للديمقراطية في كافة المجتمعات خطوط عريضة يؤدي الالتفاف عليها الى تدمير الديمقراطية وتراجعها مرحليا. ان الانتخابات النيابية هي بالتحديد جانب من الديمقراطية ولا تمثل جانبها الاهم والاساسي. فالانتخابات طريقة لجلب ممثلين الى مواقع السلطة اكانت تشريعية او تنفيذية، والانتخابات طريقة لاقتسام السلطة وتوسيع قاعدة المراقبة. لكن هذا ليس الا جزء من الديمقراطية. ففي التاريخ الحديث جاء هتلر عبر الانتخابات وهو لم يكن ديمقراطيا، وكذلك موسيليني جاء من خلال الانتخابات الشعبية وهو الاخر لم يكن ديمقراطيا بل مؤمنا اشد الايمان بسلطة الاغلبية التي لا تحترم الاقلية. هناك الكثير من الغير ديمقراطيين ومن اعداء الديمقراطية الذين استخدموا الانتخابات والتصويت وصناديق الاقتراع للوصول الى السلطة ولفرض ما يعتبرونه سلطة الاغلبية بلا ادنى تقدير للفرد وحقوقه. هذا النمط من القادة بعد وصولهم الى السلطة يصادررون حقوق الناس انطلاقا من فهم ضيق للديمقراطية. لهذا فالديمقراطية ليست مجرد انتخابات وهي ليست حكم الاغلبية فهذا جانب منها وهو احد مكوناتها. ان للديمقراطية بعد ثالث يسبق الانتخابات ويسبق حكم الاغلبية وهو البعد الذي لا يعيه ممارسي الديمقراطية في الكويت وفي الكثير من الاقطار العربية: الحقوق الفردية.
ان الديمقراطية لا تستوي ان لم تدعم بحقوق واضحة للمواطن الفرد. اذ لا تنجح الديقمراطية ان لم يكن واضحا انه لكل فرد الحق الطبيعي بأن يتمتع بحق الاختيار والتعبير والحياة الكريمة بلا تعسف والمساواة امام القانون. وهذا يعيدنا لمواضيع كثيرة وقع فيها تعسف تجاه حقوق الفرد التي هي الركن الاساسي في الديمقراطية. ان الديمقراطية قبل ان تكون لفئه او لطائفة او لقبيلة فهي لفرد لديه حقوق ولدت معه ومع جذوره الانسانيه. هذه الحقوق الانسانيه جاءت قبل الدولة وقبل الحكومة والبرلمان. الحقوق الطبيعية للفرد الكويتي ولدت من رحم التاريخ الكويتي وذلك قبل ان يتحول صباح الاول الى حاكم. اي ان الحقوق سابقة اصلا للدولة وللشرعية السياسية.
هذا يعني ان الحريات والحقوق الفرديه في الاختيار وفي التعبير وفي السعي للنجاح والسعادة والعمل والحياة الكريمه للمرأة والرجل هي حقوق طبيعية تواجدت قبل الحكومة وقبل المجلس وقبل الدستور وانه لا يحق لحكومه او مجلس او دولة او سلطة او برلمان ان تمنع عن انسان حقوقه الاساسيه. هذه الحقوق هي اصل الديمقراطية واساسها وبدونها لن تتطور.
لنأخذ على سبيل المثال انشاء لجنة الظواهر السلبية في مجلس الامة الاخير والذي ينم عن نظرة غير علمية تجاه مشكلات المجتمع، او منع تجنيس اي منتمي للدين مسيحي في الكويت وهو قرار اخذ في السابق وينم عن نظرة دونية تجاه الديانات الاخرى والحقوق، او منع الاختلاط في جامعة الكويت الذي ينم عن عقلية قمع تجاه الطلبة، او منع المرأة من العمل بعد ساعات محددة في المساء والذي ينم عن تسلط ونظرة دونية تجاه المرأة وحقوقها، او بعض مشكلات التعبير التي ادت للاعتقال مؤخرا والتي تنم عن حساسية مفرطه تجاه الرأي المختلف، او منع الفرعيات بالقوة الذي ينم هو الاخر ان تدخل في خيارات سابقة للانتخاب، او منع الطلبة والطالبات من الانشطة المشتركة في الجامعة بحجة قانون الاختلاط، او منع الاحتفالات والحفلات في الفنادق الخاصة المملوكة للقطاع الخاص، او محاولة فرض زي على طلبة وطالبات الجامعات . ان كل هذه السلوكيات والمواقف والقوانين والقرارات تنم عن نظرة دونية تجاه الفرد وخياراته وحقوقه وحرياته الاساسية، وهو ينم عن نظرة غير ديمقراطية هي الاساس الذي يسبب حتى الان تعثر التجربة الديمقراطية الكويتية. هذه حريات جاءت قبل الدستور والحكومة والمجلس فكيف يتم منعها؟
كما ان سعي عدد من البرلمانيين في ظل موافقة الحكومة (مثلا قانون الاختلاط، قوانين عديدة اخرى) الى تطبيق الشريعة الاسلامية هو الاخر يعكس نظرة دونية للفرد وفرض على الاخرين. والسبب في هذا ان الشريعة الاسلامية يجب ان تبقى في احترامها وموقعها في المجتمع لينهل منها الافراد كما يريدون ووفق ما يرون. فهناك من يمارس جانب دون اخر. فالشريعة موجودة في المجتمع، وهي حق من حقوق الافراد الطبيعية. لكن لكل فرد الحرية في تطبيق ما يراه مناسبا وفقما يريد وتحمل مسؤولية ما يقوم به تجاه خالقه وتجاه دينه.
