وافق مجلس الشعب على حزمة التعديلات الدستورية للمواد الأربع والثلاثين المطروحة للنظر، وغدا يتوجه المصريون للاستفتاء عليها، وبذلك تبدأ مرحلة جديدة من العمل الوطني بل مرحلة حاسمة على مسار الإصلاح السياسي المرتقب، لأنه إذا كانت التعديلات الدستورية تحدد الملامح الجديدة لتوجهات الأمة المصرية فهناك عمل كثير ينتظرنا لتحويل هذه التوجهات إلى مجموعة القوانين والقرارات واللوائح التي ستعني بتطبيق وتفعيل التوجهات وتحويلها إلي واقع ملموس وسلوكيات معاشة.
ولعل من الأمور اللافتة للنظر أن بعض المصريين الذين لم تتأت لهم المشاركة في مناقشة التعديلات أو متابعتها علي الأقل في وسائل الإعلام بدأوا الآن يتساءلون عن فحوي التعديلات، وهي بادرة مشجعة تعكس اهتمام شرائح من الأغلبية الصامتة وعزمها علي المشاركة في الاستفتاء، لذلك تقدم “وطني” على صفحات عددها الصادر هذا اليوم سجلا للمواد الأربع والثلاثين موضع التعديلات الدستورية يضم النص الأصلي لها قبل التعديل مع النص النهائي المعدل بعد موافقة مجلس الشعب، حتي يتسني للجميع فحصه وتفهم مضمونه والذهاب إلى صناديق الاستفتاء لأداء الواجب الوطني الذي تنتظره مصر منا جميعا.
في قراءة سريعة للتعديلات المطروحة في الدستور نجد أن هناك مباديء وتوجهات مهمة تم إدخالها، ومهما كانت درجة وفاء هذه التعديلات بطموحات أي منا يجب المشاركة في الاستفتاء عليها والإسهام في تحويل ما تم إدراكه إلى واقع يدفعنا خطوة إلي الأمام تتلوه خطوات في المستقبل…لكن ماذا يحمل لنا التعديل الدستوري؟.
00 المادة الأولي تحمل معنى رمزيا لعله الأكثر أهمية على الإطلاق حيث يتم تسكين ”المواطنة” كأساس للنظام الديموقراطي، ويكاد يغلبني التأثر وأنا أقرأها مرة بعد مرة وهي تضيء أول مادة في الدستور بعد نحو نصف قرن من التطورات والسلوكيات التي عبثت بمعايير المواطنة وأضرت بها، إنه إنجاز عظيم أن تعود المواطنة إلى الموضع اللائق بها في صدارة الدستور، لكنها لم توضع هناك لنتغني بها ونستدعيها في وقت الأزمات كما فعلنا بالوحدة الوطنية، بل أمامنا تحد كبير لترسيخها وترجمتها في قوانين الدولة وسلوكيات أجهزتها.
00المادة الرابعة تستبدل “حرية النشاط الاقتصادي” كأساس للاقتصاد الوطني محل النظام الاشتراكي الذي سكن الدستور لعدة عقود…ولعل تعديل هذه المادة-وبعض المواد الأخري المرتبطة بها روحا-يستحق تأملا مهما أوجهه لكل الذين جاهدوا من أجل إلغاء أو تعديل المادة الثانية من الدستور دون جدوى:ها نحن بعد نحو ربع قرن من العدول عن الاشتراكية كأساس للنظام الاقتصادي نقوم بسحبها من الدستور بلا عناء وبلا اعتراض أو احتجاج حقيقي من الشعب المصري وتياراته السياسية، وذلك لأن المجتمع اجتاز بالفعل أنماطا مغايرة من السياسات الاقتصادية قوامها الاقتصاد الحر وتشجيع إسهام القطاع الخاص في التنمية ورفع يد الدولة عن مجالات الاستثمار غير القومي والصناعات غير الاستراتيجية، وعرف الشعب أن علاج المشكلات الاقتصادية والتغلب علي التضخم وغلاء المعيشة والقضاء على البطالة وخلق فرص العمل ليس مسئولية الدولة وحدها ولن يتأتي بالاقتصاد الشمولي الموجه…إذا من الأهمية بمكان أن ندرك جميعا أن التعديلات الدستورية لن تتضمن ما يهفو إليه البعض منا بالضرورة، إنما ما تم ترسيخه في وعي هذا الشعب وبات من قناعاته التي يطمئن إليها.
