيز لسنتين وثلاث أشهر ليسمموه، فإن بني العباس وأولاد فاطمة في المغرب ومصر لم ينتجوا إلا طغاة، أو في أحسن الأحوال أناس يدّعون الألوهية، كما في الحاكم بأمر الله، الذي قام بتصفية عرقية للكلاب في ليلة غضب عارمة حين نغصوا نومه، فذبح ثلاثين ألفا من الكلاب مسومين، بحجارة من سجيل منضود، الذي هرب أتباعه من مصر إلى جبال سوريا، فأنشئوا ديانة مغلقة لأنفسهم، كما فعل أتباع يزيد بن معاوية بطل معركة الحرة في استباحة مدينة النبي، فهربوا إلى شعف الجبال، يعبدون الشيطان الرجيم، ويسمونه طاووسا بذيل وثيل.. هنا وقفت وتأملت وقلت: أليس عجيبا أن مثل هذا الدماغ الجبار (باقر الصدر) أن يتورط،وهو كاتب فلسفتنا واقتصادنا ومشروع بنك لا ربوي فيعتقد أن رجلا دخل سردابا، هو على قيد الحياة، بما هو ضد قوانين البيولوجيا، ليبعث بعد عشرة آلاف سنة؛ فيملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا؟؟؟. هنا أعرف أن الموضوع سيكولوجي ولا علاقة له بالوعي مطلقا.. ولذا كان على المفكرين أن يفهموا القضية في هذا البعد، فيسمحوا لكل الخرافات أن تنمو مثل العفن، حتى يأتي دور البنسلين..