“في 13 تموز/يوليو 2010 خاطب باراك سلموني وكريستوفر بوسيك والسيدة إيبريل لونغلي آلي، منتدى سياسي خاص على مأدبة غداء استضافها معهد واشنطن. وعملت الدكتورة آلي كخبيرة في شؤون اليمن لـ “فريق التقييم في القيادة المركزية الأمريكية” برئاسة الجنرال ديفيد بتريوس و[فريق] تقييم الصراع التابع لـ “الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية”، وتعمل حالياً باحثة مشاركة في “مركز الدراسات الإستراتيجية التطبيقية” في “جامعة الدفاع الوطني”. وفيما يلي ملخص المقرِّر لملاحظاتها حول التهديد الذي تشكله الحركة الإنفصالية في الجنوب للحكومة اليمنية. وسوف تُنشر ملاحظات كل من السيد سلموني والسيد بوسيك في النشرتين السياسيتين التاليتين: 1681 و 1682″.
تشكل الحركة [الإنفصالية] في جنوب اليمن تهديداً وجودياً وإقليمياً لحكومة الرئيس علي عبد الله صالح، بل وحتى الإنفصال الجزئي قد يعجل بانهيار الدولة اليمنية الواهنة لأن تركز أصول النفط والغاز والموانئ في الجنوب يُعدّ مصدراً حيوياً للدخل.
وتعتبر مناقشة [موضوع] الحركة الإنفصالية إشكالية في حد ذاتها، لأن الأحداث على أرض الواقع قد تغيرت بسرعة، ومن الصعب على الأكاديميين والصحفيين إجراء البحوث هناك. ومع ذلك، يقدم العمل الميداني والتقارير الصحفية العربية الأخيرة نظرة ثاقبة عن تاريخ الحركة، مع التأكيد على المظالم الكامنة، والعنف، والإتجاهات الحاسمة في فهم الديناميات في اليمن وتأثيرها على وحدة البلاد واستقرارها.
الخلفية
يرتكز الإنفصاليون فيما كان معروفاً باسم “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية”، وهي الدولة الماركسية التي كانت قائمة في الجنوب قبل إعادة توحيد البلاد عام 1990. وقد أدى الإستياء من إعادة التوحيد المتسرع إلى اندلاع حرب أهلية قصيرة عام 1994، انتصرت فيها القوات الشمالية. ولا تزال المظالم الجنوبية مستمرة منذ ذلك الحين.
وقد بدأت العودة الحالية للحركة [الإنفصالية] في جنوب اليمن في ربيع عام 2007، عندما احتجت مجموعة من العسكريين المتقاعدين من جيش “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية” على المعاشات التقاعدية غير الكافية والتسريح الإجباري من الجيش. وفي عام 2008، انتشرت النشاطات إلى الجنوبيين الآخرين الساخطين الذين أرادوا زيادة في فرص الحصول على الخدمات والوظائف الحكومية، وتحسين سيادة القانون، وإدارة أفضل للموارد، بالإضافة إلى تحقيق اللامركزية الإقتصادية والسياسية.
وقد وعدت الحكومة مراراً وتكراراً القيام بأعمال الإصلاح لكنها فشلت في تحقيقها. ونتيجة لذلك، تحولت الأفكار المفاهيمية للحركة الجنوبية من دعوات للإصلاح إلى مطالب بالإستقلال. وتميل الإحتجاجات الآن إلى الحدوث في تواريخ رمزية مثل: يوم الوحدة الوطنية، واندلاع القتال ضد البريطانيين، وخلال تشييع الشهداء. وفي الوقت نفسه، وثق تقرير “لجنة حقوق الإنسان” من عام 2009 قيام القوات الحكومية بإطلاق النار على مدنيين عزل، وحالات قتل واعتقالات غير قانونية، وقيام قوات الأمن بقمع وسائل الإعلام وحرية التعبير، مما أفرز مناخاً من الخوف والمرارة والإحساس بالغربة. وقد أدى رد فعل الحكومة القمعي على الإحتجاجات إلى زيادة شعور الجنوبيين بالغربة، وأشعل غضب كوادر المقاومة داخل الحركة الإنفصالية.
تزايد العنف
منذ وقف إطلاق النار مع المتمردين الحوثيين في الشمال في شباط/فبراير 2010، ركزت الحكومة اليمنية انتباهها على الجنوب، وحولت له الموارد العسكرية لاحتواء الإضطرابات المتنامية في تلك المنطقة. إلا أن إستراتيجية صنعاء القمعية المتمثلة بسياسة “فرق تسد” [لم يكن لها أي دور] سوى جعل حركة الجنوب أكثر قوة، مما أدى إلى قيام أعمال عنف انتقامية ربما تتطور إلى حركة تمرد ناشئة. ويتزايد العداء بصورة مستمرة بين الشماليين والجنوبيين، فالجنوب منشغل بإشاعات عن قيام هجمات عسكرية من قبل أعضاء ميليشيا ولجان أمن من كلا المعسكرين، مع وجود تيار خفي من التوتر — لكنه ملموس — يمكن الشعور به في عدن، كبرى مدن المنطقة والعاصمة السابقة لـ “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية”. ويعني قيام درجات متفاوتة من الإحباط والنفور أن كثيرين من الجنوبيين — وليس فقط المتطرفين من المجموعات المهمشة — يعيدون النظر في قيمة كونهم جزء من اليمن.
