ما فعلته حماس يوم 7 أكتوبر عام 2023 سوف يظل في التاريخ كواحدة من أكبر وأهم العمليات في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لأنها كانت عملية على جودة عالية من التخطيط والتدريب والتنفيذ. ما أحدث صدمة هائلة لدى الرأي العام الإسرائيلي والجيش الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية، وفي نفس الوقت أحدث فرحة عامرة لدى معظم العرب والمسلمين (الذين غضوا النظر عن الضحايا المدنيين من الجانب الإسرائيلي) وتم توزيع “الشربات”، سواء سراً أو علناً، في كثير من المدن الإسلامية احتفالا بما أطلقت عليه حماس (طوفان الأقصى). ولم تأخذ حماس في حساباتها أن هذا “الطوفان” ربما يجرفها في طريقه ويجرف معه آلاف المدنيين من أهل غزة الأبرياء.
وأخذت أتساءل: لماذا فعلت حماس هذا وهي تدرك جيدا عنف وقسوة رد الفعل الإسرائيلي، وخاصة في وجود حكومة يمينية متطرفة في إسرائيل؟
أعتقد أن الوضع في غزة أصبح من القسوة بحيث يبعث على اليأس، وفي كثير من الأحيان قد يبعث اليأس إلى التفكير في الانتحار. فما بالك إذا كان ضحايا هذا الانتحار “شهداء عند ربهم يرزقون“! فما فعلته حماس يتفق تماما مع أيدولوجيتها المتطرفة وهي إن قتل اليهود هو فرض عين (الجهاد) ولا يهم ان كان القتلى أطفالا أو نساءً أو شيوخاً لأنهم كلهم يهود. وحتى الأسرى، فسوف يتم اعتبار النساء سبايا والرجال عبيداً، والأطفال تتم تنشئتهم تنشأة إسلاميةويصبحوا محاربين مثل المماليك. أما الضحايا من أهالي غزة فلا يهم عددهم، فمصيرهم الجنة وهي أفضل كثيرا بالطبع من الحياة في سجن مفتوح كبير أسمه “غزة“!
وما تم تداوله في الميديا العامة أو الخاصة عن طريقة تعامل “حماس” مع الرهائن والقتل العشوائي للأبرياء لم يترك مجالا لأي متعاطف مع فلسطين لأن يرفع أصبعه ويعترض على ما تقوم به إسرائيل حاليا. والقادم أسوأ خلال الأيام القليلة القادمة عندما يبدا الجيش الإسرائيلي في الهجوم الأرضي الكاسح المتوقع. وأنا في اعتقادي أن حماس قد توقعت كل ذلك، ولكني ما لم أفهمه حقا: وماذا بعد؟ هل تتوقع حماس من إسرائيل أن تقوم بتسليم أراضي فلسطين إلى “حماس”؟ لم تعلن “حماس” عن هدف هجومها! هل هو محاولة لتحريك الحل السلمي؟ أم هو محاولة لقتل “صفقة القرن” بين السعودية – الإسرائيلية – الأمريكية، والتي تقضي بأن تعترف السعودية بإسرائيل مقابل دولة فلسطينية في غزة والصفة؟ أم هو مجرد “فش خلق” ومجرد تعبير عن الزهق واليأس، أو كما قال مندوب حماس عند بدء الهجوم (كفاية … كفاية)، أو هو مجرد انتحار؟
و”حماس” تريد دولة إسلامية على أرض فلسطين التاريخية من “النهر إلى البحر” مهما طال الزمن.
ونتنياهو واليمين المتطرف معه يريدون دولة يهودية من النهر إلى البحر أيضا.
ولكي يتم تنفيذ أيا من الهدفين:
“حماس”: (بافتراض أن لديها القدرة على ذلك) عليها أن تقتل أو تعتقل وأن تلقي إلى البحر حوالي سبعة ملايين يهودي وسوف يقف العالم بما فيها أمريكا يتفرج على هذه المذبحة!!
اليمين الإسرائيلي المتطرف: (ولديه نظريا القدرة على ذلك) عليه أن يقتل أو يعتقل وأن يلقي في الصحراء حوالي خمسة ملايين فلسطيني وسوف يقف العالم متفرجا أيضا!!
وبالطبع كلا الطرفين سوف يفشل: لا الفلسطينيون يستطيعون إلقاء اليهود في البحر، ولا اليهود قادرون على إلقاء العرب في الصحراء. لذلك لا توجد وسيلة أخرى سوى أن يصل الطرفان إلى قناعة أكيدة ونهائية بضرورة الموافقة على التعايش سويا على أرض فلسطين التاريخية.
والوضع الحالي لن يسمح بهذا أبدا طالما التطرف الإسرائيلي يحكم إسرائيل والتطرف الإسلامي يحكم فلسطين في ظل وجود حكومة شكلية ضعيفة بقيادة محمود عباس في رام الله.
وأتمنى أن ينتج عن تلك الحرب البشعة الدائرة حاليا أن يقتنع الشعب الإسرائيلي بأن نتنياهو واليمين المتطرف قد عجزا عن تحقيق الأمن للشعب الإسرائيلي واستطاعت منظمة “حماس” البدائية بالنسبة للجيش الإسرائيلي (الأقوى في المنطقة) أن تخترق الدفاعات الإسرائيلية وتسبب الذعر حول إسرائيل. وأن يقتنع الشعب الإسرائيلي بأن الوسيلة الوحيدة للعيش في أمان هو إعطاء الشعب الفلسطيني حقه في أن تكون له دولة بجوار دولة إسرائيل، وعليه أن يقتنع أيضا بأن فكرة يهودية الدولة هي فكرة عنصرية حيث أن 20% من سكان إسرائيل ليسوا يهودا، وبالتالي عليهم خلع نتنياهو من الحكم.
وأتمنى أيضا من أن يقتنع الشعب الفلسطيني بأن “حماس” لا تمثله وأن هدفها ليس إنشاء دولة فلسطين حسب معاهدة أوسلو (التي أوصلت “حماس” إلى الحكم) وإنما هو تدمير إسرائيل لإنشاء “دولة إسلامية” ليس فقط على أرض فلسطين، ولكن عودة “الحلافة الإسلامية”, وقد تسببت “حماس” في آلاف الضحايا من الفلسطينيين في كل صدام مع إسرائيل بدون تحقيق أي تحسن في الحالة المعيشية في غزة، وقد تم انتخابها مرة واجدة منذ 17 عاما، ورفضت عمل أي انتخابات بعد ذلك. وأتمنى أن تقتنع “حماس” بأنها قد فشلت في تحقيق إي من اماني الشعب الفلسطيني وعليها أن تنتحي جانبا لكي تدع غيرها يستكمل مسيرة السلام والتي بدأت منذ معاهدة أوسلو التي أوصلتها لحكم غزة.
وبغير أن يقتنع التطرف الإسرائيلي والتطرف الفلسطيني بالفشل فلن يرى الشعبان السلام أبدا.
ليتك قلت مثلا استبعاد حماس و ذكرت اسم تنظيم اسرائيلي دموي متطرف ،اما أن تحصر المقابل بشخص نتنياهو، ف!!!!