أصبحت الجماعات الجهادية تشكل تهديداً كبيراً في مصر بسبب ثلاثة تطورات: المناخ المتسامح للتعبئة الإسلامية بشكل عام منذ الاطاحة بحسني مبارك في شباط/فبراير 2011، وتساهل جماعة «الإخوان المسلمين» الحاكمة تجاه زملائها من الإسلاميين، وضعف الدولة المصرية. وللمساعدة على كبح العنف الذي تمارسه هذه الجماعات، ينبغي على واشنطن أن تتقرب إلى القاهرة من خلال مجموعة من الحوافز الاقتصادية والضغط الدبلوماسي وتبادل المعلومات الاستخباراتية.
الجماعات الجهادية الرئيسية ورموزها
عقب ثورة 2011 منح المجلس العسكري — الذي حل محل مبارك — عفواً للعديد من الإسلاميين، من بينهم أشخاص تلطخت أيديهم بالدماء. وقد أعلن الكثير من أولئك الرموز عن نبذهم للعنف، وبعضهم أسس أحزاباً سياسية، لكن هناك البعض الآخر الذين لم يتغيروا تماماً. وتعمل تلك الفئة الأخيرة التي لم تنتهج مسار الإصلاح على إضفاء التطرف على المشهد السياسي الداخلي في مصر وتهديد مصالح الولايات المتحدة.
وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى اثنتين من جماعات “أنصار الشريعة” المصرية، التي تشبه تسميتها أسماء جهات جهادية إقليمية أخرى. الأولى هي “جماعة أنصار الشريعة في مصر”، التي تأسست في منتصف تشرين الأول/أكتوبر 2012، وتركز على “الإصلاح” الداخلي، بما في ذلك تطبيق الشريعة وتعويض شهداء الثورة وتطهير القضاء والإعلام والسماح بإطلاق ضباط الشرطة للحاهم وعدم الاعتماد على الربا في المعاملات المالية. وعلى غرار أنشطة جماعات “الأنصار” في تونس وبنغازي في ليبيا، تدير “جماعة أنصار الشريعة في مصر” خدمات مجتمعية محلية مثل توزيع الأضاحي أثناء إجازة عيد الأضحى وتوفير الغذاء للمحتاجين.
وعلى النقيض من ذلك تأتي جماعة “الطليعة السلفية المجاهدة – أنصار الشريعة” التي تأسست هذا الشهر لكن تم الإعلان عنها رسمياً في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر، لتمثل توجهاً يكتسي بمزيد من الصبغة العالمية. ويدير الجماعة أعضاء سابقون في جماعة “الجهاد الإسلامي المصرية” التي تنشر بياناتها الصحفية على منتديات إلكترونية تابعة لـ تنظيم «القاعدة»، وهي تؤكد على تحرير أراضي المسلمين المحتلة من قبل الأجانب ودعم المجاهدين الأجانب ومقاومة الأيديولوجيات الأجنبية الليبرالية والشيوعية وإبطال تطبيق القوانين العلمانية القادمة من أوروبا ووقف “تنصير” التعليم المصري. وعلى عكس “جماعة أنصار الشريعة في مصر”، لا تعلن “الطليعة السلفية المجاهدة – أنصار الشريعة” عن أي خدمات اجتماعية تتولى تقديمها؛ وقد تركز الكثير من ظهورها العام منذ الاطاحة بمبارك على مقالات وكتب وفتاوى تتعلق بالمرحلة الانتقالية في مصر.
وفي غضون ذلك، فإن ظهور رمز “حركة الجهاد الإسلامي المصرية” السابق محمد الظواهري، شقيق زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري، قد منح هذه الجماعات مظهراً عاماً. يُشار إلى أن الظواهري كان قد أُطلق سراحه من السجن في آذار/مارس 2012، ويعمل منذ ذلك الحين على الترويج للرؤية الجهادية العالمية من خلال إجراء مقابلات صحفية محلية ودولية. ورغم أنه ينكر كونه عضواً في تنظيم «القاعدة»، إلا أنه يتفق مع رؤيتها الأيديولوجية، وعمل من خلال موقع التدوين القصير “تويتر” على التحريض على احتجاجات 11 أيلول/سبتمبر العام الماضي التي جرت خارج السفارة الأمريكية في القاهرة والتي وصلت ذروتها باختراق جدران المجمع وتدنيس العلم الأمريكي. كما تعاون مع رئيس “الطليعة السلفية المجاهدة – أنصار الشريعة” أحمد عشوش في التخطيط لمشاركة الجهاديين السلفيين في مظاهرة في مطلع تشرين الثاني/نوفمبر دعماً للشريعة. وفي كانون الأول/ديسمبر شجّع على مقاطعة الاستفتاء على الدستور وانتقد “الأخطاء في حق الشريعة” التي ارتكبتها جماعة «الإخوان» وزعم أن الميثاق الجديد ليس إسلامياً بما فيه الكفاية.
