(صورة معبّرة لملك إسبانيا خوان كارلوس وضيفه الليبي)
**
لماذا لم يتطوّع أحد من المستشرقين الممتازين الذين تضمّهم الجامعات الفرنسية لتذكير العقيد صاحب “الخيمة البدوية ماركة سان لوران أو ديور” بأن التراث العربي-الإسلامي هو تراث “مديني” بامتياز. النبي محمّد، إبن مكّة، لم يهاجر إلى مضارب البدو في الصحراء بل كانت هجرته إلى “المدينة” بالذات، وإسمها يغني عن التعريف!! ولم يسجّل التاريخ أن الفاتحين العرب سكنوا في البوادي بعد خروجهم من شبه الجزيرة: بالعكس، فقد بنوا “مدناً إدارية وعسكرية تحوّلت لاحقاً إلى “مدن” حقيقية!
بعيداً عن “الفولكلور القذّافي”، ذكر مصدر في الوفد الليبي لـ”الشفّاف” أن هنالك قضية سياسية بالغة الأهمية ما زالت عالقة بين ليبيا وفرنسا، وهي مسألة الحكم الصادر بحقّ مسؤول الأمن الداخلي الليبي، عبدالله السنوسي، في قضية طائرة “يو تي آي” الفرنسية. وبالنسبة للنظام الليبي، فإن السنوسي “من العائلة” الحاكمة، وتبرئته مطلب أساسي على مستوى العلاقة بين البلدين.
وفي ما يتعلّق بالعائلة أيضاً، فقد سجّل المراقبون الدور الأساسي لإبن عم العقيد، أحمد قذّاف الدم، الذي حضر إلى باريس من القاهرة، محاطاً بعدد من أصدقائه وصديقاته، والذي نقلت مصادر أنه قام بتلقين وزير الخارجية الليبي ما ينبغي الإعلان عنه بالنسبة لزيارة العقيد الباريسية.
واستدرك المصدر قائلاً أنه رغم التخبّط الذي ساد زيارة القذّافي لباريس، فالعقيد الليبي خرج بانطباع جيّد عن الرئيس ساركوزي “الذي يحترم كلمته” حسب كلام مرافقي القذّافي. وحسب نفس المصادر، فإن طرابلس ستدعم ساركوزي وستشتري ما يريد ساركوزي بيعه لليبيا. ولكن هذا الموقف المبدئي قد لا يكفي لتعويض الأخطاء التي ترتكبها شركات فرنسية كبرى مثل “توتال” في تعاملها مع الجهات النافذة في ليبيا، وخصوصاً في ما يتعلّق بموضوع الوسطاء المقبولين من الليبيين! ويُقال أن رئيس الحكومة الليبية السابق، شكري غانم، الذي بات يرأس شركة النفط الوطنية الليبية هو أحد الخصوم البارزين لشركة “توتال” الفرنسية.
وقالت مصادر في الوفد الليبي المرافق للعقيد أن الحصيلة الإقتصادية لزيارته إلى إسبانيا قد تكون أقلّ بكثير من الأرقام المتداولة، أي أقل من مبلغ 18 مليار دولار، أو حتى مبلغ 11،8 مليار دولار، اللذين وردا في وكالات الأنباء. وحسب معلومات خاصة بـ”الشفّاف”، فالعقود المؤكدة قد لا تتجاوز 2 مليار دولار، وهي عبارة عن عقود تمّ التفاوض عليها في عهد رئيس الحكومة السابق، أزنار.
وهذا الرقم ليس بعيداً عن رقم 3 مليار دولار من العقود المؤكّدة، الذي أسفرت عنه زيارة القذّافي لفرنسا. أما رقم 10 مليار دولار الذي ذكره الرئيس ساركوزي فيشمل عقوداً قيد الدرس قد يستغرق بتّها 6 أشهر أو سنة أو حتى سنتين.
وأشارت المصادر إلى أن رئيس الحكومة الإسبانية السابق، أزنار، كان أول مسؤول أوروبي زار ليبيا بعد رفع الحظر (ولهذا السبب فقد حرص القذافي على الإجتماع به) وأن خلفه ثاباتيرو كان متردّداً في توجيه الدعوة للقذافي لزيارة مدريد. ولكن مدريد باتت أكثر اهتماماً بليبيا بعد أن خسرت عقوداً مهمّة في الجزائر في الأشهر الأخيرة، بينها عقد لمد خطّ لأنابيب الغاز بين الجزائر وأوروبا، بسبب الخلاف على أسعار الغاز. وقد عمد الجزائريون إلى استبعاد الشركات الإسبانية لصالح شركات أخرى بينها “إيني” الإيطالية.
أي أن الإهتمام الإسباني بليبيا يعود إلى الرغبة في تعويض الخسائر الكبيرة في السوق الجزائري. وهذا، مع أن إسبانيا نجحت في تحسين علاقاتها على نحو مثير مع المغرب في الأشهر الأخيرة، خصوصاً بعد أن اكتشفت شركة “ريبسول” إحتياطات نفطية في مياه الجزر المتنازع عليها بين البلدين. وقد وضع المغاربة موضوع الخلاف على “الجزر” جانباً، ووقّعوا إتفاقيات مهمّة مع إسبانيا خلال عام 2007. (المغرب يمكن أن يحمل “مفاجأة سارة” لفرنسا إذا لم يوافق الكونغرس على بيع طائرات أميركية لهذا البلد! بل يحتمل أن يعود موضوع شراء “الرافال” الفرنسية إلى التداول، حسب مصادر مغربية).
