الدين العام الفعلي في لبنان بلغ 80 مليار دولار، على ما يؤكد الرئيس حسين الحسيني، باعتبار ان الجهات الرسمية المعنية تخفي تلك المبالغ التي لا تترتب عليها فوائد مالية كديون مستحقة للضمان الاجتماعي او البلديات والاستملاكات وغيرها من المستحقات المالية خارج الديون المصرفية ولا تضيفها الى الرقم المتداول: 65 مليارا.
في الأثناء لم تقرّ الموازنة العامة للعام 2012 بعد. ليس بسبب الخلافات السياسية بل لأنّ ما يتبقى من الموازنة هو 3 % منها بعد حسم فوائد الدين العام والرواتب وقيمة عجز مؤسسة كهرباء لبنان. هذه النسبة المتبقية يقع على كاهلها تسيير شؤون الدولة والادارة العامة وخطط التنمية، ما يعني أنّنا باختصار في حالة إفلاس غير معلن. ويواكب ذلك كله ضرب السلطة القضائية التي تحولت الى معطلة او مسيرة لمصالح اركان السلطة. وهو ما يحول دون الثقة بالاقتصاد وبالدولة وبالتالي هروب ما تبقى من المستثمرين.
والإفلاس ليس ماديا فحسب بل دستوريا وقانونيا وسياسيا. فبين العامين 1975 و1990، في أتون الحرب الاهلية اللبنانية، لم يصرف أي مبلغ من الخزينة العامة الا استنادا الى قانون. أما المال العام، منذ حرب تموز 2006، فيتم صرفه بخلاف القانون وبلا محاسبة.
الافلاس أمني ايضا. إذ لم يسبق ان مر على لبنان، حتى في الحروب وحضيضها، ان تمذهبت القوى الامنية الى الحد الذي نشهده اليوم، ولم يسبق أن تحولت الادارات العامة الى ما يشبه الاقطاعيات المذهبية والطائفية. وهذا سبب كاف وحده ليصيب الاهتراء الادارة العامة والمؤسسات العسكرية والامنية، وليجعل من الدولة كائنا هشّا يفتقد قدرة الجذب، لا بل يترافق مع هذه الهشاشة اعلاء غير مسبوق للمشاريع الطائفية والمذهبية وترسيخها في وجدان اللبناني وفي عقله.
وفوق ذلك تمت عملية سطو منظم ومستمرة على النقابات المهنية والعمالية، إلى حدّ انفلات المعايير التي جعلت من الاتحاد العمالي العام ضدّ العمال في معركة تصحيح الأجور الأخيرة.
“وحدة الصف الطائفي أو المذهبي” هو الخطاب الذي يظلل عملية انهيار الدولة. ففي 8 آذار 2005 كان الأمين العام لحزب الله (الشيعي) الخطيب الوحيد في وسط بيروت لشكر سورية، فيما دماء الرئيس رفيق الحريري لم تجف بعد… و14 آذار (السني – المسيحي) كان الرد على هذا السلوك وهذا الموقف. وتلاهما الاتفاق الرباعي الذي جمع الى حركة “أمل” و”حزب الله” كلا من “تيار المستقبل” و”الحزب التقدمي الإشتراكي” و”القوات اللبنانية”. وكان ان انتفض المسيحيون ضدّ تهميشهم في هذا الاتفاق واعطوا العماد عون اضعاف ما يمثل فعليا. وكان اتفاق الدوحة اثر احداث 7 ايار 2008 انتقال من الحلف الرباعي الى الحلف الخماسي بدخول العماد ميشال عون رسميا الى الشراكة في تقاسم السلطة وضرب الدولة.
وربما انتبه اللبنانيون إلى أنّ الحديث عن السيادة والاستقلال والدولة القادرة والقوية والعادلة، وما الى ذلك من شعارات كبرى استخدمت من قبل الجميع دون استثناء، كانت مترافقة مع استتباع، غير مشهود في مستواه، الى الخارج. فكما هبطت صورة الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز من علٍ لتغطي احد الابنية في وسط بيروت خلال الاحتفال بذكرى 14 آذار 2010 يوغل “حزب الله” في الاعلاء من شأن الولاء الديني والسياسي معا لسلطة ولاية الفقية والحكم القائم اليوم في ايران على حساب الولاء للوطن والدولة.
هل ثمة من يخطر في باله او عقله ان الانشداد الى هذه المرجعيات الخارجية، بهذا الشكل الفاضح والفج، يمكن ان يعيد إلى الدولة الجامعة والقوية مكانتها المفترضة في حياة مواطنيها؟ بل هل يمكن القول إنّ اطراف الحلف الخماسي، الذي يسيطر على الدولة والسلطة ويتقاسم المجتمع بالخوف والتخويف، تضع مصلحة الدولة فوق المصالح الخارجية؟ هل يشكك أحد بأنّ حجم الثروات الخاصة المالية والعقارية لاطراف هذا الحلف قد تضاعفت مع تراجع قيمة الثروة العامة والمشتركة؟
هو الاهتراء في الدولة ومؤسساتها يتم بقوة، مع خلل وعجز يصيب الجماعات اللبنانية يقول فيه الرئيس الحسيني التالي:
ليس عجز الجماعة وحدها او الفرد وحده بل عجزهما معا، والخلل انما هو خلل العلاقة بينهما لصالح طرف ثالث، دخيل او مغتصب، هو الزعيم الاوحد، او القائد الملهم، او الحاكم المطلق او الوسيط المفوض من الله والانسانية او الامة او التاريخ.
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
البلد