في هذا المقال الذي قام “الشفاف” بترجمته عن “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، يتحدث ضباط إسرائيل عن “لاعبين”: هم وإيران. اللبنانيون “خارج الصورة”!
*
تستعد قوات الدفاع الإسرائيلية للمواجهة المقبلة مع حزب الله، التي كادت أن تقع في الشتاء الماضي، بتكتيكات جديدة، بينها خلق منحدرات صخرية اصطناعية للحؤول دون عمليات التسلّل.
الوقت أواخر الصيف، وكل شيء هادئ على حدود إسرائيل الشمالية. في الجانب اللبناني، الحرّ الشديد يدفع الرعيان وقطعانهم للإحتماء بالظل. جنود الجيش اللبناني وجنود قوات الطوارئ الدولية، “اليونيفيل”، داخل مواقعهم، في حين يقوم عملاء حزب الله- أي من بقي منهم في جنوب لبنان، ولم يتم إرساله للقتال في سوريا- بجمع المعلومات عن الجانب الإسرائيلي.
وكان مجلس الأمن الدولي، بعد حرب لبنان الثانية، قد أصدر قراراً يحظر فيه على رجال حسن نصرالله التحرّك بصورة علنية قرب السياج الحدودي واستفزاز الجنود الإسرائيليين. وهم يحرصون على التقيّد بهذا القرار، في حين يستخدمون كل التكنولوجيا الجديدة التي وفّرتها لها إيران للحؤول دون دخول القوات الإسرائيلية إلى داخل الأراضي اللبنانية. وفي هذه الأثناء، فإنهم يحضّرون “مفاجآت” لإلحاق الضرر بإسرائيل في الحرب المقبلة- على غرار ما فعلت “حماس”.
وفي حين يغرق حزب الله في المستنقع السوري، ورغم اهتمامه الحقيقي بتجنّب الحرب مع إسرائيل، فإن قيادة الحزب دأبت خلال العام المنصرم على الإستعداد لحرب لبنان الثالثة وكأنها ستقع غداً. أما السبب، فهو قرار اتخذه نصرالله وضباط “قوة القدس” الإيرانية قبل حوالي السنة بتغيير استراتيجيتهم تجاه إسرائيل.
وتهدف هذه الإستراتيجية إلى ردع إسرائيل عن القيام بعمليات موضعية بين حين وآخر من إجل إحباط العمليات الإرهابية أو للحؤول دون تعزيز قوة حزب الله (هذه العمليات التي يسميها الجيش الإسرائيلي “معركة بين الحروب”). وهنا ينبغي أن نلاحظ أن القتال ضد إسرائيل يضفي على حزب الله الشرعية التي يحتاجها لتسليح نفسه وللقتال في سوريا.
وبناءً عليه، قرّر حزب الله و”قوة القدس” الإيرانية التعامل مع لبنان وسوريا باعتبارها جبهة واحدة بمواجهة إسرائيل والردّ على أية هجمات ذات مغزى يقوم بها الجيش الإسرائيلي، حتى لو أدى ذلك إلى تصعيدٍ يتسبّب بدمار واسع وبإصابات كبيرة على الجانبين.
وذلك ما كاد يحدث في شهر يناير ٢٠١٥. فقد حمّل حزب الله المسؤولية لإسرائيل في ضربة جوية قتلت ”جهاد مغنية” وآخرين كان بينهم جنرال إيراني. وأفادت أدلة ميدانية، ومعلومات إستخباراتية، أنه تم اتخاذ قرار بالقيام بعملية ثأرية.
وقد استعد الجيش الإسرائيلي، وكذلك حزب الله، لإمكانية أن يتسبّب الرد الثأري باشتباكات واسعة النطاق. وكان الميجور جنرال ”أفيف كوكابي”، قائد القيادة الشمالية لجيش الدفاع الإسرائيلي، منهمكاً بإعطاء أوامر للقيام بهجوم (إسرائيلي) مضاد ممكن حينما وردت أنباء الرد الثأري الذي قام به حزب الله. فقد أطلق الحزب قذائف مضادة للدبابات من لبنان باتجاه قافلة للجيش الإسرائيلي في ”جبل دوف”، مما أدى لمقتل جنديين في لواء ”غيفاتي”. وحالت أهبة الجنود وسرعة تحركهم دون وقوع خسائر إضافية.
