إن دلت مقابلة النائب ميشال عون الأخيرة مع الإعلامي مارسيل غانم على شيء فعلى الخلل القائم في العلاقة بينه وبين رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى درجة أن عون رفض إعلان تأييده من الآن لعودة بري إلى رئاسة المجلس مفضلا إبقاء موقفه في هذا الموضوع ورقة مفاوضة ومساومة مع بري للانتخابات وما بعدها بدل صرفها مجانا. فهو عبر هذا الموقف يحاول تحصيل أكبر كمية ممكنة من عدد النواب المتنازع عليهم مع رئيس حركة أمل. ولكن الملفت في الأمر أن الرأي العام اللبناني تعامل مع هذا الموقف المتقدم لعون الذي ذهب إلى حد التحدث عن بري في صيغة أنه “حليف حليفي” وليس حليفا، بمعنى أن تحالفه معه هو تحالف غير مباشر، وقد تعامل معه الرأي العام وكأنه أمراعاديا وطبيعيا نظرا إلى طبيعة العلاقة بين الرجلين منذ عودة عون إلى لبنان في السابع من أيار 2005 وصولا إلى اليوم، بينما تجاهلت قوى 8 آذار في المقابل هذا الإقرار العوني بسوء العلاقة مع بري واستمرت في الحديث عما يسمى تموضعات النائب وليد جنبلاط الجديدة الذي لم يصل في مواقفه إطلاقا إلى “مواصيل” عون، لا بل التزم بكل تحالفاته مع مسيحيي 14 آذار.
لا شك أن الخلاف بين بري وعون لا يعود فقط إلى تنافس انتخابي وإنما يذهب إلى أكثر وأبعد من ذلك بكثير، حيث أن عون يحمل بري مسؤولية عرقة وصوله إلى الرئاسة الأولى واضطلاعه بدور أساسي في هندسة وصنع ظروف انتخاب الرئيس ميشال سليمان. كما أنه يتهم بري علنا بالتواطؤ مع قوى 14 آذار إن عبر تمرير الحصة النيابية في المجلس الدستوري أو من خلال التشكيلات والمناقلات القضائية، إضافة إلى أن عون يتوجس من توجه بري في المرحلة المقبلة، مرحلة ما بعد الانتخابات التي توضع من الآن ولا يبدو أن التناغم والانسجام حولها حاصلا بين الرجلين.
من المؤكد أن العلاقة بين عون وبري كانت لتسوء أكثر لولا وجود حزب الله وتأثيره القوي على الطرفين، فالحزب واقع عمليا بين “شاقوفين، إذ هو بحاجة ماسة لعون باعتباره “ورقة التوت” التي توفر له غطاءً مسيحيا يبعد عنه الصفة المذهبية لتكوينه ومشروعه وأهدافه ويوفر له الثلث المعطل في الحكم لأنه قبل التحالف مع عون كان الحديث لدى حزب الله عن الفيتو، أي حقه ببمارسة الفيتو على القرارات والمشاريع والقوانين الحكومية، كما أن حزب الله بحاجة ماسة أيضا لبري وهو يخوض عمليا بالتوازي معركة عودة الأخير إلى رئاسة المجلس ومعركة الثلث المعطل. فالرئيس بري هو مندوب الحزب لدى العرب والمجتمع الدولي، لذا أن المحافظة على بري أمر أساسي في ظل اعتبار قسم كبير من المجتمع الدولي حزب الله منظمة إرهابية، وفي ظل تعامل جزء واسع من العالم العربي مع حزب الله أداة إيرانية.
إن أهمية مقابلة عون التلفزيونية تكمن أيضا في إظهارها أن اجتماع كتل 8 آذار في الرابية الذي كان الهدف من ورائه التأكيد على دور عون المحوري في الانتخابات ولد ميتا، ولكن لا يجب إغفال في المقابل نية المجتمعين فتح باب الخيارات التعطيلية للانتخابات أمامهم، إذ في حال لم يتمكن فريق قوى 8 آذار من تأجيل الانتخابات لمدة سنة بذريعة أن المنطقة قادمة على مرحلة من المفاوضات المتعددة الجوانب، ما يقتضي ترييح الوضع اللبناني من خلال تأجيل هذه الانتخابات وتمديد عمر كل من المجلس والحكومة بانتظار ما سيؤول إليه الحراك الدولي والإقليمي، وفي حال فشل أيضا هذا الفريق في تعطيل الانتخابات عبر توتير الأجواء والعودة إلى مسلسل الاغتيالات والتفجيرات المتنقلة لأنها مكشوفة وكلفتها باهظة على دمشق وطهران… يبدو إذا أن فريق 8 آذار وفي ظل رفض قوى 14 آذار القاطع القبول بأي اتفاق مسبق على ترتيب الانتخابات النيابية أو الحصول مسبقا على الثلث المعطل، وفي حال استبعاد خياري التأجيل والتعطيل، يبدو أنه قد بدأ يعد العدة (لأنه سيفشل في الحصول على الأكثرية) من أجل الطعن بنتائج الانتخابات النيابية من أبواب عدة لعل أهمها وفق المحضر الذي نشرته صحيفة السفير عن اجتماع الرابية: من سفر “المخاتير إلى الخارج” و”انحياز شركة الميدل ايست”، ما يدلل على انزعاج وقلق قوى 8 آذار من المشاركة الكثيفة للمغتربين في هذه الانتخابات، إلى موضوعي الانفاق الانتخابي (الذي تم تفصيله على قياس 14 آذار) والتعيينات الإدارية ذات الصلة بالانتخابات من أجل إما التشكيك بصحة الانتخابات بغياب هذه التعيينات وإما تعيين موظفين تابعين لقوى 8 آذار يمارسون سياسة غض النظر عما يجري من تزوير.
من تسنى له متابعة مقابلة النائب عون أدرك أن هذا الرجل فقد هالته وحضوره. فالمقابلة مملة وفارغة من أي مضمون سياسي. وقد بدا عون في مجملها غير مقنعا ومدافعا ضعيفا عن مواقفه وتقلباته، وتبريريا لتموضعاته المستجدة في معظمها من توقيعه وثيقة التفاهم مع حزب الله إلى زيارتيه لطهران ودمشق وتبنيه استراتيجية دفاعية تدعو إلى تعميم المقاومة على كل الأراضي اللبنانية وغسقاط المشروع الأميركي في لبنان وصولا إلى إعلانه بيان النصر بعد الاجتياح العسكري لحزب الله لبيروت… إن الارتباك الذي ظهر فيه عون في المقابلة التلفزيونية يؤكد حجم ما يواجهه هذا الأخير من إعتراضات داخل البيئة المسيحية على خطه ونهجه وخياراته، ويثبت بالملموس تراجع وضعه الانتخابي بشكل دراماتيكي.
charlesjabbour@hotmail.com
الخلاف بين بري وعون أكثر من انتخابي ويدلل على تفكك قوى 8 آذار
إلا أنه أكد سوف يحصل على أكثر من 35 نائب دون حلفائه
دون ان يسمي في المجلس النيابي اللبناني او الصيني