استكمل امير الكويت الشيخ صباح الاحمد الحكم التاريخي للمحكمة الدستورية الذي قضى بتحصين مرسوم الصوت الواحد مع ابطال المجلس الحالي لخطأ اجرائي، بخطوة مهمة من خلال اطلالته على المواطنين بخطاب. كرر في الخطاب انه يقبل عن طيب خاطر هذا الحكم وان المنتصر هو الكويت وان لا غالب ولا مغلوب، مكرسا الصيغة الفريدة من نوعها في المنطقة بقوله انه لا يحمل اي ضغينة على احد ولا حقدا “وهل يعرف الاب غير المحبة والمودة والرحمة لابنائه وان تعاطف الحاكم وتلاحمه مع شعبه وارتباطه معهم سمة اساسية في مجتمعنا الكويتي توارثناها ونتمسك بها على مر الاجيال”.
كان حكم المحكمة الدستورية الكويتية بالفعل انتصارا للكويت وللديموقراطية الكويتية وللدستور الكويتي. اثبت مرة اخرى ان لا سلطة على سلطة القضاء وان احدا لا يمكنه كسر التوازن بين السلطات. المحكمة حصنت مرسوم الصوت الواحد الذي اصدره الامير للخروج بنظام انتخابي مختلف بعدما صارت المجالس السابقة مصانع للعصبيات القبلية والطائفية واحد اسباب الشلل والجمود وعرقلة المشاريع وتأزيم العلاقة بشكل مستمر بين السلطتين.
وجاء في حيثيات الحكم انه “لا مأخذ من الوجهة الدستورية على مرسوم الصوت الواحد سيما وانه جاء تحقيقا للمصلحة الوطنية التي تعلو فوق كل اعتبار”.
واضافت المحكمة ان «قاعدة الصوت الواحد المتبعة في العديد من الدول الديموقراطية، من شأنها تحرير المرشح من ضغط ناخبي دائرته وتأثيرهم عليه»، مبينة ان «لا قداسة ولا استقرار في تحديد طريقة التصويت في الانتخابات والعدالة في الاجراءات الانتخابية نسبية ولا سبيل إلى بلوغ الكمال فيها”.
في الوقت نفسه ابطلت المحكمة المجلس الحالي لخلل اجرائي اذ رأت ان تشكيل لجنة عليا للانتخابات من قبل الحكومة لا يستقيم والنظام الديموقراطي. وجاء في حكم المحكمة بهذا الخصوص: ان «مرسوم تشكيل اللجنة العليا للانتخابات يمثل خروجا سافرا على الدستور واقرار مجلس الأمة لا يسبغ عليه المشروعية»، مشيرة إلى ان «المصلحة العليا للبلاد أعظم شأنا وأعلى قدرا من أن تختزل في انشاء لجنة تحقيقا للمزيد من النزاهة والشفافية في الانتخابات”.
انتصر في الكويت منطق الانحياز للدستور والمؤسسات. المنتصر هو القضاء الكويتي الذي اصدر حكما شجاعا لا مجاملة فيه . المنتصر هو رؤية الامير في تغيير النظام الانتخابي لتلافي ما امكن من سلبيات النظام السابق والانطلاق مما هو موجود لتطوير التجربة اكثر في اتجاه محاصرة الظواهر المذهبية والتأزيمية التي بدا انها لم تغب ايضا عن المجلس الحالي، وان بشكل اقل، نظرا لاستمرار البعض في الاعتقاد انه كلّما كان اكثر تطرفا كلّما استطاع حصد اصوات اكثر من الناخبين، خصوصا في هذه المرحلة الاقليمية التي يعلو فيها الخطاب المذهبي. وهنا خصص الامير في كلمته جزءا مهما لضرورة الالتفاف حول الوحدة الوطنية محذرا من القيام بما من شأنه نقل الصراعات المذهبية الى الكويت في ضوء التطورات الاقليمية المتفجرة.
اما الخاسرون من حكم المحكمة الدستورية فهم اصحاب منطق يقوم على ” انّنا مع القضاء اذا كانت الاحكام لمصلحتنا ومع الاعتراض على احكامه ان كانت ضدنا”. فالانتخابات المقبلة لا بد ان تشهد اقبالا من الذين رفضوا المشاركة سابقا، اما بعض النواب السابقين من الغالبية المبطلة الذين اقسموا انهم لن يخوضوا الانتخابات فافضل خدمة يقدمونها الى الكويت هي ان يبقوا على قسمهم ولا يتراجعوا تحت اي حجة.
وللدلالة على انتصار دولة المؤسسات في الكويت قال وزيرالاعلام ووزير الدولة لشؤون الشباب الشيخ سلمان صباح السالم الحمود الصباح ان الحكم “يؤكد قوة مؤسسات الكويت الديمقراطية ونظامها القضائي”.مشيرا الى ان الحكومة “ستواصل العمل دون كلل لتحقيق التنمية ومواكبة التطور لمستقبل مشرق للبلاد” وان الكويت “تحترم سلطة القانون وهي قادرة بمؤسساتها كافة على التعامل مع أي حكم صادر عن المحكمة الدستورية”.
قرار المحكمة الدستورية الكويتية يفترض انه طوى صفحة وفتح الباب لصفحة اخرى تستفيد من تجربة الازمة التي عصفت بالكويت. والمطلوب ان يستفيد منها تحديدا اولئك الذين اعتبر الامير انهم انحرفوا عن جادة الصواب ودعا لهم “بالهداية والرشاد”. فالقرار كما قال وزير الاعلام “يعزز متانة النظام الديموقراطي الذي تتمتع به دولة الكويت”.
هل يهتدي من انحرف عن جادة الصواب؟ سؤال تكشفه الايام المقبلة، فما قبل به رأس الهرم في الدولة يفترض من حيث المبدأ ان يقبل به الجميع الا اولئك الذين لا يسمعون الا اصواتهم… وبعض المواقف السريعة لبعض رموز الغالبية المبطلة لا تبشر بالخير.
مرّة أخرى، حمى الله الكويت التي فيها، للاسف، بعض الذين يعتقدون أن الديموقراطية هي مزايدات ورفع شعارات. هؤلاء لا يدركون أن المنطقة كلّها تمرّ في فترة صعبة ومعقّدة. انها أقرب الى مرحلة انتقالية من أي شيء آخر، لا وقت لا للشعارات ولا للمزايدات، خصوصا مع ازدياد حدة الانقسامات ذات الطابع المذهبي.
في النهاية، يفترض في الكويتيين أخذ العلم بأنهم يعيشون في نعمة وأن ما هو أهمّ من الشعارات والمزايدات وجود تجربة ديموقراطية راسخة قادرة على اصلاح نفسها بنفسها كلّما حصل شطط. الاهمّ من ذلك، أن العائلة الكويتية عائلة واحدة حتى عندما تحصل اختلالات بين حين وآخر. هذا عائد قبل كلّ شيء الى أن الامير منفتح على كلّ ما يمكن أن يحسّن الوضع الكويتي وذلك من دون أيّ عقدة من أي نوع كان…ولكن في ظلّ الدستور والقضاء المستقلّ الذي يعتبر ضمانة، بل أهمّ الضمانات في أي دولة عصرية تحترم نفسها.
نُشِر في “إيلاف|