يبقى التعليم في العالم العربي من الامور التي تثير تساؤلات كبرى حول اوضاع العرب وحالهم الثقافي. فبالرغم من مئات الجامعات الخاصة وعشرات الجامعات الوطنية التي تنتشر في العالم العربي لم تنجح جامعة واحدة في التواجد على لائحة افضل مائتي جامعة في العالم. تواجدت الجامعات الهندية، والاسرائيلية والفيلبينية، والصينية، والامريكية والاوروبية و السنفافورية واللاتينية ولاسباب تتعلق بالجودة والاداء، لكن لم تتواجد جامعة واحدة من جامعات العرب بما فيها الجامعات الخاصة المنتشرة في طول البلاد العربية وعرضها. فمن اين جاء هذا التقصير؟
فهل السبب مرتبط بأن الطالب وعلمه ومستقبله لم يعد مركز التركيز الاساسي في معظم الجامعات في منطقتنا؟ وهل السبب يعود لان معايير الكفاءه ومعايير القبول بمعناها العالمي لم تعد مطبقة ومعمول بها الا ما ندر؟ وهل ارتبط كل هذا بحقيقة ان الجامعات العربية لم تعد تركز، كما كانت في بداياتها، على السمعة الاكاديمية والعلمية التي تعبر عن نوعية تعليمها؟ وهل اصبحت الجامعة مكانا لنيل شهادة خالية من المضمون؟ وهل جاء التقصير حتى الان من تحول الجامعات في العالم العربي لمكان تنقصه الادارة الحديثة واساليت العمل المنجز ووسائل القيادة الجديدة؟ وهل ساهم في تراجع الجامعات في العالم العربي تحولها لانعكاس لمشكلات المجتمع العربي عوضا عن ان تكون ارضا خصبة للمستقبل ولقيادة المجتمع في الفكر والنجاح والتقد؟ كيف تكون الجامعة جامعة ان كانت ادارتها وقطاع من مدرسيها قد تحولوا الى فئات وطوائف قبل ان يكونوا اصحاب مدارس وفكر واطروحات ونماذج؟. الا تعيش جامعاتنا حالة انعدام وزن بين الواقع المراد والواقع القائم، بين الجودة وغيابها؟ اليست افضل جامعاتنا في احسن الحالات ضعيفة ام متوسطة عند مقارنتها بالمقياس العالمي؟
ان وضعا كهذا لن يؤسس لمستقبل واعد لمجتمعاتنا واقتصادياتنا وبلادنا وافرادنا. فالجامعات في البلاد العربية يتدخل فيها القرار السياسي والاجتماعي والحزبي مما يجعلها فاقدة للدور المناط بها. هذه الحالة تمثل دائرة مغلقة، اذ يضيع الاساس الذي من اجله انشأت الجامعات في العالم العربي، ومعه يصبح المستقبل مثار تساؤل كبير. ان تركيزنا على القضايا الهامشية، في اختلافنا على مواقع وليس قضايا، نقاب واختلاط وليس على مكاسب ومخاسر، على عدد الذين نخرجهم وليس نوعية الذين نخرجهم، سام في تدني التعليم في بلادنا. نحن في العالم العربي لا نؤمن بالحساب والمحاسبة الا على صغائر الامور وتوافهها، اما القضايا الاساسية والتي تمس الانسان ومستقبله فتترك جانبا. اليس هذا مقدمة لمزيد من انتشار التفكك والضعف والامراض التي تدمر التعليم في عالمنا؟
ونتساءل: ماذا نمتلك غير التعليم نستمثر به في المستقبل؟ ماذا نمتلك غير التعليم لنتفوق فيه على انفسنا ومنافسينا الدوليين، وننصر عبره قضايانا المقدسة؟ ماذا نمتلك غير التعليم لنواجه عصر جديد يضع علينا الكثير من الضغوط التي نشعر بها والتي لا نشعر بها؟
استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت*