بسرعة فائقة، في ليلة 20 /3/2008 وقبل أن يبترد بيت نار بنادق قتلة السلطة السورية، التي أصابت قلوب ورؤوس الشباب الكرد في القامشلي، أصدرت الأحزاب الكردية مجتمعة( التنسيق، والتحالف، والجبهة)، بيانا ألغت به الاحتفال بعيد النوروز(في كل المناطق داخل سوريا وخارجها) بحجة الحداد العام، هذا دون أن يغفل البيان وصف المشهد لهؤلاء الشباب/ الضحايا، الذين كانوا (يغنون ويدبكون على شكل حلقات حول شعلة نوروز) حسب وصف البيان.
لقد أراح القتلة الشهداء، من تفهم الحكمة بالغة السريالية التي توصلت بها القيادات الكردية مجتمعة، في وحدة موقف (وطني) نادرا ما اجتمعت عليه، ألا وهو تنفيذ الهدف الأساس لجريمة السلطة، قتل الكرد، لمنعهم من الاحتفال بعيدهم القومي ليس لمظهره الفولكلوري (من دبك وغناء وإشعال للشموع) بل لقيمته الرمزية و لمدلوله السياسي المعبر عن حيوية الأجيال الشابة التي شبت خارج المعازل الحزبية، في مواجهة سياسات القمع العنصرية، أجيال لم يعد في مقدورها تحمل ذلّ الخضوع والعبودية ولا القبول بإذابة هويته القومية، ولا في أن تكون تصبح حياتها رهناً أسيرة هذا العاجز الوطني أو ذاك العنصري الحاكم، بعدما فقدوا كل شيء ولم يبق لهم ما يفقدونه غير قيود التمييز العنصري والإلغاء القومي.
لقد تمادت الحزبيات الكردية أكثر من مرة في قصورها الفكري والسياسي في تلمس الحس الشعبي في أكثر من لحظة تاريخية، وهي دائما كعادتها، تستجدي بدماء الشباب الكرد خطباً رنانة على المقابر وفي خيم العزاء تتقدمها باقات الزهور العملاقة لتليق بمقاماتها، تتنافخ بحجومها بالمساومة على عجز وخلاف من حول الحق القومي للشعب الكردي في سوريا بحصره في حجم همم القيادات وتمنيات الأجهزة الأمنية.
لقد حدث ويحدث كل يوم أن تطلب هذه القيادات لا بل تتنافس في مبارزات التجمع والاحتفال والتجمهر من حول أكثر من مناسبة، (عيد المرأة ، ذكرى ميلاد الملا مصطفى البرزاني،… وبالمناسبة صار لزاما على المرجعيات البرزانية إنقاذ الرجل الكبير من تهريج الآخرين على قبره وإرثه وتحويله إلى شاهدة إعلانية ينشرون عليها عجزهم وتخلفهم وتنابذهم، حفظا لمكانة الرجل وقيمته التاريخية الكردستانية) مناسبات، لا لون لها ولا طعم ولا رائحة غير استجداء بعض الزكوات البائسة عبر الحدود، والتخفي من حول أستار أضعف الإيمان.
جرت في الأيام الخوالي عشرات الاحتفالات بعيد المرأة حتى حسبنا أنه عيد قيامة كردستان، وفي خيم عزاء الشهادة لا نقع على حضور امرأة، وفي قيادات الأحزاب لا وجود لغير شوارب الرجال وربطات العنق الأطول من الهامات، ولا صوت لأمهات الشهداء أمام المكرفونات، خوفا من سماع لوعة أمّ بشهيدها .
للأسف لم تُعوّد الحزبية الكردية شعبها على تقدم الصفوف بقدر ما تريده مطية لهمومها الذاتية وخلافاتها وقدراتها المرتهنة لأكثر من مربط فرس، وحين تتقدم الأجيال الشابة للمهام الوطنية برفع نضالاتها وطموحاتها إلى حجم الهمّ القومي الكردي الخاص، و الوطني السوري العام، تركض القيادات الحزبية بحجج ثعلبية شتى تقطع عليها الطريق لإعادتها إلى زريبة السقوف الأمنية للسلطة المستبدة العنصرية.
