كان الجنرال مايكل فلين، 58 عاماً، أحد أبرز مستشاري الرئيس دونالد ترامب للسياسة الخارجية إبان حملته الإنتخابية. وقد تم تداول إسم الجنرال المتقاعد، الذي شغل منصب مدير الإستخبارات العسكرية (“دي آي أي”) بين 2012 و2014، لعدة مناصب في الإدارة الجديدة: وزيراً للدفاع، أو مديراً لـ”السي آي أي”، أو لمنصب “مستشار الأمن القومي” في البيت الأبيض. وفي إطار فيلم وثائقي بعنوان “بشار: أنا أو الفوضى”، فقد أجرى معه الصحفي “أنطوان فيتكين” المقابلة التالية في 26 مايو في واشنطن، وهي منشورة في جريدة “لوموند” الفرنسية.
كنت على رأس الإستخبارات العسكرية في 2012، ثم استقلت في العام 2014. ماذا كان خلافك مع إدارة أوباما؟
في سوريا، لاحظنا منذ وقت مبكّر أن الجهاديين الأجانب بدأوا يتدفقون من جميع الجهات. وكنت قد أمضيت 10 سنوات في القتال ضد هؤلاء، في العراق، وفي أفغانستان، وفي شرق إفريقيا، وفي شمال إفريقيا… ولكن أحداً لم يرغب في التنبّه لذلك. لقد اختارت إدارة أوباما أن تتجاهل تحذيراتي، لأنها لم تكن تنسجم مع الرواية التي كانت تلك الإدارة تريد تقديمها للناس. فقد صادف أن أميركا دخلت حينها في سنة انتخابات رئاسية: وكان بن لادن قد قُتِل، وباتت “القاعدة” في حالة انهيار تام…
ألا يتحمّل الرئيس السوري، بشّار الأسد، مسؤولية في الوضع الراهن؟ لقد امتنع عن مقاتلة “الدولة الإسلامية”، وأطلق الجهاديين من السجون….
الأسد ديكتاتور وحشي. لقد استخدم الأسلحة الكيميائية ضد شعبه! وارتكب كل الأخطاء الممكنة. وفي سنة 2011، بدل أن يقبل بإجراء إصلاحات، فقد سحق المظاهرات وأطلق شرارة الحرب الأهلية. ومن الجهة الأخرى، كان الثوّار ماكرين، ويمتلكون كفاءات عسكرية وموارد مالية. وحينما ارتكب الأسد أخطاءه، فقد استفادوا منها، وبدأ جميع المتطرفين بالتدفق على البلاد، بالألوف في كل شهر.
الإسلام هو المشكلة
لقد تشكّلَ شرق أوسط جديد في السنوات الأخيرة. ستنشأ حدود جديدة، وستقوم مزيد من الحروب. وسيستمر ذلك الوضع في التأثير على أوروبا. ينبغي مواجهة تلك المشكلات مواجهة جماعية. ينبغي على المسؤولين العرب أن يتحملوا مسؤولياتهم. لم يعد باستطاعتهم أن يخفوا وجوههم وأن يتظاهروا بأن ذلك لا يعنيهم، وأن يفرحوا لأن الجهاديين يرحلون إلى أوروبا بدل العودة إلى بلادهم الأصلية.
إن لدينا مشكلة كبرى، لاي يرغب أحد في الإعتراف بها، لأن ذلك ليس مقبولاً سياسياً: إنها الإسلام! ذلك الدين يمثّل مشكلة. أنا لا أتحدث عن العالم الإسلامي، ولكن عن الإسلام نفسه. إن على العالم العربي أن يصفّي الإيديولوجية السياسية التي تُسمّى “الإسلام”!
ربما تقصد الإسلاموية (الإسلام السياسي)؟
نعم! الإسلاموية! لندرس “محمد”! وعندها سنفهم كيف بدأ هذا كله! خلال عصرنا هذا، ينبغي أن نخرج من ذلك كله. ذلك سيستغرق وقتاً، ربما عشرات السنين. وإذا لم نفعل، فستظل هنالك حروب لا تتوقف!
بعد الهجوم الكيميائي في سنة ٢٠١٣، لم يتدخّل الرئيس أوباما عسكرياً ضد الأسد….
كان ذلك قراراً رهيباً. كان أول خطأ ارتكبه هو إعلانه أن لدينا “خطّاً أحمر”. فكلامه عن الخط الأحمر وضعه موضع الإختبار. كان قرار عدم التدخّل خطأً، وتسبب لنا بفقدان المصداقية، في الشرق الأوسط وفي أنحاء العالم.
هل كان يمكن للتدخل العسكري الأميركي أن يؤدي إلى تغيير النظام في دمشق؟
نعم، كان تدخّلنا سيدمّر النظام السوري. وكان ذلك سيوجّه رسالة قوية لجميع الحكام الديكتاتوريين الراغبين في خرق القوانين الدولية. لم يكن ينبغي لنا أن ندع الأسد يُفلِت من العقاب.ولكن السؤال الحقيقي هو: ماذا تفعل بعد ذلك؟ ينبغي أن نعود إلى أصل تواجد القوات الغربية في الشرق الأوسط: في ٢٠٠١ (غزو أفغانستان)، وفي ٢٠٠٣ (غزو العراق).