وبناءً عليه، قرّرت قيادة الطرفين أنه تمت تسوية الحساب. ولكن قلة صغيرة من الإسرائيليين تدرك إلى أي حد كانت حرب لبنان الثالثة وشيكة عند ظهر يوم ٢٨ يناير ٢٠١٥.
وفي ظل مثل هذه الظروف، فمن الطبيعي أن العقيد ”ألون مادانيس”، قائد ”كتيبة السيف” الإسرائيلية، يعتبر أن الحدود اللبنانية تمثّل جبهة تتمتع بالهدوء الآن ولكنها يمكن أن تشتعل في غضون ساعات. وهو، على رأس كتيبته، مسؤول عن جبهة يعيش فيها ١٦٥ ألف إسرائيلي، وتضم ٥٥ بلدة.
حينما تجوّلنا بالسيارة قرب السياج الحدودي، أدركت أنه وكل ”القيادة الشمالية” يستعدون لحرب لبنان الثالثة ويعملون بصورة مكثّفة لتحضير العمليات الهجومية والدفاعية.
الحرب المقبلة
الأرجح أن الحرب المقبلة، ونتائجها، ستتقرّر من نواحٍ عدة انطلاقاً من الطلقة الأولى ومن توقيتها. ولكن، على العموم، سيكون على ”جيش الدفاع الإسرائيلي” أن يتعامل مع ثلاث معضلات رئيسية:
الأولى، هي إطلاق مقذوفات مرتفعة المسار أكثر عدداً ودقة، سوف تستهدف المدنيين، والمرافق العسكرية، والخدمات الأساسية، في كل أنحاء إسرائيل. ويتوقّع أن يصل عددها إلى ١٢٠٠ رأس حربي في اليوم، وأن تتسبّب بدمار وخسائر كبيرة إلى أن يتمكن الجيش الإسرائيلي من وضع حدّ لعمليات اطلاقها.
إن الخسائر في الأيام الأولى للحرب المقبلة ستتضاءل إذا كان نظام “مقذاف داوود” الذي صُمّم لاعتراض صواريخ مداها يفوق مدى الصواريخ التي يعترضها نظام “القبة الحديدية” دخل طور العمل عند نشوب الحرب. لكن ذلك لن يحول دون وقوع خسائر وإصابات.
المعضلة الثانية تتمثل في محاولات القوات الخاصة في حزب الله لدخول أراضي إسرائيل من أجل احتلال بلدات، أو خطف رهائن، أو عرقلة طرق مواصلات رئيسية في الشمال. وسيكون هدف حزب الله من ذلك هو إحباط المخطط التكتيكي للجيش الإسرائيلي، وخصوصاً تقدّم القوات الإسرائيلية داخل أراضي لبنان، علاوة على تحقيق ضربة دعائية لم ينجح أعداء إسرائيل في تحقيق مثلها منذ العام ١٩٤٨. وكان نصرالله قد ألمح منذ ٢٠١١ إلى أن حزبه ينوي ”غزو الجليل”، كما عاد للحديث عن ذلك بصراحة في الآونة الأخيرة.
المعضلة الثالثة هي السيل الكثيف من قذائف الهاون ومن الصواريخ قصيرة المدى المُصمَّم لإيقاع إصابات على نطاق واسع ودمار كبير في المستوطنات المجاورة للحدود. وقد تعلّم حزب الله درساً من تكتيكات ”حماس” في آخر مرحلة من ”عملية الجرف الواقي”، حينما اكتشف أن وقت الإنذار الذي يتلقاه المدنيون في المستوطنات القريبة من الحدود لا يكفي دائماً للتوجّه إلى الملاجئ. وهو ينوي الإستفادة من ذلك لرفع عدد الإصابات بين المدنيين من أجل ضرب المعنويات والتسبب بنزوح واسع من المستوطنات.