نتساءل اليوم، وربما كثيرون غيرنا، لو كان الشيخ معشوق الخزنوي حيا؟ أكان أكتفى من الحدث بالجلوس تحت خيم العزاء يستنشق دخان السجائر ويسمع الكلام الخشبي المنثور أم أنه كان تقدم الناس، الشبيبة نساء ورجالا إلى المقابر ليعلن منها الحداد بالاستمرار في الاحتفاء بنوروز أياما وليالي، أكان جلس يعاتب السلطات بحسافة العاجز أم كان حشد الناس( وليس قادة الأحزاب التي يقال بأن عديد الجسم التنظيمي لبعضها لا يتجاوز عديد كوادرها وأهل بيتهم) والطاقات لتحويل الحداد إلى محاكمة علنية للسلطة وجرائمها؟
منذ أن قامت دولة الوحدة السورية ـ المصرية، والكرد يفقدون باستمرار أجزاء من حرياتهم العامة والخاصة والكثير من حقوقهم المدنية والسياسية وحتى الإنسانية، دون كثير استخلاص العبر والدروس للانتقال إلى المواجهة التي تصبح كل يوم فرض واجب على كل عاقل غير سفيه.
في دولة البعث الأولى، جرى تثبيت النتائج الفاحشة لقانون الإحصاء، الذي جرّد عشرات آلاف (يصبح العديد اليوم مئات الآلاف) الكرد في منطقة الجزيرة من الجنسية السورية وبالتالي من ملكياتهم ومن حقوقهم المدنية في الإرث والزواج شرعا وقانونا ومن حق العمل والتملك و حق المواطنة السياسي، الحق بالوصول إلى منصبي القاضي والحاكم، وفي كل يوم مع كل ولادة جديدة بين هؤلاء المجردين من جنسيتهم منذ 44 سنة تتجدد جريمة تجريد الكرد من جنسيتهم، إذ يجرد القانون حتى الولادات القادمة سلفا من الحق بالجنسية.
مع استيلاء الجنرال حافظ أسد على السلطة بانقلاب من الشعارات القومية والاشتراكية، تمّ بمفاعيل قانون الطوارئ والأحكام العرفية والإصلاح الزراعي، استكمال الجريمة بتجريد الكرد من ملكيات الأرض في حدود خط المطر بعمق 10 ـ 15 كيلومترات على امتدا حدود الإقليم الكردي مع مثيله على الجانب التركي، وجرى زرعها بمستوطنات عربية مستقدمة من الداخل السوري على غرار المستوطنات الإسرائيلية في الجولان، حسب خطة السيء الذكر محمد طلب هلال.
منذ بداية الثمانينات، في ظروف إقامة قيادات الأحزاب الكردستانية المهاجرة ( حزب العمال الكردستاني و البرزانيين والطالبانيين) في حماية نظام الأسد، عمل السيد “محمد منصورة” مسؤول الاستخبارات العسكرية في محافظة الحسكة ( الصديق لأكثر من قيادي حزبي كردي)، على ضبط إيقاع الحياة السياسية الكردية عبر قياداتها الحزبية والاجتماعية المدجنّة بالترغيب والترهيب، بسياسة تنامت طردا بالتهميش والحصار والقمع لنخب من الأجيال الشابة المثقفة التي حاولت التأسيس لنهضة وطنية قومية كردستانية في مناخ رياح التغيير العالمية التي كانت تتهيأ للهبوب:
ـ منذ سنة 1984 يتم سنويا طرد العشرات من الطلبة الكرد من المعاهد والثانويات، ويجري فصل المعلمين والموظفين من مواقعهم تحت بند مقتضيات المصلحة العامة.
ـ في سنة 1986 جرى إطلاق الرصاص على المحتفلين الكرد بعيد النوروز في دمشق والقامشلي.