00 المادة الخامسة التي تتناول النظام السياسي وتنص على تعدد الأحزاب أضيفت إليها فقرة ثالثة مهمة جدا تنص على أن للمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية وفقا للقانون، وأنه لايجوز قيام أحزاب سياسية علي أية مرجعية دينية أو أساس ديني…وهذا توجه طال انتظاره ليسكن دستورنا وليبدد قلق الكافة إزاء المستقبل السياسي لهذا البلد، والآن أكرر أن أمامنا عملا كثيرا لدفع الأمور نحو إطلاق حرية تأسيس الأحزاب السياسية وضخ دماء جديدة وفكر جديد وخيال سياسي جديد للمنظومة الحزبية الحالية، فدون ذلك سوف تظل التوازنات السياسية محصورة بين “حزب الأغلبية” وبين ما يطلق عليه “حزب الجمعة”، علاوة على باقة من الأحزاب الطفيلية التي لم تستطع حتي الآن احتلال مساحة ملموسة علي الخريطة السياسية…كما أننا في ظل مناخ مأمول يسمح بقادمين جدد إلي المنظومة الحزبية نحتاج إلي التبشير بثقافة الائتلاف السياسي لخلق كيانات قوية تستطيع المنافسة، الأمر الذي يستدعي مرونة سياسية جديدة تبحث عن مساحات الاتفاق وليس مساحات الاختلاف بين الجزر الصغيرة المعزولة.
00 المادة الثانية والستون حملت إضافة مهمة علي مناخ الانتخاب عندما أضافت السماح بالجمع بين النظام الفردي ونظام القوائم الحزبية في العملية الانتخابية، مع النص تحديدا علي تضمين نظام الانتخاب حدا أدني لمشاركة المرأة في مجلسي الشعب والشوري…وذلك إنجاز كبير يفتح الباب بشكل جدي لإصلاح خريطة المشاركة السياسية للفئات المهمشة وخاصة الأقباط والمرأة والشباب وغيرهم.
00 تم تعديل المادة 76 الخاصة بضوابط الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية بجعلها أيسر بالنسبة للأحزاب السياسية، وهي خطوة في الاتجاه الصحيح نحو تداول السلطة، لكنها تعتمد في تحقيق ذلك علي الجدية والصدق في إثراء الحياة الحزبية لتستطيع أن تفرز مرشحين جديرين بالقيادة علي المستوي القومي.
00 المادة 59 خضعت لتعديل يبدو طريفا:فبعد أن كانت تنص علي أن “حماية المكاسب الاشتراكية ودعمها والحفاظ عليها واجب وطني” أصبحت تنص علي أن”حماية البيئة واجب وطني” لكن علي كل حال مرحبا بفكر البيئة ليحتل مكانه في مواد الدستور محل فكر الاشتراكية.
00 تزخر باقي التعديلات بجوانب إجرائية لها مدلولاتها، ولعل في مقدمتها المادتين اللتين أثارتا الكثير من اللغط إبان طهو ومناقشة التعديلات الدستورية وهما المادة رقم 88 الخاصة بإشراف القضاء علي الانتخابات والمادة رقم 179 الخاصة بمكافحة الإرهاب.
وأخيرا…سوف أذهب للمشاركة الوطنية في الاستفتاء علي التعديلات الدستورية، ومرحبا بتلك التعديلات كخطوة في الاتجاه الصحيح…وإلي اللقاء في ساحة المشاركة السياسية حيث ينتظرنا عمل ضخم من أجل مصر.