وقد تم توثيق بعض أعمال العنف في الجنوب توثيقاً جيداً. فعلى سبيل المثال، تظهر بيانات تقرير “مسح الأسلحة الخفيفة” من عام 2008 قيام إحدى وعشرين حالة من العنف السياسي في محافظة “لحج”، وإحدى عشرة حالة في محافظة “أبين”، وخمس عشرة حالة في محافظات جنوبية أخرى في العام نفسه. ويبدو أن مثل تلك الحوادث قد ازدادت بصورة كبيرة في 2009-2010؛ وقد تجلّى هذا الإرتفاع في العنف بصورة واضحة في محافظتي “الضالع” و”لحج”، عندما لجأت الحكومة الفيدرالية إلى استعمال الأسلحة الثقيلة للحد والقضاء على المقاومة العسكرية الجنوبية. وكلا المحافظتين مشهورتان بصعوبتهما حيث عانى البريطانيون في السيطرة عليهما في فترة ما قبل الإستقلال، ومن المرجح أن يُظهر العسكريون الجنوبيون قدراً كبيراً من القوة المتواصلة. ورغم أن حلاً عسكرياً للمشكلة غير ممكن، فمع ذلك، ربما تجد الحكومة نفسها مضطرة للقيام بحملة عسكرية أخرى واسعة الموارد ومفتوحة النهاية في الجنوب.
وصف ملامح الحركة
يمكن وصف الحركة [الإنفصالية] في جنوب اليمن بأنها ظاهرة شعبية تشمل ممثلين يعانون من المظالم المحلية، لكنها غير منظمة في جوانب رئيسية. فقيادتها ممزقة بين الشخصيات المحلية والأخرى المنفية، مع وجود خمسة مجالس مختلفة تدعي التحدث باسمها. بالإضافة إلى ذلك، ما تزال التوترات قائمة منذ اندلاع قتال داخلي مميت في الجنوب عام 1986. ويمكن رؤية الإنقسامات على طول الخطوط الإقليمية والقبلية وبين الجماعات الريفية والعدنيين، بينما تظهر خلايا عسكرية مهلهلة في هيكلها، قيام جيل جديد من القادة الأصغر سناً.
ومما لا يثير الدهشة أن الحركة منقسمة حول كيفية تحقيق الإستقلال وليست لديها خطة للحكم فيما بعد. كما ليست لديها قدرة عسكرية كافية لدحر الحكومة الفيدرالية لكنها ربما تستطيع القيام بحرب عصابات واسعة النطاق. كما يمكن أيضاً أن يحاول المقاتلون في الجنوب تجنيد مناصرين خارجيين.
وفي 2009، ألقى تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» بدعمه الخطابي وراء الحركة، لكن سرعان ما رفض الإنفصاليون الجنوبيون هذا الدعم. وبينما تختلف أهداف وإيديولوجيات تنظيم «القاعدة» والحركة الجنوبية، يمكن تصور حدوث تعاون تكتيكي في بعض المناطق. وكما ادعى مقاتل جنوبي، بإمكان انحياز الحركة لصالح “إيران أو تنظيم «القاعدة» أو حتى الشيطان” من أجل تحقيق أهدافها. وعلى الرغم أنه ربما لا يكون هذا الرأي منتشراً على نطاق واسع، إلا أنه يلمح إلى تظافر الجهود والتحالفات الخطيرة التي يمكن أن تتطور على رابطة الصراعات المتداخلة في اليمن.
الخاتمة
تفاقم الصراع في الجنوب بمرور الزمن — بصورة مشابهة لما حدث في المعركة مع الحوثيين — ولا يمكن القضاء عليه عسكرياً. فلم تبقى للحكومة سوى فرص محدودة للتعاطي مع الحركة بطريقة بناءة. وعلى الرغم من أن مثل هذا التواصل يحمل في طياته فرصاً للنجاح في إطار الحوار الوطني في اليمن، إلا أن صنعاء تفقد المصداقية المطلوبة للإصلاحات من جانب واحد، وقد تكون هناك حاجة لوساطة من قبل طرف ثالث. وتستخدم الحكومة القمع العسكري بطريقة متزايدة لاحتواء الإضطرابات. بيد، لم يؤدي العنف ضد المتظاهرين المدنيين سوى إلى توسيع الدعم للإنفصال، وتضييق مساحة التسوية.
ولم يعد بالإمكان الدفاع عن الوضع الراهن أو الإستمرار فيه. إن الإصلاح السياسي والإقتصادي هو الذي بإمكانه فقط حل القضية – وهو نهج سيتطلب تقديم تنازلات حكومية جدية، وقدراً أكبر من المساءلة، وإدارة أفضل للموارد والأراضي، وتقاسماً للسلطة من خلال قيام تعديلات فيدرالية.