ـ وفي سنة 1986 تم بقرار من محافظ الحسكة “صبحي حرب” حظر تسمية الولادات والمحال التجارية بأسماء يشتم منها أن لها ايقاعا كرديا، بسياسات التعريب العرفية منعت اللغة الكردية من التداول في الدوائر والمدارس وتمت وتتم عملية تعريب لأسماء مئات البلدات والقرى الكردية تعتبر بعضها مواقع أركيولوجية نادرة في الأقاليم الكردية.
ـ وفي سنة 1989 صدر قرار يحظر الأغاني الكردية في الحفلات و الأعراس.
ـ وفي سنة 1993 نفذت السلطات جريمة إحراق متعمد في احد مهاجع سجن الحسكة المدني أودى بحياة 54 من الموقوفين الكرد بالتواطئ بين “محمد منصورة” والمجرم “محمد مصطفى ميرو” وقائد شرطته محمد مخلوف.
ـ ليست مجازر 12ـ13 آذار سنة 2004 آخر جرائم سلطة الاسد بإطلاق الرصاص بأمر من محافظ الحسكة القاتل” سليم كبول” على المدنيين في مدينة القامشلي وعلى جنازات الشهداء مضافا إليها نهب محلات الكرد في مدينة الحسكة وراس العين والقامشلي لا حقا أعادت إلى الأذهان ما يحدث أثناء الانقلابات القبلية الافريقية.
مطلع الثمانينات فيما كانت سلطة حافظ الأسد وأخويه جميل، ورفعت، وجنرالاتهم، تخوض معركة كسر العظم مع المعارضة الإسلامية واليسارية، جرى ضبط المجتمع باعتقال عشرات الآلاف من الوطنيين السوريين وقتل الآلاف في المعتقلات وعلى الحواجز في المدن المحاصرة والتي كانت مجزرة تدمير مدينة حماة سنة 1982 على أكثر من عشرين ألف شهيد من الأهالي العزل آخر فصولها الدموية، تحولت البنادق إلى الكتلة الشعبية الكردية، حين فشل جميل الأسد شقيق رأس النظام تأطير الكرد مع غيرهم من العشائر العربية وبعضا من النخب المسيحية في أطر جمعية مرتضى الطائفية، لكن وعي النخب الكردية الاجتماعية و الشبابية المثقفة، فوتت هذه الفرصة اللئيمة على السلطة وعلى الخبثاء اللذين كانوا يوحون بتواطىء ما للكرد مع سلطة الأسد “العلوية”، لقد حضرت النخب في الارتقاء بأنشطة نهضوية ثقافية وسياسية للجماعة القومية الكردية المتميزة إلى مستوى الفعل الواعي، لم تستقم معها حسابات بيدر “محمد منصورة” وأدواته المحلية مع طموحات الشعب الكردي، الذي صار يغرد خارج الأعشاش الحزبية المتخلفة (كانت قوافل الشباب الكردي تنتقل إلى الجبال لتقاتل في صفوف حزب العمال الكردستاني، ونتساءل لو أن الحزبية القائمة آنذاك كانت في مستوى العطش الروحي والقلق القومي و الحميا النضالية لهؤلاء الشباب أكان استطاع حزب أوجلان استيعابهم بهذه الكفاحية التضحية بالجسد والروح معا؟)، لقد تمت عملية تيقف و تثقيف وتعلم ذاتي للغة الكردية والبحث عن الحقيقة التاريخية من خلال منظومات مستقلة غير حزبية في جمعيات غير مرخصة وأحيانا فردية، أشاعت حيوية نهضوية قومية (أدبية وفنية وبحثية) حصّنت مجتمعها بقدرات محدودة عادلت مجتمعة بزخم الممانعة سياسات السلطة الإلغائية.
