توضح آخر الأخبار الواردة من المملكة العربية السعودية، كما جاء على لسان ولي العهد، أن الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي يبلغ من العمر 90 عاماً “يتعافى من مرضه”. وقد يكون ذلك صحيحاً، إذ إن الملك دخل مستشفى في الرياض في 31 كانون الأول/ ديسمبر، ويستغرق العلاج بالمضادات الحيوية أسبوعاً – وهي الطريقة القياسية لعلاج الالتهاب الرئوي، الذي أُعلن أنه أصيب به – ليكون فعالاً.
ولكن هذا الوقت هو أبعد من أن يكون مكرساً للاسترخاء. فالمملكة عضو رئيسي في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، الذي يختبر مقاتلوه قدرة التحالف الدفاعية، كما تَبين من خلال الهجوم الذي وقع في 5 كانون الثاني/ يناير على طول الحدود السعودية-العراقية، وأودى بحياة ثلاثة من حرس الحدود السعوديين. كما وينبغي على المملكة العربية السعودية أن تكون لاعباً رئيسياً في سوق النفط المنهارة، ولكنها عاجزة حالياً وغير قادرة على وقف تراجع سعر النفط الآخذ في الهبوط، ولكنها تواسي نفسها بأن منتجي الصخر النفطي من الولايات المتحدة، فضلاً عن روسيا وإيران، ربما يجدون العملية حتى أكثر إيلاماً.
وحتى لو لم يكن الملك عبد الله يعاني أي نكسات صحية، فإنه من المحتمل أن يبقى غائباً عن الساحة السياسية لبضعة أسابيع لانشغاله بالتعامل مع آثار الالتهاب الرئوي وتداعياته، وهذا هو التحدي الكبير. وقد تولى الملك حتى الوقت الراهن المرتبة الأعلى في صناعة القرار في البلاد، وكان له دور شخصي في حل النزاع الدبلوماسي مع قطر المجاورة، وعقد لقاء قمة مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، واستبدال ستة وزراء في تعديل وزاري خلال الشهر الماضي.
فهل سيسمح الملك عبد الله لولي العهد الأمير سلمان (البالغ من العمر 78 عاماً) بتولي هذا الدور في غيابه؟ من المرجح أنه لن يفعل ذلك. إذ تُطرح تساؤلات حول ما إذا كان الأمير سلمان قادراً على تولي هذا الدور، وذلك بغض النظر عن جدول أعماله الحافل بالاجتماعات والمناسبات العامة. ووفقاً لما كتبه المحلل السابق في “وكالة المخابرات المركزية” الأمريكية بروس ريدل قبل حوالي عامين، “تم الإبلاغ عن أن ولي العهد في حالة صحية متدهورة… وهو في أغلب الأحيان غير قادر على القيام بمهامه”. وفي الإطار نفسه أشار تحليل لشبكة “بي بي سي” إلى تقارير غير مؤكدة تفيد بأن الأمير سلمان “يعاني من مشاكل صحية”.
والسؤال الرئيسي الذي يُطرح هنا هو إلى أي مدى سيكون للملك عبدالله دور في النقاشات السياسية التي تدور في القصر بخصوص خليفته، والتي تزداد سرعة. إن الرأي السائد للمعلقين الذين كتبوا عن المملكة يقول أنه ينبغي أن تكون الخلافة على العرش السعودي، هذه المرة، “على نحو سلس”. فالتحفظات في هذا السياق هي حول المستقبل إذ تتمحور المخاوف حول المرة ما بعد الآتية لاختيار الملك في المملكة الصحراوية، وليس حول كيفية اختيار خليفة الملك عبد الله.
لقد حان الوقت لأن تتم مراجعة الحِكمة التقليدية بشكل أكبر. ففي الواقع، من غير المرجح أن تكون عملية انتقال الحُكم المقبلة في المملكة العربية السعودية سلسة، على الرغم من أن هذه هي الصورة التي يريد آل سعود ظهورها.