معلومات “الشفّاف” تفيد كذلك أن شركة “ريبسول” ستأخذ حصة من إستدراج العطاءات الرابع لحقول النفط والغاز في ليبيا، علماً أن هذا أول إستدراج عطاءات ليبي يشمل الغاز. وتقع هذه الحقول في خليج سرت، وتشمل حقل مرزوق وحقلين ثانيين.
وعلى الصعيد العسكري، فالأرجح أن ليبياستعقد صفقات عسكرية مع إسبانيا نظراً لتفوّق الإسبان لجهة النوعية والسعر. وستشمل هذه الصفقات أسلحة فردية، وطائرات لمراقبة الحدود (مع تسهيلات بالدفع، لأن إسبانيا معنية بصورة خاصة بوضع حدّ للهجرة غير المشروعة إلى أراضيها من إفريقيا)، وفرقاطات، ومدرّعات خفيفة.
في أي حال، تحذّر المصادر التي تحدّثنا إليها من أن ليبيا تعتمد سياسة “تنويع الشركاء” من جهة، كما أنها تعوّل بالدرجة الأولى على العلاقة مع الولايات المتحدة. وبالمنطق القذّافي، فوضع ليبيا مريح لأن “أميركا فاتحة معنا” ولأنه “لا يوجد خطر على النظام”!
من جهة أخرى، فالوضع الليبي الداخلي يمكن أن يؤثّر على العقود الخارجية. فهنالك تذمّر واسع النطاق من حملات الـ”إزالة” الجارية في كل أنحاء البلاد، تحت شعار هدم القديم، أو ” الدمار ثم الإعمار”. ولا يقتصر التذمّر على الناس العاديين، بل إن مقرّبين من النظام يشكّكون في قدرة النظام على تنفيذ المشروعات الضخمة التي يتحدّث عنها، وبينها “ثاني أكبر مرفأ في العالم بعد سنغافورة”، وسكة حديد، وطرق سريعة.. مقابل هذه المشروعات، فإن ليبيا عانت من عجز بمقدار مليون طن من الخرسانة (الاسمنت) في سنة 2006 ، وتفتقر البلاد إلى المواد الخام والعمالة اللازمة لأعمال الإنشاء الجارية الآن.
وحتى من الناحية السياسية، فالنظام يشعر بقلق حقيقي من إعلان إنضمام الجماعة الليبية المقاتلة إلى “القاعدة”. ومع أن مصادر غربية شكّكت بأهمية هذه الإعلان، فإن النظام الليبي ينظر إليه بريبة شديدة لأن الوضع الداخلي السيّء يمكن أن يمهّد لعمليات إرهابية.
وعدا صراعات السلطة المعهودة، فقد وردت معلومات غامضة عن إستقالات في صفوف ضبّاط ينتمون إلى قبائل مهمّة، وأفادت المعلومات أن العقيد القذّافي يشعر بقلق إزاء هذه الإستقالات.
ماذا عن “حقوق الإنسان”، التي قال الرئيس ساركوزي، ونفى القذّافي، أن تكون على جدول أعمال الزيارة؟ الجواب، ببساطة، هو “لا شيء”. ليبيا تظلّ دولة بوليسية يقبع في سجونها مئات الأبرياء من “الإسلاميين المزعومين” الذين اعتقلوا بسبب وشايات كاذبة ولأسباب غير سياسية، ويستخدم النظام فيها حتى المقيمين الأجانب للتجسّس على مواطنيه. وقد تكون “الحَسَنة” الوحيدة لهذا النظام البوليسي هو أنه يمتصّ قسماً من البطالة الواسعة النطاق: فبعض المصادر تتحدّث عن 300 ألف مخبر في بلد تزعم سلطاته (وفي زعمها بعض المبالغة) أن عدد سكّانه 6 مليون نسمة!
الحصيلة الحقيقية لجولة القذّافي: عقود لا تتجاوز 5 مليار دولار و”قضايا حسّاسة” معلقةالحاجة إلى قفزة عقلية تناسب التطور التكنولوجي في فيلم (ما يعدل كل المخاوف The Sum of all fears) انفجرت قنبلة نووية في ستاد رياضي فجرها إرهابي سرقها من مستودعات الأسلحة النووية من الاتحاد السوفيتي الذي أصبح في ذمة التاريخ، وهي قصة تقول بالمخاطر التي تهدد الجنس البشري، ومع بزوغ الشمس المزدوج مع تجربة قنبلة البلوتونيوم 239 في صباح يوم 16تموز (يوليو) من عام 1945م كان إيذاناً بتحول نوعي في تاريخ القوة، وأصبح ولأول مرة في تاريخ الجنس البشري إمكانية إفناء الجنس البشري بالكامل، ولذا فإن أعظم تحد يواجه… قراءة المزيد ..