ترافقت سياسات السلطة العنصرية بامتياز، مع عملية مطاردة مستمرة بما يشبه التواطىء مع قيادات بعض الأحزاب الكردية للكتلة المجتمعية غير المتناغمة مع المنظومة الحزبية الكردية المتناغمة وآمال وتمنيات صديقها السيد “محمد منصورة ” برشوة سياسية شكلية:
ـ إيصال بعض من قيادات هذه الأحزاب إلى مجلس الشعب لمرة واحدة سرعان ما استبدلوا بنخب عشائرية أكثر من تافهة ووضيعة.
ـ السماح بالاحتفال بأعياد النوروز بإشراف مباشر من الأجهزة الأمنية والحزبية الكردية تحت مسمى عيد الأم، ولكن حين تجاوزت النخب الشعبية الأحزاب والقيود الأمنية جرى قمعها بإطلاق الرصاص عليها منذ سنة 1986 .
لقد فشلت سياسات السلطة وجرائمها في ترويع المجتمع والنخب الكردية المستقلة، بأشد أساليب الفاشية فجورا وضراوة، التهديد في اللحم الحي مترافقا وسلسلة تدابير الغائية ورشائية، فضلا عن النجدات المعنوية والدعائية لأحزاب الكردستانية المستضافة إلى حماية السلطة: بالتضييق المستمر على النشطاء الخارجين على التفاهمات الحزبية للحضور الكاريزمائي للنخب غير المنضبطة و الثقافية، بالطرد من الوظائف وسد أبواب العمل وإدارات الدولة والدراسة أمام النشطاء. كما أصبح النشطاء ضيوفا دائمين على معتقلات الأجهزة الأمنية.هذا ولا بد من التذكير دائما بالضحية الرمز المجردين من الجنسية.
بعد إقامة المنطقة الآمنة في شمال العراق من قبل قوى التحالف، و طرد زعيم حزب العمال الكردستاني “عبد الله أوجلان” من سوريا، وفي أثناء المطاردة الدولية الكبرى لأوجلان حدثت عملية مخاض جديدة للمجتمع الكردي في سوريا وفي غيرها بحيوية كردستانية دفعت بالمجتمع إلى التصالح الذاتي مع نفسه في التشارك بالهموم وعدم الإنجرار إلى فخاخ السلطات الحاكمة. حاولت السلطة السورية استيعابها بكبير فشل من خلال خلق حزب أوجلاني تابع، أسندت المهمة لضابط أمن الارتباط بحركة أوجلان المرتزق” مروان زرّكي” من كرد مدينة دمشق، الذي خاب فأله و خيب آمال أسياده، لينزل غضبهم بجماعة أوجلان، حين جرى تسليم العشرات من الكوادر الكردستانية إلى تركيا ورغم المآخذ الكبيرة على أداء “حزب الاتحاد الديمقراطي” ( أوجلان) إلا أنه يبقى التنظيم الكردي الأكثر حيوية ومطاردة من السلطة السورية، ومع ذلك ولأكثر من سبب ما زالت الغيوم تكتنف علاقة هذا الحزب بالجسد الحزبي الكردي والمعارضي في سوريا، نعتقد جازمين أنه حان الوقت لوضع حد للمهزلة الخلافية الكردية البائسة التي نرى ضرورة أن تجري جميع الأطراف مراجعة وطنية لمواقفها الحزبية، وسلوكها الخارج على كل عرف أو قيمة وطنية، فإذا كان المأخذ الأساس على الأوجلانيين، أوجلا نيتهم، فجلّ الأحزاب الأخرى أما برزانية أو طالبانية بهذه الدرجة أو تلك، لذا فأننا نرى بان المسألة ليست رمّانة أوجلانية، وأنما قلوب ملآنة حزبويا في لبوس عشائري، آن لها أن تغتسل من الأحقاد والغلّ والمنافسة غير الوطنية بدماء هؤلاء الشهداء ودموع الأمهات، كما أنه على “حزب الاتحاد الديمقراطي” التصالح مع مزاج شعبه في سوريا في جعل القضية الوطنية الكردية سورياً، تتقدم على الهوية الحزبية والصورة الشحصية مهما كان الرجل مقدساً في عقيدتهم فالسياسة هي فن التسويات مع الآخرين وليس صخب العقيدة بالدوغمائية التي يدينها السيد “أوجلان” من أسره في أكثر من مناسبة، كما على الأحزاب الأخرى أن تنتهي من مهزلة تكفير أوجلان للتغطية على عجزها، وكأن الدنيا كانت بألف خير قبل أوجلان.