ويمكن القول إن القيادة في المملكة تقف في الواقع على مفترق طرق، إذ يتنافس جناحين داخل العائلة المالكة على الهيمنة. ويمكن للنتائج أن تؤدي إلى ظهور مجموعة كاملة من الوجوه الجديدة في مواقع السلطة في الرياض، الأمر الذي قد يطرح مشكلة بالنسبة إلى واشنطن، حيث يمكن استبدال ذوي الخبرة بآخرين من أصحاب الطموح المجرد. وفي ظل هذه الظروف، يمكن لإرث الملك عبد الله المرجَّح الذي يقوم على اتباع نهج غريب نوعاً ما حيال التقدم – بشكلٍ يسمح ببعض التهميش لرجال الدين الذين يميلون إلى إعاقة التقدم أكثر من غيرهم ولكن مع إبقاء الوضع قيد السيطرة بصورة دائمية – أن يمسي ذكرى من الماضي.
ولكي نفهم لماذا ستكون المعركة القادمة على الخلافة شائكة جداً، فمن المهم أن نفهم نظام الخلافة القائم في المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها. فجميع الشخصيات الرئيسية – الملك عبد الله نفسه، فضلاً عن ولي العهد الأمير سلمان وولي ولي العهد الأمير مقرن – هم أبناء مؤسس المملكة الملك عبد العزيز، المعروف أيضاً باسم بن سعود. وعندما توفي هذا الأخير في عام 1953، خلّف نظاماً ينتقل فيه العرش من ابنه الأكبر إلى من هو أصغر منه، وليس من الأب إلى الإبن. وقد توفي منذ ذلك الحين معظم أبناء الملك عبد العزيز الذين يبلغ عددهم الأصلي 35 والذين كانوا لا يزالون على قيد الحياة في عام 1953. أما بالنسبة إلى الأبناء المتبقين، باستثناء الملك عبد الله نفسه والأمير سلمان والأمير مقرن، فقد تم تغاضيهم جميعاً فيما يتعلق بتولي العرش. والأمير مقرن البالغ من العمر 71 عاماً والذي هو ابن جارية يمنية، هو أصغر أبناء الملك عبد العزيز على قيد الحياة.
ويتركز الصراع في جوهره بين السديريين – أكبر مجموعة من الأخوة الأشقاء من أبناء بن سعود – والبقية. والسديريون كانوا في الأصل سبعة، جميعهم ولدوا من نفس الأم التي تنحدر من عشائر سدير، وبالتالي لقبوا بـ “السديريين السبعة”. وقد ضمت هذه المجموعة بعض الأبناء الأكثر طموحاً للملك عبد العزيز، وهيمنوا على بيت آل سعود منذ ستينيات القرن الماضي. يُذكر أن الملك فهد (توفي عام 2005)، وولي العهد الأمير سلطان (توفي عام 2011)، وولي العهد الأمير نايف (توفي عام 2012) كانوا من السديريين، وهم الأخوة الكبار لولي العهد الأمير سلمان. أما الإخوة المتبقين فهم نائب وزير الدفاع السابق الأمير عبد الرحمن، والأمير تركي الذي يُعتبر بمثابة البطة السوداء في العائلة المالكة، ونائب وزير الداخلية السابق الأمير أحمد.
يُشار إلى أن بروز الملك عبد الله، الأصغر سناً من الملك فهد والذي أتى خلفاً له لكنه أكبر سناً من الأمير سلطان، كان ناجحاً على الرغم من الجهود الجبارة التي بذلها السديريون لإبعاده. ولكن منذ أن أصبح ملكاً في عام 2005، كان على الملك عبد الله أن يقبل بثلاثة سديريين أولياء للعهد، وهم على التوالي: الأمير سلطان ثم الأمير نايف، والآن الأمير سلمان. ومع عدم وجود إخوة أشقاء له على قيد الحياة، أقام تحالفات مع أمراء آخرين من غير السديريين لتعزيز سلطته. ومن الأمور الأكثر أهمية، أنه كان أيضاً قائد “الحرس الوطني السعودي” – أكبر قوة مقاتلة في المملكة.