إن الجيش الإسرائيلي يملك حلولاً لكل التهديدات الحقيقية. وتشمل حلوله وسائط وخططاً هجومية بعضها يمكن أن يُفاجئ حزب الله، ووسائط وخطط دفاعية، علاوة على مجموعة من إجراءات الدفاع المدني التي صُمِّمَت لإحباط مخططات حزبالله في جميع الميادين.
وهنالك نقطة أساسية ينبغي استيعابها: وهي أن الجيش الإسرائيلي يعطي الأولوية للتكتيكات الهجومية التي ترمي إلى وقف إطلاق صواريخ حزب الله ضد الجبهة الداخلية في إسرائيل، وللحؤول دون أي تسلّل إلى أراضي إسرائيل. وستجري مناورات وتحركات كبيرة وسريعة لقطعات كبيرة من الجيش الإسرائيلي داخل أراضي لبنان، كما سيتم قصف ألوف الأهداف في كل أنحاء لبنان على مدى أيام. وسيُمثِّل ذلك المجهود الرئيسي لجيش الدفاع الإسرائيلي، ولكن ستكون هنالك عمليات أخلاء لبعض البلدات.
إن واحدة من الصعوبات الكبرى التي تتوقعها قيادة الجيش الإسرائيلي في الحرب المقبلة تتمثّل في الجانب النفسي: كيف يمكن أن نشرح للجمهور الإسرائيلي أن حزب الله ربما يكون قادراً على التغلغل داخل أراضي إسرائيل لبضع ساعات قبل طرده منها. وتلك هي طبيعة الحرب التي تسمح لكل جانب أن يحقق نجاحات وخسائر على أن يتم حساب المحصلة النهائية عند توقف الحرب. ولكن الحرب الأخيرة في غزة أثبتت أن الجمهور الإسرائيلي ليس مستعداً لقبول وضع يحقّق فيه العدو أي نجاح، حتى لو كان نجاحاً مؤقتاً.
تحضير الجمهور
وتشمل الإستعدادات الدفاعية ما يسمى ”العَقَبة”. وهي عبارة عن جُرف صخري يقوم الجيش الإسرائيلي بحفره في المنحدرات الجبلية المجاورة للمستوطنات الحدودية. ويقول العقيد ”مادانيس” أن ”الهدف هو إزالة الميزات التي توفّرها للعدو التضاريس الجبلية السحيقة وكثافة الأشجار”.
يضيف العقيد أن “حزب الله ليس بحاجة لأنفاق” مع اعترافه بأنه لا يستطيع أن يؤكد أنه لا توجد أنفاق تخترق الحدود في قطاعه. ولكنه يعتقد أنه أمر مشجّع أن الإستخبارات لم تكشف حتى الآن عن وجود أي نفق.
أما بالنسبة لـ”العَقَبة” فهو أكثر جزماً.
ويقول: ”إن وعورة التضاريس وكثافة الأشجار تصل حتى المنازل النائية في البلدات الإسرائيلية وتوفّر للعدو أماكن يمكن أن يختبئ فيها مثل أنفاق غزّة. إن حفر هذه المنحدرات سوف يغيّر الوضع. فهو لن يجبرهم فحسب على تسلّق عدة متار من جدار حاد التضاريس، بل وسيجعلهم مكشوفين لوحدات المراقبة التي ستشاهدهم بسهولة إزاء اللون الأبيض للصخور”.
ويأمل العقيد ”مادانيس” أن تسمح الحرب المقبلة، بفضل الإستعدادات المتواصلة التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي، بتحقيق نتائج أكثر حسماً لصالح إسرائيل من النتائج التي حققتها ”حرب لبنان الثانية”.
وهو يدرك أن حزب الله يكتسب الآن خبرات مهمة في سوريا، ولكنه يعتقد أن الفجوة بين الحزب اللبناني والجيش الإسرائيلي تزداد اتساعاً لصالح إسرائيل. ويقول بتأنٍ: ”حزب الله يخاف منّا، أكثر مما نخاف منه”.