في مصر، كما في تونس، يسعى “الإخوان” المسلمون لـ”أخونة” الدولة، وفي البلدين تبرز تيارات، أو شخصيات، إسلامية تدرك أن الإصرار على “السلطة” بأي ثمن سيؤدّي إلى الإنهيار الإقتصادي والسياسي، والتوتّر الدائم، وربما الحرب الأهلية. في مصر، يلفت النظر الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، ومحمد حبيب، وغيرهم من “الإخوانيين السابقين”. وحتى ضمن التيارات السلفية المتشددة، فقد برزت جماعات تدعو للحوار والتفاهم مع “جبهة الإنقاذ”.
المفاجأة، في تونس، هي أن تيّار “الإنفتاح” يتمثّل في رئيس الحكومة السيد حمادي الجبالي بالذات!
ولكن، في البلدين، فإن تيّار “الأخونة”، أي تيّار “السلطة”، يظل قوياً: الرئيس مرسي في مصر، والغنوشي في تونس، يبدوان كوجهين لعملة واحدة. ولا يبدو أن الرجلين يتهيّبان المخاطر التي عبّر عنها حمادي الجبالي بوضوح: “اذا افشلتم هذه المبادرة ماذا ستفعلون بتونس؟ ما هو البديل؟ قانون الغاب؟ شرعية الشارع؟ ام ماذا؟”.
والكلام نفسه يمكن أن يُقال في حالة مصر.
كيف سيتطوّر الصراع “داخل” حركات الإخوان المسلمين في البلدين؟ وهل يكون الصراع المستجد “فرصةَ” للإسلام السياسي للتطوّر إلى حركات مؤهلة للعمل ضمن نظام ديمقراطي؟
مثل هذا التطوّر سيكون في صالح مصر وتونس، وسيكون في صالح الإسلاميين بالنتيجة. لكن مثل هذا التطوّر يفرض على “الإخوان” الإعتراف بأن السلطة “قابلة للتداول” وليس “ثمرة” يقطفونها ويحتفظون بها حتى.. الثورة القادمة التي ستطيح بهم! ويفرض عليهم، أيضاً، التنصّل من علاقاتهم الغامضة، وتعهّداتهم، لـ”العرّاب” القطري!
يمكن لـ”الإسلام السياسي” أن يكون جزءاً من التطوّر العربي نحو الديمقراطي، أو يمكن له أن يسعى لبناء نظام ديكتاتوري جديد. وأدوات مثل هذه الديكتاتورية الجديدة متوفّرة في مصر أكثر مما هي متوفّرة في تونس: فالجيش المصري دولة ضمن الدولة، ووزارة الداخلية وأجهزة الشرطة المصرية دولة في الدولة! ولم يتغيّر إلا الرئيس حتى الآن…!
الشفاف
*
“أ ف ب”
يواجه حزب النهضة الاسلامي الحاكم ازمة سياسية غير مسبوقة منذ توليه السلطة قبل اكثر من عام، بسبب اصرار امينه العام حمادي الجبالي الذي يراس الحكومة على تشكيل حكومة تكنوقراط، بعد اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد، وذلك بالرغم من رفض حزبه الذي تظاهر انصاره “للدفاع عن الشرعية”.
وهدد الجبالي السبت بالاستقالة من رئاسة الحكومة ان فشلت جهوده في تشكيل حكومة تكنوفراط تضم “كفاءات وطنية” غير حزبية.
وجاء التلويح بالاستقالة في وقت كان فيه اكثر من ثلاثة آلاف من الاسلاميين يتظاهرون بشارع الحبيب بورقيبة الرئيسي وسط العاصمة تونس بدعوة من حركة النهضة للدفاع عن “شرعية الحكم” وادانة “التدخل الفرنسي” في الشؤون التونسية بعد تصريحات وزير فرنسي اغضبت الاسلاميين.
ونقلت وكالة الانباء التونسية الحكومية عن الجبالي قوله “في حال عدم القبول او حيازة الثقة، فاني ساتوجه الى رئيس الجمهورية (المنصف المرزوقي) لاطلب البحث عن مرشح آخر لتشكيل حكومة جديدة تفوز بثقة المجلس الوطني التأسيسي”.
واعلن الجبالي انه سيكشف “أواسط الاسبوع القادم على اقصى تقدير” تشكيلة حكومة التكنوقراط ولفت الى انه “وجه رسائل الى كل الاطراف ليطلب منهم النصح من خلال تقديم مقترحات” بخصوص تركيبة حكومة التكنوقراط واشترط ألا يتجاوز اجل تقديم هذه المقترحات “الاثنين القادم”.
وشدد الجبالي على انه “لن يقبل بشروط من أي حزب كان” حول تشكيل الحكومة.
ولاحظ ان المقترحات المتعلقة بتشكيلة الحكومة “تخضع لاربعة مقاييس وهي الا يكون المرشح “شارك في الجريمة ضد الشعب التونسي، أو أن يكون منتميا سياسيا انتماء واضحا، والا يترشح للانتخابات القادمة، وبطبيعة الحال أن يكون كفاءة في مجاله”.
واوضح في مقابلة السبت مع قناة فرانس 24 انه سيتم استبدال الوزراء الاسلاميين الذين يتولون الوزارات السيادية في الحكومة التونسية بوزراء مستقلين.
وقال “سيكون كل الوزراء من المستقلين” وعند الالحاح عليه في السؤال بالاشارة الى وزارات العدل والداخلية والخارجية، قال مؤكدا “بطبيعة الحال”.
ويتولى هذه الوزارات حاليا قياديون في حزب النهضة هم نور الدين البحيري (العدل) وعلي العريض (الداخلية) ورفيق عبد السلام (الخارجية) والاخير صهر رئيس حزب النهضة راشد الغنوشي.