مع سقوط نظام صدام سنة 2003 أطلق قيام حكومة إقليم كردستان الحلم الكردي بدولة وكيان وهوية قومية من عقال القمع وأسر التاريخ. واجهته سلطة بشار الأسد لحسابات اقليمية وتراكمات خبيثة لموظفين وإدارة متقيحة بالأحقاد العنصرية، بتدبير وتنفيذ جريمة 12 ـ 13 آذار 2004 التي أودت بحياة عشرات الشهداء والجرحى ومئات المعتقلين، استدعت الجريمة من الكتلة الشعبية الكردية ردا بحجم الفاحشة السلطوية الفاشية، بنهضوية قومية ميدانية هائلة الزخم تجاوزت حدودها الكردية لتتخلخل في عمق المجتمع السوري بأكمله سلطة، وقوى معارضة خاملة وأخرى نائمة، لقد أدى نزول مئات آلاف الكرد إلى الشارع بالصدور العارية في كل الأقاليم الكردية، وحيث تواجدت جالية كردية، في حلب ودمشق والجامعات وصلت أصداؤها إلى علاقة السلطة بمستعمرتها في لبنان حين نزلت الجماهير اللبنانية بعد سنة، الشارع لأول مرة في تاريخ احتلال سوريا للبنان بالطريقة التي نزل بها الكرد، لقد أجبرت الصرخة الكردية رأس النظام بشار الأسد في حديث صحفي، في محاولة لامتصاص النقمة الشعبية الكردية حتى لا تصبح مثالا يقتدى سوريا، على القول بكون الشعب الكردي في سوريا جزء من النسيج الوطني.
للأسف، بدلاً من أن تنتقل الحزبية الكردية بقضية شعبها إلى موقع الممثل لشعب وقضية وحق مغتصب لدفع السلطة إلى موقع الدفاع لخلق واقع جديد في العلاقة بالسلطة، بحضور سياسي تعمّد بالدم والنار فأنها التفت على حق شعبها وحق تمثيله وعلى قضيته بالحج إلى هذا الاعتراف اللفظي، الوقتي، من رأس السلطة، فدخلت ملهاة التغني بالممجوجة الكلامية وكأنها فضل من أفضال الرئيس على الشعب الكردي وبأنها خاتمة الأحزان وسدرة منتهى الطموحات في نفوسهم دون شعبهم.
هكذا هي دائما الحزبية الضيقة تستقطع من الانتصارات الكبيرة بعضا من سقطه اللفظي، تتلهى به لعجزها عن البناء عليه أو حمله، وهذا هو حال هذه النخب تاريخيا، تدفعهم الحزبية المحلية إلى مهمات خارجية في باقي أجزاء كردستان بما يشبه المجان حتى لا تنشغل القيادات العاجزة المترهلة ـ حالها من حال الأحزاب العربية المعارضة ـ بحمل مهمات تتطلب حيوية ميدانية وقدرات عقلية هي أحوج ما تكون إليه، كما أنها بفعل العادة والمنفعة لا تستطيع التخلي عن مواقعها لصالح قوى حية متجددة شابة مؤهلة، دون غيرها، لحمل المهام التي ترتقي بفعل الشعب إلى مستوى التحدي مع سلطة همجية عالية التنظيم فاحشة القوة.
كردستان سوريا اليوم بعد تراكمات النهضة الذاتية لحوالي ثلاثين سنة خلت، مجمرة شبابية مثقفة مكتوية بنار التمييز العنصري وهم يرون الأرض تقضم من تحت أقدامهم باستملاكها المستمر للعرب المستوردين، والوظائف والإدارات تسند إلى الغرباء دون أهل البلاد وسكانها الأصليين، ومدنهم وشوارعهم وأسماءهم تصبح منحة من خارجين من قوانين عنصرية، وحقوقهم تصبح في سحنة هؤلاء المستوردين بعقيدة البعث والشوفينية القومية بحكم قوانين عرفية لسلطة مغتصبة للوطن من شرقه لغربه ومن جنوبه لشماله في منافع عائلة الأسد الفاسدة، يجرم فيها الكردي بحقيقة وجوده التاريخي الشرعي في أرضه مطالبا الآخر بالمساواة بحق التكافؤ أمام القوانين الوضعية والشرائع.
سيكون من المستحيل على الضحية الكردية المذلّة المهانة الاستمرار في هذا الحال دون أن تعض الآخر في أذنه، كما سيكون من المستحيل أن تبقى النخب الكردية متفرجة على تهميشها وهي الأكثر ثقافة ونشاطا وحيوية في الوطن السوري على ضيق المسالك وصعوبة المراقي مقارنة بباقي السوريين، ولا نفشي سراً إذا قلنا أن الساحة الكردستانية السورية على قلًة عديدها السكاني مقارنة بغيرها من الساحات الكردستانية هي الأكثر تحصيلا دراسياً في مختلف فروع الدراسات العليا والمتوسطة والأنشط ثقافة في مختلف أجناس الآداب والفنون والأكثر انفتاحا وحيوية كردستانية والأكثر وطنية ونهضوية قومية ومع ذلك ترى نفسها في وطنها وفي كردستانيتها تقوم بدور الكومبارس.
مع القرار القاصر المكمل لجريمة السلطة، بإلغاء الاحتفال بنوروز حداداً، أطلقت الحزبية الكردية الرصاص مجددا على الشهداء بالقصاص من القضية التي استشهدوا لأجلها، وكأن الاحتفاء بنوروز فرحة عرس وليس فعلا رمزيا لحيوية أمة تصر على الحضور في الحياة وليس الانعزال في الموت، منذ أكثر من ألفي سنة ونوروز رمز حضور الكرد في الحياة والتاريخ، ورغم آلاف المجازر وملايين الشهداء والمحارق والغزوات لم يتخل الكرد عن الحضور القومي في نوروز الرمز السياسي بامتياز، ها هي القيادات بارتجال وبإجماع قراقوزي، بحجّة الحداد تنفذ بقرار غير مفهوم، ما عجز عنه رصاص السلطة إلغاء الاحتفاء.
كان يمكن للخروج إلى نوروز الشهداء، بمئات الآلاف، أن يشكل نقلة نوعية في نضال الشعب الكردي والسوري باتجاه شمس الحرية بالعصيان المدني السلمي في الشارع لإجبار السلطة بقوة الناس، بقوة الحضور في الشارع، فتح التحقيق في كل الجرائم التي طالت أرواح الشهداء الكرد منذ نوروز 1986 واستكمالا بإلغاء قانون الإحصاء وتجريد الكرد من جنسيتهم ومن أملاكهم، وكان سيكون لهذا الفعل لو تمّ، أجمل وأنبل وفاء للشهداء بالحداد على الطريقة النوروزية لا تلك العشائرية المتخلفة التي تستبدل بالقهوة السكرية القهوة المرة.
نعم لقد جرّعت الحزبية الكردية شعبها الكأس المُرّة ثانية، وستفعلها ثالثة، ورابعة، طالما هي باقية على كراسي القيادة الخشبية المحشوة تبنا وخرقا بالية، فإلى متى ستسكت القواعد عن قياداتها كالقطيع تتبع جرس حمار الراعي، إذ ليس لجرح بميت إيلام.
نترك الجواب على السؤال إلى الشهداء الأحياء من الجرحى ورفاقهم المرشحين في كل نوروز إلى استقبال رصاص السلطة المجرمة ومعهم النخب الثقافية المستقلة.
bachar_alissa@hotmail.com