ومن منظور غربي، يكمن الطريق في المرحلة القادمة في تنازل الملك عبد الله عن العرش، وإبعاد الأمير سلمان (هناك آلية لإعلان عدم أهلية الملك أو ولي العهد طبياً)، لكي يصبح الأمير مقرن ملكاً. أما من وجهة النظر السعودية، فإن هذا لن يجدي نفعاً، إذ يبرز داخل العائلة المالكة احترام عظيم للأصول والتاريخ ونقل مُنظم للسلطة. وعلى الرغم من أن الأمير سلمان قد لا يكون أهلاً لهذا المنصب، إلا أنه من الصعب جداً، على الصعيد السياسي، لأفراد العائلة المالكة السعودية إبعاده جانباً: إذ يكره الأمراء أي مخرج يفضي إلى الشقاق، والذي سيكون مكشوفاً أمام العالم. فقد كان بيت آل سعود محرَجاً جداً في الستينيات عندما توجب إبعاد الملك سعود جانباً، وهو خليفة إبن سعود، لثبات عدم كفاءته، إذ من الأسهل إخفاء مجرد الضعف.
لذلك، نظراً إلى عجز الملك عبد الله، وطموح الأمير سلمان المستمر (أو ما يمكن أن يكون بدلاً من ذلك رغبة أبنائه في السلطة)، وتردد الأمير مقرن، على ما يبدو، في تعزيز صورته لإبراز قيادته الممكنة للمملكة، فمن السهل أن نفهم أن الكثير من السعوديين يبدو أنهم يرون أن اعتلاء الأمير سلمان سدة الحكم أمر لا مفر منه. ويشير هذا المنطق إلى أن الأمير سلمان سيعين الأمير مقرن ولياً للعهد، وذلك مرة أخرى لكي لا يتسبب بإثارة ضجة بصورة مفرطة.
ولكن هذا ليس بالضرورة ما سيؤول إليه اعتلاء الأمير سلمان العرش. فبصفته ملكاً، سيتمتع بحق تعيين ولي عهد خاص به. صحيح أن الملك عبد الله أنشأ منصب “ولي ولي العهد” وأوكله إلى الأمير مقرن، ولكن ذلك لا يضمن ترقية الأمير مقرن، إذ أن محاولة الملك عبد الله تأمين يمين الولاء – بشكل مسبق إلى الأمير مقرن – لم يحصل على إجماع كبار الأمراء الآخرين. وقد يعكس الأمير سلمان خطط الملك عبد الله بمجرد أن يصبح ملكاً، وربما يعين أخيه الشقيق الأمير أحمد، الذي تم تجاوزه في السابق، ولياً للعهد. مع ذلك، فإن هذا التركيز للسلطة قد يكون أكثر مما يمكن أن يتحمله الأمراء غير السديريين.
وبالتالي، لا يزال الباب مفتوحاً للتساؤل حول مستقبل العرش بعد الأمير مقرن: فبعد وفاة كافة أبناء بن سعود أو يصبحوا غير قادرين على تولي الحكم، فأي حفيد من أحفاد إبن سعود سيرث لقب خادم الحرمين الشريفين؟ ونظراً إلى الدور المركزي للمملكة العربية السعودية في مواجهة التحديات الراهنة في الشرق الأوسط، هل يكفي أن تجري الخلافة على نحو سلس – أم إنه ينبغي على واشنطن وعواصم غربية أخرى أن تشجع بيت آل سعود على السماح للأمير الذي يتمتع بالخبرة الأهم وصفات القيادة الأبرز الوصول إلى العرش؟
وفي هذا السياق، تبرز حجة واحدة على الأقل ينبغي أن تتفوق على التحفظ المؤسساتي في قصور الرياض: إن اتخاذ قرار مضطرب في الوقت الحالي بشأن الزعيم القادم يمكن أن يهدد مستقبل العائلة المالكة نفسها، نظراً إلى التهديدات الإقليمية التي يواجهها الشرق الأوسط.
سايمون هندرسون هو زميل بيكر ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.