“غافين نيوسم”، عمدة أكبر مدن كاليفورنيا، كان عن حياته الخاصة ريبورتاج بأحد البرامج الأميركية…
ولأنه مسؤول غربي فحياته الخاصة معروضة للتداول أمام الملأ… كان نيوسم وقت عزوبيته رجل أحلام النساء… مسؤول رفيع، شاب ثري وسيم ومثقف له حضوره المتميز..
بإحدى فقرات الريبورتاج، يظهر نيوسم برفقة زوجته الأولى مذيعة الفوكس نيوز الجميلة… قبل أن يتم الطلاق ليظهر بفقرة أخرى برفقة صديقته عارضة الأزياء والنادلة …
عدة نساء توالين على حياته العاطفية التي كانت حديث الصحف لشهرة صاحبها ووسامته..
فجأة وأمام عدسات الكاميرا يقف نيوسم ليعترف لمجتمعه الغاضب بعلاقته العاطفية مع زوجة مدير حملته…
قال في النهاية: ندمت وأعتذر لكم عما بدر مني من خطأ…
هل يأتي يوم يخرج علينا مسؤول عربي رفيع بمثل هذا الاعتذار؟؟
هو لم يكذب خبر العلاقة حين تداولته الصحف ويقول: إشاعة… لم يعتذر عن الخيانة على انفراد مع مدير مكتبه،، نشر الفضيحة واعتذر أمام الشعب كله، ووصلنا الاعتذار عبر الإعلام فبدا اعتذار عالمي.
قد نسمي ما فعله سلوكاً أخلاقياً يدل على احترام المسؤول الحكومي لأفراد مجتمعه، أو نسميه رجل خان رجلا أخلص له… تعتمد التسمية على رؤيتنا للأمور…
حين يتابع المشاهد العربي، وعلى الأخص النساء، الحدث السابق… تبدأ دعواتهن بأن الحمد على تماسك المجتمع العربي وأخلاقياته، وتطلق اللعنات على (هالمجتمع الأميركي اللي يخون فيه المسؤول صاحبه) … ولا يشير أحد لمسألة الاعتذار، وللتطاول العلني على شخص المسؤول، ولنشر غسيله في الصحف والمجلات مدعماً بالصور واللقطات وجره لزاوية الندم وطلب الصفح…
ولا يقارن أحد بين مسؤولينا ومسؤوليهم…
أشرت للنساء، لأن النساء العربيات أو الخليجيات إجمالاً يشكلن ظاهرة تاريخية اليوم… ردة فعل لم تحدث ولن تتكرر… كل شعوب العالم طالبت بالحرية، حلمت بها ، ماتت من أجلها، إلا نساؤنا العربيات… تولعن بالبقاء عند خط اللاحياة واللاموت وحسبنه نمط عيش حميدا…
يشتمن أخلاق الغرب، وعدد كبير منهن قد تعرض لخيانة بشكل أو بآخر، ولم تنعم إحداهن بطلب الصفح يوماً ما ولو حتى بكلمة اعتذار بسيطة…
جرب وتحدث أمامهن عن الحرية… سيتكشف لك تعريف جديد لها، فالحرية التي عرفتها البشرية على أنها أسمى المبادئ… تعرفها نساؤنا على أنها السقوط بذاته…
صحيح أن الحكومات استعانت بالمساجد التي استعانت بدورها بوسائل الإعلام والتلفاز لعرض مواد وبرامج تحذر كلا الجنسين من الحرية، تحذر من مخالفة ولي الأمر، تلقي الرعب في القلوب وهي تصور مشهد تفسخ الشارع العام حين تنتشر المساواة، تشغل الأفراد عن السياسة والفلسفة بقضية واحدة مصيرية هي كيفية حجب النساء …
لكن المفترض مع معدلات التعليم المتزايدة أن يكون هناك حد أدنى من الوعي قد تشكل لدى المواطن يجعلها تميز وتعرف الأفضل لها كما تراه هي لا كما أرادوها أن تراه…
