وكالة الصحافة الفرنسية-
للمرة الاولى منذ نشوء دولة اسرائيل يقصد بطريرك الطائفة المارونية اللبناني الاراضي المقدسة بالتزامن مع زيارة البابا فرنسيس في خطوة شديدة الحساسية بالنسبة لبلد في حالة حرب رسميا مع اسرائيل، اثارت امتعاض حزب الله العدو اللدود للدولة العبرية.
وتحدثت وسائل اعلام قريبة من الحزب عن “تطبيع” مع اسرائيل واصفة الزيارة ب”الخطيئة التاريخية”ما دفع البطريرك بشارة الراعي الى الرد بحزم مشددا على انه لا يذهب الى اسرائيل بل الى الاراضي المقدسة لتفقد “شعبه” ورعيته.
وسيتخلل الزيارة لقاء بين الراعي ومجموعة من اللبنانيين غادروا البلاد بعد الانسحاب الاسرائيلي العام 2000، خشية تعرضهم للملاحقة او لعمليات ثأرية بسبب “تعاملهم مع اسرائيل” ابان احتلال جيشها لاجزاء من جنوب لبنان منذ العام 1982. ويرجح ان يثير هذا اللقاء انتقادات جديدة.
وكلف حزب الله الاسبوع الماضي وفدا منه بزيارة البطريرك وابلاغه ان الزيارة ستكون لها “تداعيات سلبية”، من دون ان ينجح في تغيير رأيه.
وقال النائب البطريركي العام المطران بولس الصياح لوكالة فرانس برس “هذه الزيارة لها هدف رعوي ديني فقط لا غير. البابا يأتي الى منطقة في عهدة البطريرك، ومن الطبيعي ان يكون البطريرك في استقبال هذا الضيف الكبير الآتي الى الشرق”.
ولن يكون الراعي في عداد الوفد الرسمي الذي سيرافق البابا خلال زيارته الى الاردن واسرائيل والاراضي الفلسطينية بين 24 و26 ايار/مايو، بل سيكون في استقباله في الاردن، ثم في بيت لحم والقدس. و”بعد انتهاء زيارة البابا، سيزور الرعايا الموارنة في فلسطين المحتلة في الجليل لمدة ثلاثة الى اربعة ايام”، بحسب الصياح الاسقف الماروني على الاراضي المقدسة سابقا والذي سيرافق الراعي في زيارته.
ولن يلتقي الراعي اي مسؤول اسرائيلي علما انه سيجتمع مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
ويجرم القانون اللبناني اي اتصال مع اسرائيل، الا ان رجال الدين المسيحيين يمكنهم التنقل بين البلدين بموجب اذونات خاصة غير مكتوبة للاهتمام بالشؤون الروحية لرعاياهم.
وقال الصياح “المسيحيون اصليون في تلك المنطقة عمرهم الفا سنة وليسوا طارئين على الارض المقدسة، بينما نشوء اسرائيل يعود الى 1948”.
وكان الراعي اعلن بعد الانتقادات التي نشرتها خصوصا صحيفتا “السفير” و”الاخبار” ان لبنان “في موقع عداوة مع اسرائيل وانا لست ذاهبا الى اسرائيل. (…) انا ذاهب الى القدس لاقول هذه مدينتنا نحن المسيحيين قبل كل الناس، والقدس عربية ولدي صلاحية عليها”.
ويقول الكاتب انطوان سعد، واضع سيرة البطريرك السابق نصر الله صفير، ان زيارة الراعي الى الاراضي المقدسة من شأنها ان “تسلط الضوء على المسيحيين فيها وتشعرهم بأنهم ليسوا متروكين”، مضيفا انها قد تكون عاملا ايجابيا لوقف التراجع الديموغرافي.
