لربما أهم ما تعلمته الولايات المتحدة بشأن تنظيم «الدولة الإسلامية» وتنظيم «القاعدة» وحركة «تحريك طالبان» («طالبان» الباكستانية) هو أنّه ليست هناك حدود لما تقوم به هذه الجماعات المتطرفة: فقطع الرؤوس وتشغيل نساء شابات كرقيق جنس وقتل أطفال، هي ممارسات طبيعية بنظر هذه الجماعات التي تزعم أنها تمتلك الحقيقة. ويسعى هؤلاء الإسلاميون المتشددون إلى إعادة صياغة العالم وفقاً لتصورهم له، وقد اختاروا الإرهاب كأداة للقيام بذلك.
وعلى الرغم من أنّ العالم لم يكن بحاجةٍ إلى تذكير، إلاّ أنّ قيام حركة «طالبان» الباكستانية بذبح أكثر من 140 شخصاً في 17 كانون الأول/ديسمبر، معظمهم من طلاب المدارس – حيث قُتل الكثير منهم بكل بساطة من خلال إطلاق النار عليهم في الرأس، بينما اقتحم المعتدون صفوفهم في شمال غرب باكستان- قد خضّ مرةً أخرى جوهر الحساسيات الأساسية.
غير أنّ التهديد الذي تشكله حركة «طالبان» على الأطفال في باكستان ليس بالأمر الجديد. فـ”ملالا يوسف زاي”، الشابة الباكستانية التي فازت مؤخراً بجائزة نوبل للسلام لمناصرتها تعليم الفتيات، كانت هي نفسها ضحية هجومٍ لأنّها امتلكت الجرأة لمقاومة التهديدات التي وجهتها لها حركة «طالبان» بسبب ارتيادها المدرسة. واليوم تعيش يوسف زاي في المملكة المتحدة لأنّها ليست بأمان في باكستان. ورداً على الهجوم على المدرسة، قالت ملالا يوسف: “إنني والملايين حول العالم نشعر بالأسى على هؤلاء الأطفال، أشقائي وشقيقاتي، ولكننا لن نهزم أبداً”.
ولا أحد يستطيع أن يشكك في شجاعتها أو عزمها. ومن المؤكد أنه يتوجب على المجتمع الدولي والقادة المسلمين أينما كانوا أن يفعلوا كل ما في وسعهم لتشويه سمعة ونزع شرعية هذه الجماعات التي تدعي أنّها متدينة بينما تنتهك أبسط القيم الدينية والإنسانية. ورداً على الهجوم، قالت وزارة الخارجية الباكستانية إن “هؤلاء الإرهابيين هم أعداء باكستان وأعداء الإسلام وأعداء الإنسانية”.
غير أنّ النهج الذي اعتمدته باكستان في التعامل مع حركة «طالبان» لم يبعث دائماً بهذه الرسالة. إنه لصحيح أنّ الجيش الباكستاني قد حارب هذه الجماعات بين الحين والآخر، ويشنّ حالياً هجوماً واسع النطاق ضد «تحريك طالبان» في شمال وزيرستان – لدرجة أن حركة «طالبان» أعلنت أن الغارة على المدرسة كانت انتقاماً على ذلك الهجوم.
غير أنّ الحقيقة تبقى أنّه في جزءٍ كبير من الصراع في أفغانستان، عاملت قوات الأمن والمخابرات الباكستانية حركة «طالبان» الأفغانية على أنّها شريكة لها وليست عدوةً – وذلك عبر تأمين ملاذات آمنة في باكستان، وعَمَل القليل بشأن شبكة «حقاني» (التي هددت القوات الأفغانية والأمريكية)، وغض الطرف عن الاعتداءات التي نُفذت في الجهة الأفغانية من الحدود الفاصلة بين البلدين. إن هذه الجهوزية لمحاربة حركة «طالبان» الباكستانية، في الوقت الذي تم التغاضي عن شقيقاتها الأفغانية لطالما تسببت بخلافات مع الولايات المتحدة ومع الحكومة في كابول، كما أنّها عكست انشغال باكستان المستمر بالهند.
إن الإسلاميين المتشددين ليسوا من تصدّر أولويات أجهزة الأمن الباكستانية وذراع استخباراتها – “وكالة الاستخبارات الباكستانية”. فالخصومة التاريخية بين باكستان والهند والحربان اللتان وقعتا بينهما والأراضي المتنازع عليها، جعلت من الهند محور تركيز المؤسسة الأمنية في باكستان. وبالتالي استخدمت “وكالة الاستخبارات الباكستانية” الجماعات الإسلامية المتشددة أمثال «عسكر طيبة» كوكلاء في صراعها، ليس فقط حول كشمير، بل مع الهند بشكل عام. ولا عجب في أنّ حركة «طالبان» الباكستانية لم تكن تشكل شاغلاً للجهود الأمنية في باكستان. ولكن هل يمكن أن تتغيّر الأولويات الأمنية للجهاز العسكري في باكستان في أعقاب حصار حركة «طالبان» لمطار كراتشي في حزيران/يونيو والهجوم المثير للاشمئزاز الذي شنته هذه الجماعة المتطرفة على المدرسة في 17 كانون الأول/ديسمبر؟
ربما يميل معظم المراقبين الذين يتتبعون ما يجري في باكستان إلى طرح إجابة سلبية على هذا السؤال. وعلى كل حال، إن هذه المواقف ضد الهند متجذرة بعمق ولا يمكن تغيير عادات التفكير القديمة بسهولة. غير أنّ هناك أيضاً حقيقةً بسيطةً لا لبس فيها هي أنّ الهند لا تشكل تهديداً يومياً لأمن المواطنين في باكستان ورفاههم، بل أن حركة «طالبان» هي التي تشكل هذا التهديد. لقد حان الوقت لقادة الجيش والاستخبارات في باكستان أن يدركوا هذا الواقع ويتصرفوا وفقاً لذلك.
دينيس روس هو مستشار وزميل وليام ديفيدسون المميز في معهد واشنطن.
“يو. إس. إي. تودي”