وفي الاسابيع الاخيرة اكد حزب النهضة مرارا ، ردا على مطالبة المعارضة، انه لن يتخلى عن الوزارات السيادية.
واضاف الجبالي في المقابلة “اذا لم اجد قبولا سياسيا من الاحزاب في المجلس التاسيسي ساعتبر اني لم انجح (..) وعندها سنطبق الدستور ورئيس الجمهورية يرشح شخصا اخر لرئاسة الحكومة”.
وشدد على ان مبادرته بالدعوة لتشكيل حكومة كفاءات غير حزبية جاءت ردا على جريمة اغتيال بلعيد وبعد تاخر تفاعل الاحزاب السياسية مع مسعى لتحوير وزاري بدا الحديث عنه منذ تموز/يوليو 2012.
واوضح “اعطيت الفرصة لايجاد ائتلاف حكومي واسع يوسع القاعدة السياسية والوفاق الوطني ويمهد لانتخابات سريعة (لكن) بعد الجريمة وتاخر رد الاحزاب، وجدت نفسي في موقف صعب وازاء بلاد يراد لها ان تسقط في الفوضي جراء الجريمة وما قد يتبعها من ردود فعل غير عاقلة، فاردت ان اضع حدا للفوضى”.
وخاطب الجبالي معارضيه قائلا “اذا افشلتم هذه المبادرة ماذا ستفعلون بتونس؟ ما هو البديل؟ قانون الغاب؟ شرعية الشارع؟ ام ماذا؟”.
واوضح ردا على مواقف معارضة داخل الائتلاف الثلاثي الحاكم وبينه حزبه النهضة قالت ان الجبالي لا يمكنه تشكيل حكومة دون المرور بالمجلس التاسيسي صاحب السلطة الاصلية، “هذا تحوير وزاري وليس هناك استقالة حكومة او رئيس حكومة ولست بحاجة للذهاب الى المجلس التاسيسي” الذي يهيمن عليه نواب حزب النهضة وحلفائهما في حزبي المؤتمر والتكتل، للحصول على موافقته.
ويملك حزب النهضة 89 مقعدا في المجلس المكون من 217 عضوا.
ولاقى مقترح الجبالي عموما ترحيبا من المعارضة والمجتمع المدني.
ويقول مراقبون ان الخلاف بين الجبالي وحزبه يترجم بوضوح خلافات ،تحرص حركة النهضة دائما على عدم اظهارها، بين الجناح “المتشدد” داخل الحركة بزعامة راشد الغنوشي و “المعتدل” بقيادة الجبالي.
وقبل تهديدات الجبالي بالاستقالة، دعت حركة النهضة انصارها الى التظاهر في شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة ضد قرارات الجبالي ولادانة “التدخل الفرنسي” في شؤون تونس بعد تصريحات وزير فرنسي اغضبت الاسلاميين.
والخميس انتقد وزير الداخلية الفرنسي مانويل فالس “فاشية اسلامية تبرز في كل مكان تقريبا” بعد اغتيال المعارض شكري بلعيد الذي قتل بالرصاص صباح الاربعاء امام منزله في العاصمة تونس.
وقال فالس انه “ما زال يعلق امالا على الاستحقاق الانتخابي حتى تفوز به القوى الديموقراطية والعلمانية وتلك التي تحمل قيم ثورة الياسمين”.
والجمعة استدعى حمادي الجبالي السفير الفرنسي بتونس فرنسوا غويات ليعرب له عن استيائه من تصريحات فالس.
وقال في مقابلته السبت مع فرانس 24 بهذا الصدد “لا نهول القضية ونضعها في اطارها، انا اغلقت القوس (..) نحن اصدقاء فرنسا وكل العالم ونطلب من اصدقائنا دعمنا وان يكونوا معنا في هذه اللحظات الصعبة”.
وخطب لطفي زيتون القيادي في حركة النهضة في المتظاهرين الاسلاميين السبت وضمنهم انصار النهضة وحزب التحرير وسلفيين، عبر مضخم صوت قائلا “هذه التظاهرة تم تنظيمها في اقل من 24 ساعة، وهي تجمع صغير لبعض ابناء العاصمة (..) هذه رسالة صغيرة للدفاع عن الشرعية (..) هذه الحركة حركة قوية بشعبها”.
واضاف زيتون الذي تصفه المعارضة بصاحب التصريحات “المتشنجة” قائلا “نحن مع شرعية صناديق الاقتراع، ولكن اذا اصرت بعض الاطراف ان يكون الحسم في الشارع نحن لا نخشى الشارع” ما اعتبره مراقبون تهديدا بادخال البلاد في “حرب شوارع”.
وتابع “هذا التجمع المتواضع (..) يبرهن على اننا في معركة الشارع لسنا منهزمين”.
وانتقد زيتون من “يتطاول على بلادنا ويتدخل في شؤوننا ويريد افشال التجربة” الديمقراطية في تونس فيما هتف المتظاهرون “فرنسا ارحلي”.
وفي مؤشر على تخوف السلطات من انفلاتات جديدة في الشارع استمر انتشار عناصر من الجيش السبت في الشارع في ظل حالة الطوارىء التي تعيش فيها تونس منذ ثورة 2011.
واشاد راشد الغنوشي السبت بخصال الراحل شكري بلعيد ووصف اغتياله بانه جريمة من تدبير “الثورة المضادة”.
وكانت عملية الاغتيال ادت الى تظاهرات احتجاج غاضبة ومواجهات عنيفة في العديد من المدن التونسية ادت في العاصمة الى مقتل شرطي.