لقد تم ارتكاب أخطاء دراماتيكية.وكان أبرزها عدم قدرتنا على فهم الناس الذين جئنا لمساعدتهم. لقد حاولنا أن نفرض قِيَمّنا، ونمط عَيشِنا، وحاولنا أن نقوم بما يُسمّى “بناء الأمم” بدلاً من الإكتفاء بقتال العدو، والخيار لأهل تلك البلاد لاختيار الدولة التي يريدونها.
كنت قد عرضت أن من الخطأ تقديم العون للثوّار السوريين، ثم انتقدت الرئيس أوباما لأنه لا يرغب في التورّط بتغيير النظام في سوريا. ألا تناقض نفسك؟
كان ينبغي أن نطرح ذلك السؤال قبل الذهاب إلى أفغانستان، وإلى العراق، وإلى ليبيا، وقبل أن تتحوّل تلك البلدان إلى كوارث. ذلك لا يعني أن علينا أن نمتنع عن الإطاحة بالحكام الديكتاتوريين الذين يذبحون شعوبهم، أو عن القتال ضد جماعات مثل الدولة الإسلامية.
هل تعتبر أن حرب التحالف الدولي ضد “داعش” فعّالة؟
إنها حرب دون المستوى المطلوب. إذا لم تكن متأكدا أنك ستنتصر، فعليك ألا تذهب للحرب! إن الولايات المتحدة، وفرنسا، والبلدان الأخرى، تستثمر في الحروب. نحن بارعون في مثل هذه اللعبة: فنحن نشتري مزيداً من السلاح، ونعطي مزيداً منه، ونلقي قنابل من الجو. ولكن مشكلات الشرق الأوسط لا تتعلق بالحروب، بل بالحكومات الفاشلة، وبالنظم التعليمية الرديئة، وبالنظام الإجتماعي-الإقتصادي المبني على مورد واحد، وهو النفط. ينبغي أن نستثمر في الإستقرار، وليس في الحرب. هذا لا يعني أننا لن نواجه حروباً. ولكن، كان بوسعنا أن نطفئ نيران الحروب منذ سنة ٢٠١١.
هل تعتبر أن على الولايات المتحدة أن تصبح أكثر واقعية، وأن تلعب ورقة الأنظمة المستقرة، حتى لو كانت أنظمة ديكتاتورية؟
بالضبط! ينبغي أن نبدأ بفهم الحكومات والمجتمعات، وبالضغط على الحكام. لقد كان صدام حسين حاكماً وحشياً. وكان ينبغي لنا أن نقول له: إذا أردت أن تصبح محترماً، وأن تتمكن من زيارة الأمم المتحدة، فينبغي لك أن تفعل هذا الشيء أو ذاك. نحن لا نطالبك بأن تصبح ديمقراطياً، ولكن يتوجب عليك على الأقل أن تحترم عدداً من المعايير والقِيَم. وينطبق ما سبق على إيران، وهي بلد يمثّل مشكلة ضخمة. ينبغي أن تُفرَض مثل تلك الضغوط بواسطة ديبلوماسية قاسية، وليس بواسطة ديبلوماسية الصحيح سياسياً، التي تقوم على مصافحة الخصوم. وإذا لم يفهم أولئك الحكام،فهنالك وسائل أخرى للضغوط، وسائل إقتصادية مثلاً. ولكن ينبغي ممارسة تلك الضغوط في الوقت المناسب، وليس بعد فوات الأوان.
أليس المسؤولون الغربيون تحت ضغوط الرأي العام، الذي يدفعهم للتدخّل في أزمات إنسانية، مثلما حدث في ليبيا؟
لقد درست حرب الجزائر. الدرس الذي استخلصته منها هو أن من الصعب أن تفرض نفسك على شعب لا يرغب بك. في الحروب، ليست هيئات الأركان هي التي تأخذ قرار النصر، بل الشعوب.
ما هي الديبلوماسية الملائمة لحقبتنا المليئة بالإضطرابات؟
أنظر إلى الصين، إنها تستثمر في الإستقرار، في حين أننا نحن ننفق أموالنا في حروب الشرق الأوسط.
ألا يرغب الصينيون في تغيير العالم؟
بلى، ولكن بوتيرتهم هم.
أحياناً يكون من أنصار التدخّل، وأحيانا يبدو إنعزالياً، لا يبدو أن “ترامب” يملك خطاً واضحاً…
كما في الحرب، فإنه يهاجم نقاط ضعف خصومه. أما الذين يعرفونه عن كثب، فإنهم يعلمون أن لديه رؤيا استراتيجية للعالم، ولكيفية ممارستنا، نحن الأميركيين، لدور أقوى يجعل العالم أكثر أمناً من كل تلك المغامرات المجنونة التي تورّطنا بها.