جاء استيلاء قوات الجنرال حفتر على منطقة “الهلال النفطي”، في الأسبوع الماضي، ليعقّد إلى أبعد الحدود الخطة السياسية التي رسمتها الدول الغربية والأمم المتحدة، والتي تقوم على أساس أن تصبح حكومة “فايز السراج”، الناشئة عن اتفاق “الصخيرات” (بالمغرب) في أواخر ٢٠١٥، السلطة الشرعية في البلاد بدلاً من السلطتين المتنافستين: السلطة الإسلاموية الحاكمة في غرب ليبيا، والسلطة المدعومة من الجنرال حفتر في شرق ليبيا. وكان صراع تلك السلطتين هو ما أقحم ليبيا في الحرب الأهلية في صيف ٢٠١٤.
ويشكل الجنرال “خليفة حفتَر” وجع رأس مزعجاً للغربيين. وفي العواصم الأوروبية، كما في واشنطن أو في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، فإن صورة قائد الجيش الوطني الليبي هي صورة عقبة أمام تحقيق السلام في ليبيا. وكان استيلاء قوات الجنرال حفتر، بين الأحد ١١ سبتمبر والثلاثاء ١٣ سبتمبر، على أربعة مرافئ (سدرة، وراس لانوف، وبريقه، والزويتينة) في “الهلال النفطي”، مناسبةً لسلسلة من الإدانات والتحذيرات الدولية.
وتحدث رئيس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، مارتن كوبلر، عن “انقلاب”، في حين نشرت واشنطن وباريس ولندن وروما ومدريد وبرلين بياناً “يدين” العملية ويطالب بـ”الإنسحاب الفوري وغير المشروط” للقوات التي احتلت “الهلال النفطي، أي مرافق التحميل (المعطلة حالياً) التي كانت تؤمن تصدير نصف الخام الليبي نحو الخارج.
حلفاء الجنرال حفتر في إفريقيا
لكن الإدانات الغربية والدولية لا تعني، كما يتراى للوهلة الأولى، أن الجنرال حفتر بات “منبوذاً” سياسياً. والسبب هو أنه يطرح نفسه كـ”خصم للإرهاب”، علاوة على ما يملكه من قدرات عسكرية.
وفي ١٣ سبتمبر الحالي، قام الجنرال الليبي بزيارة إلى “ندجامينا”، عاصمة التشاد، للقاء الرئيس التشادي “إدريس دبي”، الذي تعود معرفته به إلى العام ١٩٨٧، حينما وقع حفتر- وكان حينها قائد القوات الليبية في التشاد- أسيراً في يد التشاديين. وفي حينه، بايع “حفتر” الرئيس التشادي “حسين حبري”، الذي كان الرئيس الحالي “إدريس دبي” رئيس أركان قواته!
ويقول مصدر في جهاز الأمن التشادي أن “الليبيين بحاجة لنا، ونحن بحاجة لهم. ففي حين تتقهقر قوات “الدولة الإسلامية” في مدينة “سرت”، فكل الإحتمالات مفتوحة إذا ما تركنا حدودنا الشمالية مفتوحة”. ومن جهة أخرى، فاللقاء الثاني بين دبي وحفتر (اللذين التقيا في شهر يونيو) قد يكون سببه هو تمركز قوات تشادية متمردة في جنوب ليبيا.
وحينما لا يقوم الجنرال حفتر بزيارة البلدان المجاورة لليبيا، فإن حلفاءه المقرّبين يتولّون المهمة. ففي ٦ سبتمبر، قام رئيس مجلس النوّاب الليبي الذي يتمركز في “طبرق”، “عقيلة صلاح عيسى”، و”عبدالله الثني”، رئيس حكومة شرق ليبيا، بزيارة “نيامي”، عاصمة النيجر.
ويقول وزير في النيجر مازحاً: “لقد نسينا أن نخبر التلفزيون عن الزيارة”! ويضيف: “نحن ننصحهم بأن يوحدوا بلادهم”. ويقول مصدر حكومي آخر “بالنسبة لليبيا موقفنا هو أنه لا بد من اتفاق يشمل جميع الفرقاء، بما فيهم حفتر”، لافتاً إلى أن النيجر هي بين الدول “الأكثر قلقاً مما يحدث في جنوب ليبيا”.
وبعد “النيجر”، تابع الوفد الليبي طريقه لزيارة بوركينا فاسو، التي كانت ضمن منطقة نفوذ معمرالقذافي في “الساحل”. والتقى في “أواغودوغو” بالرئيس “روش مارك كريستيان كابوري”. وقال وزير خارجية بوركينا، “ألفا باري”: نحن ندعم أية مبادرة ترمي لتوحيد الليبيين، مع أن ذلك صعب”! وأضاف: نحن والنيجر وليبيا نتقاسم منطقة يظل قسم من حدودها سائباً، مما يسمح بانتقال المهربين والإرهابيين من بلد إلى آخر”.
وفرنسا
إن أحد مصادر قوة الجنرال حفتر هو أنه، رغم مساعيه لإسقاط حكومة “السراج”، قد نجح في تقديم نفسه كمحاوِر لا مفرّ من الحديث معه على الصعيد الأمني. ولا يخلو الموقف الغربي منه من الغموض، وخصوصاً الموقف الفرنسي. وبإسم مكافحة الإرهاب، فامت وحدات قوات خاصة فرنسية بمؤازرة قوات الجنرال حفتر في بنغاري خلال الصيف الحالي. وقد انكشف وجودها بالصدفة، حينما قُتل ٣ من أفراد “جهاز العمليات” في الإستخبارات الخارجية الفرنسية في “حادث” سقوط هليكوبتر في ١٧ يوليو.
ودولة الإمارات.. ومصر
ولكن الجنرال حفتر لم ينجح في تعزيز قواته العسكرية سوى بفضل مساندة دولة الإمارات ومصر. ويقول الصحفيالمتخصص بالشؤون العسكرية “أرنو دولالوند” أن دولة الإمارات زوّدت الجنرال حفتر في أبريل ٢٠١٥ بـ٤ هليكوبترات هجومية نوع “مي-٣٥ بي” اشترتها من بيلوروسيا. وحصل جيش الجنرال حفتر في شهر مايو ٢٠١٦ على عشرات المدرعات الخفيفة نوع “إم إس بي في تي-٦” المصنوعة في دولة الإمارات.
إن دور مصر في تعزيز القوات الجوية للجنرال حفتر ليس سرّاً. ويقول الصحفي “أرنو دولالوند” أن الدعم المصري هو “دعم مباشر”، وليس سرياً أبداً”. ومنذ ٢٠١٤، قامت القاهرة بتزويد قوات حفتر بـ٨ مقاتلات “ميغ-٢١ إم إف”، و١٠ هليكوبترات “مي-٨ تي”.
وقد ندّد تقرير للأم المتحدة صدر في شهر مارس الماضي بهذا الخرق للحظر المفروض على بيع السلاح ليبيا منذ العام ٢٠١١. ولكن التقرير الدولي نفسه أشار إلى أن خصوم حفتر حصلواعلى دعم عسكري سري من السودان وتركيا.
وتفيد مصادر أخرى أن قطر تمدّ بالسلاح الجماعات الإسلامية المقاتلة في العاصمة طرابلس وجوارها.
وبوتين
وتحتل روسيا، التي تعجبها صورة الجنرال حفتر كـ”رجل قوي”، مكانة خاصة في شبكة الدعم الدولي له! فهي تحرص على عدم صدور قرارات إدانة دولية للجنرال. ومع أن روسيا تقول أنها تدعم حكومة “الوحدة الوطنية” بقيادة “فايز السراج، فإنها تشترط أن تحصل حكومة السراج على ثقة برلمان طبرق- في حين لم يعد الغربيون متمسكين بهذا الشرط لأن أصدقاء الجنرال حفتر يسيطرون على برلمان طبرق.
وحينما اجتازت ليبيا أزمة سيولة حادة في شهر مايو، فقد كان لافتاً أن سلطات شرق ليبيا تسلّمت شحنات من العملات الليبية المطبوعة في روسيا!
Le général libyen Khalifa Haftar, faux paria diplomatique