ويضيف ان اسرائيل تعمل “جاهدة مع المنظمات اليهودية على شراء الارض التي يملكها الفلسطينيون ومن بينهم المسيحيون ولو باغلى الاثمان، في وقت يعاني هؤلاء من البطالة وشتى انواع المضايقات والاغراءات لترك ارضهم. البطريرك سيقول لهم انه الى جانبهم ويجب الا يخشوا الضغوط الاسرائيلية”.
غير ان هذه الحجج لا تقنع منتقدي الزيارة.
ويقول نائب رئيس تحرير “السفير” نصري الصايغ لوكالة فرانس برس “امتنع سادة البطريركية عن مثل هذه الزيارة منذ نشوء الكيان الاسرائيلي (…) هذه بداية تطبيع”. ويتخوف من ارساء “عرف جديد يقوم على ان يتخطى رجال الدين قوانين البلاد ودستورها وقيمها لكي يذهبوا الى ارض تحت الاحتلال”.
ويبلغ عدد المسيحيين في الاراضي الفلسطينية واسرائيل حوالى 145 الفا. اما عدد الموارنة فاثنا عشر الفا مع موارنة الاردن.
ويدعو الصايغ الى ترجمة دعم المسيحيين بالافعال بدلا من “الصيغ الكلامية التي لا مدلول لها” و”الحجج المفبركة”، معتبرا ان الكنيسة “قوة معنوية كبيرة” بامكانها الضغط على الاسرائيليين “ليوقفوا الاستيطان ويمتثلوا للقرارات الدولية”.
ويرى الصايغ ان “علامات الاستفهام والشكوك الكبرى” تكمن في اللقاء الذي سيتم بين الراعي واللبنانيين المقيمين في اسرائيل، مشددا على ان “علاج هذا الموضوع ليس هناك، بل هو عند الدولة اللبنانية”.
وفر الاف اللبنانيين الذين كانوا في عداد ما عرف خلال الثمانينات والتسعينات ب”جيش لبنان الجنوبي” الذي تعامل مع اسرائيل وحارب الى جانبها في جنوب لبنان، الى الدولة العبرية بعد انسحاب جيشها.
وعاد قسم منهم لاحقا على مراحل، فخضعوا لمحاكمات سريعة وصدرت بحقهم احكام مخففة بموجب اتفاق سياسي غير معلن لحل مشكلتهم.
الا ان اكثر من 2500 لبناني لا يزالون في اسرائيل، غالبيتهم من المسيحيين.
ويرى المطران الصياح انه “من الطبيعي ان يلتقيهم البطريرك”، مضيفا “هؤلاء ظلموا وارغموا على ما هم عليه”. وعلى الرغم من الرفض القاطع للكنيسة المارونية حتى خلال سنوات الحرب لاي علاقة مع اسرائيل الا انها تعتبر ان ظروف الحرب ووجود الجنوبيين بحكم الامر الواقع على الحدود الاسرائيلية من جهة وتعرضهم لتجاوزات المنظمات الفلسطينية منذ بداية السبعينات من جهة اخرى، اضطرتهم للتعامل مع الدولة العبرية.
في الوسط المسيحي، غالبية المواطنين العاديين متحمسون لزيارة البطريرك، والسياسيون ابدوا دعمهم.
ويقول فادي ابي اللمع (32 عاما، موظف) ان “زيارة البطريرك ستؤكد هوية الاراضي المقدسة المسيحية، ولا يحق لاحد ان يمنعه”. ويضيف “كمسيحي، انا احلم باليوم الذي ازور فيه الارض التي ولد وعاش ومات فيها المسيح”.
البطريرك الماروني “يستقبل” البابا في الاراضي المقدسة وحزب الله “ممتعض”!
ياسيد نصري الصايغ إذا كانت زيارة البطريرك إلى فلسطين تطبيع مع إسرائيل فماذا عن تدخل حلفاؤك حزب الله في سوريا عسكرياً؟ و في أية خانة تدرجها؟
كفى إستخفافاً بعقول الناس وإبحثوا عن حجج راسخة بدلاً عن تنظيرات سفيهة.