وفي حين أن لهذه الجماعات والشخصيات عدد قليل من الأتباع فقط – كما يتضح من معدلات الإقبال الضعيفة في احتجاجاتهم التي تقع بين الحين والآخر في “ميدان التحرير” — إلا أن هناك مخاطر كبيرة من أن يكسبوا أتباعاً جدد خلال الأشهر القادمة. فالانفتاح النسبي في مصر في مرحلة ما بعد مبارك أتاح لهم فرصاً غير مسبوقة لإقناع الآخرين بآرائهم. وعلاوة على ذلك، يرجح أن يكسبوا أتباعاً على حساب الأحزاب السياسية السلفية، التي قد يخيب أمل أعضاؤها بالعملية السياسية التي يعتبرونها فعلياً “شراً لا بد منه”.
كما أن تدهور الوضع الأمني الداخلي في مصر سوف يمنح الجهاديين المزيد من الفرص لتجنيد أعضاء جدد. بالإضافة إلى ذلك، أن عدم الاستقرار في سيناء يمكن أن يوفر لهم أيضاً أرضاً جديدة للتدريب، مما يسمح لهم بالعودة إلى مجتمعاتهم في وادي النيل وهم مسلحون بمهارات متطورة جديدة للهجوم على المدنيين أو الدولة. وفضلاً عن ذلك، يمكن أن يؤدي عدم الاستقرار في شمال سيناء والهجمات ضد إسرائيل إلى تعرض معاهدة السلام الثنائية للخطر.
رد القاهرة
لم تفعل الحكومة المصرية سوى القليل حتى الآن لتحجيم ظهور الجهاديين. وفي حين لا يرغب الجيش ولا جماعة «الإخوان المسلمين» في ظهور الجماعات الجهادية، إلا أن كليهما يخشى من التداعيات السياسية الداخلية التي قد تنشأ عن تحديهم بشكل مباشر؛ وتخشى «الجماعة» على وجه الخصوص من أن تصب مواجهة زملائها الإسلاميين في صالح منافسيها من السلفيين. كما يرى الجيش أيضاً أن المشكلة هي قضية تخص الشرطة التي تتحمل عنها وزارة الداخلية المسؤولية في المقام الأول.
ولم يتم حتى الآن تنفيذ سوى عدد قليل جداً من الاعتقالات المرتبطة بتهريب أسلحة الجهاديين عبر مصر إلى سيناء. فعمليات الحكومة في شبه الجزيرة نفسها لم تحدث فارقاً يُذكر، حيث يزعم البعض أن العديد من الأفراد الذين قُتلوا أو اعتُقلوا كانوا في الواقع من رجال القبائل البدوية، وليسوا من الجهاديين. وعلاوة على ذلك، إذا صحت التقارير بأن “شبكة الجمل في مصر” لها صلة بهجوم العام الماضي على المجمع الدبلوماسي الأمريكي في بنغازي، فإنه لم يُبذل أي جهد للتحقق من ذلك الزعم أو مساعدة واشنطن على محاكمة هؤلاء الأشخاص. كما عجزت القاهرة عن التحقيق في طبيعة العلاقة بين محمد الظواهري وأخيه. إن هذه الأسئلة قد تساعد كثيراً في الوصول إلى فهم أفضل للنوايا والصلات العابرة للحدود للجهاديين في مصر.
التوصيات السياسية
لكي تواجه واشنطن مشكلة الجهاديين الوليدة في مصر ينبغي عليها الاستعانة بأدوات مختلفة للتعامل مع مختلف الجهات الفاعلة — وتحديداً التفكيك [التسريح من الأعمال الجهادية] وتبادل المعلومات الاستخباراتية وإتاحة الفرص الاقتصادية. أولاً، يجب على الولايات المتحدة أن تعمل من خلال جماعة «الإخوان المسلمين» على التشجيع على تنفيذ برنامج تفكيكي لاستيعاب الجهاديين وإدخالهم في العملية الدبلوماسية. ويقيناً، إن مصر لا تملك الأموال الكافية لمحاكاة السعوديين في هذا الصدد، والذين تمكنوا، من بين أمور أخرى، “إعادة برمجة” المتطرفين من خلال توفير المال والسكن والزوجات. غير أن باستطاعة مصر اعتماد جانب واحد من البرنامج السعودي، ألا وهو: استخدام العلماء المعتدلين من “الأزهر” لإقناع الجهاديين بخطأ تفسيراتهم لمصادر إسلامية محددة. يجب أيضاً أن يكون كبار أعضاء “الجماعة الإسلامية” الذين تخلوا عن العنف في أواخر التسعينيات، جزءً من تلك المناقشات، فضلاً عن أعضاء منظمة “الجهاد الإسلامي المصرية” التي قبلت مراجعات “الجماعة الإسلامية”.
