عَزْمُ البيت الأبيض إبرام معاهدات دفاع رسمية مع السعودية وإسرائيل كجزء من مساعيه الرامية للتوصل لاتفاق تطبيع تاريخي بين البلدين، يبدو بالنسبة للرياض ليس أهم من قيام تل أبيب بتقديم “تنازلات” بشأن القضية الفلسطينية.
كان القوميون العروبيون والإسلاميون يرددون باستمرار، وبدفع من جمهورهم العروبي والإسلامي، أن أي تطبيع عربي مع إسرائيل لن يكون إلا “خيانة” للقضية الفلسطينية لأنه سيكرس الوجود الإسرائيلي دون أن يساهم في استرجاع الحقوق الفلسطينية وتحقيق مطالب الفلسطينيين. ورغم ذلك الاتفاق على “التخوين”، إلا أنهم لم يستطيعوا أن يحدّدوا نوعية هذه المطالب وحدودها، وأن يتفقوا على طبيعتها، إلى أن انتقل مرض “التخوين” داخل البيت العروبي والإسلامي وبين أروقة المخوّنين.
في المقابل، نشهد اليوم فشل ثقافة “التخوين” هذه، التي كانت تستمد قوتها وحضورها مما يسمى “بالمبادئ”، في استرجاع الحقوق الفلسطينية. وكذلك فشل حضور أيديولوجيا العنف بوصفها آلية القضية الرئيسية وبروباغندتها الأساسية في تحقيق ما يصبوا إليه الفلسطينيون. فالرياض تستخدم التطبيع اليوم كسلاح فعّال، سعيا منها للحصول على “تنازلات” من إسرائيل للجانب الفلسطيني، وهو ما يجب أن يستغله الفلسطينيون بشكل واقعي وملموس في ظل ظروف سياسية مشجّعة أوجدتها المصالحة السعودية الإيرانية في المنطقة، وأن يضعوا جانبا انفعالاتهم غير المجدية طويلة الأمد ورضوخهم لسياسات وخطط “محور المقاومة”، الذي كان ولا يزال يخدم السياسات التوسعية لدول في المحور بدلا من أن يخدم القضية الفلسطينية.
لقد أكّد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في لقائه مع “فوكس نيوز” على تمسكه بـ”القضية الفلسطينية” كبند أساسي غير واضح المعالم بعد، في المفاوضات الجارية للتطبيع. فيما أكد مسؤولون أمريكيون أن إدارة الرئيس جو بايدن عازمة على تعزيز التعاون بين حلفائها في الشرق الأوسط (ومن ذلك، التعاون العسكري والأمني) لمواجهة النفوذ المتنامي للصين.
في مقابل ذلك، قد تطلب واشنطن من السعوديين إطلاق سراح بعض السجناء السياسيين وإصلاح القوانين المتعلقة بحرية التعبير والعدالة الجنائية، وفقا لروبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن للأبحاث، والذي على اتصال مع المفاوضين الإسرائيليين والسعوديين والأمريكيين.
بعبارة أخرى، قد تؤسس المفاوضات بين الدول الثلاث لواقع سياسي/أمني واقتصادي واجتماعي جديد في المنطقة في ظل محورية الدور القيادي السعودي في هذا الإطار. فالرياض باتت تمثل ثقلا سياسيا واقتصاديا بارزا، وسياساتها الجديدة و”المتنوّعة استراتيجيا” أصبحت تعكس القدرة على رسم الخارطة الجديدة للمنطقة.
وحسب بعض المصادر، تنسّق السعودية مواقفها حول القضية الفلسطينية مع “الجانب الفلسطيني”. ويبدو هذا الجانب هو السلطة الفلسطينية. حيث يطالب الطرفان من خلال طرح مفردة “التنازلات” بتأسيس “دولة فلسطينية” بجانب إسرائيل، بوصفها “نقطة محورية ارتكازية”. وتعوّل الرياض على واشنطن لممارسة “ضغط سياسي” على الجانب الإسرائيلي ليبدي جدية في تقديم هذه “التنازلات” للوصول إلى “نتيجة إيجابية”، على الرغم من وجود أصوات إسرائيلية تقول إن الملف الفلسطيني مطروح على طاولة المفاوضات الأمريكية السعودية الإسرائيلية “لكنه ليس الملف الأهم”.
غير أن هناك تأكيدات من بن سلمان برغبته في “تسهيل حياة الفلسطينيين”، وفي الوقت نفسه يريد “أن يجعل إسرائيل لاعبا رئيسيا في المنطقة”. وكأنه يراد من هذه التصريحات الذكية “الضغط” على إسرائيل في مقابل “هضم” دخولها، بقوة الدفع السعودية، في المنطقة، وأن أي اعتراض إسرائيلي على “الضغط” من شأنه أن يبطّئ من تأثير الخطوات العربية تجاهها، سواء الخطوات المطبّعة أو تلك التي ستتقدم نحو التطبيع بعد نجاح “الضغط” السعودي.
وترتكز مخاوف إسرائيل من خطوة تقديم “التنازلات”، على تجربة إخلائها لغزة، الأمر الذي حوّل القطاع، حسب وجهة النظر الإسرائيلية، إلى “قاعدة للعنف” ضدّها، وبالتالي من تكرار ذات التجربة في المناطق التي قد تنسحب منها في المستقبل.
لكن، إذا تم “التطبيع” السعودي الإسرائيلي قبل قيام الدولة الفلسطينية ودون تقديم تل ابيب “تنازلاتها”، فلن تكون هناك “دولة مستقلة” للفلسطينيين خلال العشرين عاما القادمة على أقل تقدير، حسبما يؤكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس المفتوحة أيمن الرقب.