لكن تحويل الشريعة الاسلامية الى نظام سياسي يقمع ويمنع ويستخدم السلطة تجاه المرأة والشباب والطلاب والطالبات وتجاه المجتمع هو الاخطر والذين ينم عن نظرة قمعية وتسلطية لا ديمقراطية. ان الشريعة يجب ان لا تتحول لمطاوعة ولبوليس ولقوانين تقمع الحريات. هذا ما يحاول البعض فرضه في الكويت، وهذا بالتحديد هو الامر الذي فشل في كل بلد عربي سار على هذا الطريق. ان الشريعة امر يختاره الفرد بمحض اختياره ويطبقه في حياته وفق ظروفه وفهمه ودرجة التزامه الديني. بمعنى اخر يجب اخراج الدولة والبرلمان والمؤسسات من محاولة تطبيق الشريعة. فهذه المحاولة تؤدي للتفكيك والطائفية وانسحاب الكفاءات وتدمير الفرد. لا يوجد مجتمع انساني في القرن الواحد والعشرين قادر على التعايش مع القمع والاهانة بصورة دائمة. ما يقع في الدول التي تطبق هذا النمط من الاسلام خير دليل على ما نقول.
ان استمرار انتهاك الحقوق الاساسية الطبيعية سيبقي ديمقراطية الكويت مأزومه بين تيار حكومي تقليدي يريد ان يمسك بزمام الامور كما كان الامر قبل عشرة وعشرين وثلاثين عاما، وبين تيار شعبي يريد ان يسيطر بأي ثمن ليتحول الى السلطة الجديدة. في الوسط يضيع الفرد ويضيع المواطن وتسقط الحقوق الطبيعية والفردية. لقد اصبح الصراع بين التيارين صراع نفوذ وصراع قوة وصراع حكم وسلطة وكرسي ولم يعد صراع حقوق. في كل ما يقع غابت الحقوق وغابت الحريات الفردية التي هي اصل الديمقراطية.
ان الحرية الفردية صفة اساسية من صفات المجتمع الديمقراطي، فهو مجتمع يحترم الفرد فيه قبل ان يحترم الجماعه، ويحترم الرأي الخاص قبل ان يحترم الرأي الجماعي ويحترم رأي الشاب والشابة قبل ان يحترم رأي الكبار، ويحترم الاقلية قبل الاغلبية. ان سر تفوق النظام الديمقراطي في العالم هو في تعظيمه لدور الفرد، لدور الابداع، لدور التجديد بين الناس. ان نجاح الديمقراطية يتطلب فردا حرا لديه حقوق و حصانة من التعسف.
* استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
الديمقراطية والحقوق: الاساس الغائب في الكويتالحمد الله ..! مشكور أخي على هذه المقال واريد أن اشاركك في مقالك وبيان الديمقراطية والحقوق من أقوال الإمام علي ع والديمقراطية والإمام السجاد ع والحقوق : أولا الديمقراطية : إنّ النزعة الديمقراطية في نهج البلاغة أوضح من أن تحتاج إلى بيان.. فها هو الإمام علي (عليه السلام) يأمر الوالي بأن يجلس لذوي الحاجات دون جند أو حرس لكيلا يتعتوا في توضيح مسائلهم. فهو (عليه السلام) في قضائه بين الناس قد فضل العامة على الخاصة وإن سخط الخاصة. يقول الإمام علي (عليه السلام): (إن سخط العامة يجحف برضى الخاصة، وإن سخط الخاصة يفتقر إلى رضى… قراءة المزيد ..