ولن تظهر هذه السياسة بالضرورة نتائج فورية، لكنها قد تمنع المزيد من نمو الحركة الجهادية كما قد تُبعد الأفراد من أصحاب الثبات الأيديولوجي الضعيف. ويمكن حينها إعطاء الجهاديين المسرّحين وسائل مشروعة لبث شكواهم. وسوف يكون الهدف هو استنساخ حالة “الجماعة الإسلامية” والفاعلين السابقين في “جماعة الجهاد الإسلامي المصرية” الذين أسسوا أحزاباً سياسية أو انضموا إلى أحزاب سياسية. وسوف يحظى الجهاديون الذين يقبلون هذا المسار على بداية جديدة، في حين سوف يوضح لأولئك الذي يرفضونه بأنهم سيواجهون العواقب: ويشمل ذلك تعقبهم من قبل أجهزة الاستخبارات واعتقالهم لو صدرت عنهم أي مؤشرات على قيامهم بالتخطيط للقيام بأعمال عنف داخل مصر أو خارجها.
ثانياً، ينبغي على واشنطن أن تنسق [خطواتها] مع إسرائيل لتوفير المعلومات الاستخباراتية إلى السلطات المصرية من أجل مساعدتها على تحديد الجهاديين ومراقبتهم. وعلى الرغم من أن العديد من الجهاديين لم يتورطوا في أعمال عنف منذ إطلاق سراحهم من السجون، إلا أن القدرة على إغلاق شبكاتهم بسرعة أصبحت حتمية في ضوء احتمالية عودتهم إلى تلك الأنشطة في المستقبل. كما أن وضع خطط لشبكاتهم سوف يساعد في تقرير مدى إسهام الجهاديين في وادي النيل في عدم استقرار سيناء. وفي حالة قيام القاهرة باعتقال أولئك المشتبه بهم، فيجب أن تحاكمهم بموجب سيادة القانون. وتشارك مصر حالياً في رئاسة [مجموعة العمل الخاصة بقطاع] القضاء الجنائي وسيادة القانون ضمن “لجنة المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب”، لذا يجب على شركائها في تلك الهيئة أن يزودوها بالإرشادات بقيادة الولايات المتحدة.
ثالثاً، كمنهج طويل الأجل ينبغي على واشنطن العمل مع القاهرة لتوفير فرص اقتصادية للمناطق المحرومة. وهذا من شأنه أن يقوض الفكرة بأن أي نظام غير جهادي هو “نظام غير عادل”، كما سيعمل على استيعاب الأفراد الذين يتسم دعمهم للجهادية السلفية باللين. ويمثل ذلك أهمية خاصة في سيناء حيث إنه قد يحول دون التجنيد المحتمل للأفراد المتورطين في شبكات التهريب. ويمكن أن تشمل التدابير المحددة بناء الطرق في المناطق المهملة وإنشاء شبكات الجوال والاتصالات وإقامة مناطق صناعية جديدة وفتح مرافق تعليمية وصحية جديدة ومنح المحليين فرصة المشاركة في قطاع السياحة بدلاً من توفير الأرض والعقود للمصريين في المناطق الرئيسية للبلاد [غرب قناة السويس]، الذين هم من أصحاب العلاقات مع الحكومة.
ولكي ينجح هذا المنهج القائم على ثلاثة أجزاء، يجب على واشنطن أن تقنع القاهرة أن ذلك يخدم أفضل مصالح مصر. كما ينبغي على الولايات المتحدة أن توفر حوافز اقتصادية ودبلوماسية فضلاً عن استخدامها للعراقيل. على سبيل المثال، إذا لم تتعاون القاهرة يجب عدم السماح للرئيس محمد مرسي بزيارة البيت الأبيض؛ وإذا — مع ذلك — اتخذت الحكومة المصرية إجراءات متسقة بمرور الوقت، فينبغي أن يفكر الرئيس أوباما في القيام بزيارة رسمية لمصر. وفضلاً عن ذلك، في حالة عدم رغبة جماعة «الإخوان» أو الجيش في العمل مع واشنطن حول هذه القضايا، أو إذا واصل مرسي الدعوة للإفراج عن الإرهابي المُدان عمر عبد الرحمن، فيتيعين على الولايات المتحدة أن تعلق المساعدات التي توفرها أو تسحبها أو تغير مقدارها. ونظراً لمدى أهمية المشكلة الجهادية لكل من مصالح مصر والولايات المتحدة، فينبغي أن تكون عنصراً مركزياً في العلاقات الثنائية.
هارون ي. زيلين هو زميل ريتشارد بورو في معهد واشنطن.