إلا أنها ثقافة تمجد التبعية ومحو الهوية…
* * *
حين كان الرئيس الاميركي أوباما يحقق أمجاد الفوز وقت الانتخابات، ملأت صور رائدة الحقوق المدنية المرحومة روزا باركس وسائل الإعلام بمناسبة وصول رجل ملون للحكم… كانت أول زنجية تخرق قانون التمييز… تذمرت على وضع السود في المقاعد الخلفية لحافلات النقل، أشعل تمردها شرارة عصيان أدت لإنهاء التمييز العنصري. شرارة أوصلت رايس للخارجية وأوباما للرئاسة…
يشمت العرب:
انظروا عنصريتهم القديمة، ارتكبوا أبشع المجازر الأخلاقية بحق السود، ويأتون اليوم لينشروا المساواة في الشرق الأوسط.. ولا يشير أحد لمسألة الاعتراف بتلك المجازر،، هم يعتذرون عن ماضيهم… ينشرونه، يعيدون نشره حتى يحفظه الأفراد عن ظهر قلب، يتذكرونه كل دقيقة كيلا ينسونه فيتكرر الظلام ويعودون للوراء… أقوى أمة تعرف أن الحفاظ على المركز أقسى من الوصول إليه…
ليس مطلوبا أن نصدق نوايا الغرب تجاهنا أو نكذبها، ويتحول الحديث كلما بدأ إلى أطماع العالم في صحرائنا،، لكن أن نحذو حذو خطوات وصلت للقمة وتريد البقاء هناك ليس كفرا ولا عاراً. شاهدت فيلما اميركيا يصور علاقة حب جمعت رئيساً اميركياً في القرن التاسع عشر بزنجية سوادء يمتلكها، وقد تحدرت من تلك العلاقة سلالة سوداء موجودة إلى يومنا…
كان ذلك الرئيس يمارس بشكل أو بآخر ما كان المسلمون يمارسونه من علاقات محللة مع الجواري… لكن العرب لا يصنعون أفلاما عن الحياة الخفية للراحلين… فذاتهم مقدسة، وصورة العظيم الذي جانبته الخطيئة طوال حياته هي المشهد الوحيد في الفيلم وفي كتب التاريخ…
* * *
حتى تحافظ أوبرا وينفري على بنات جنسها من المآسي ، تكرر في كل مناسبة حادثة الاغتصاب التي تعرضت لها في طفولتها، هذه هي المسؤولية الاجتماعية والوطنية بحد ذاتها،، كم امرأة عربية مهتمة ألا تقع قرينتها فريسة اعتداء،، جل ما يهمها الفضيحة. والفضيحة ليست سهلة عند العرب… الفضيحة تعني تشويه السمعة للأبد… لكن كيف ستتمكن من حافظت على سمعتها سليمة أمام المجتمع من الحياة كريمة النفس سليمة السمعة مع ذاتها؟ تلك التي آثرت الاستسلام، وقعت ضحية لذاتها أكثر من كونها ضحية اعتداء رجل… وهذا الأمر ينطبق على المجتمع العربي الذي تنخره المشاكل العالقة ويصر على تنظيف سمعته أمام العالم… دون الاهتمام بصورته أمام ذاته…
التقدم يتطلب جهداً، البعض يسميه تضحية… لكني لا أعتبر أي أمر نبذله في سبيل تحقيق الحلم تضحية…
عموما ذلك الجهد المسمى (تضحية) يتطلب الاعتراف… اسم الكلمة المرادفة للاعتراف في العرف المحلي هي: الفضيحة…
المواطنة الحقيقية تتطلب فضيحة… بل مجموعة من الفضائح اليومية يغذى بها عقل المواطنين، لتكشف المشكلة، لتعرض على الجمهور. لتحل المشكلة وتنتهي من أساسها…
لكن شعوب كالشعوب العربية تحب الستر وتكره الاعتراف وفي نفس الوقت لن تصمت، بل ستحول الفضائح إلى ملائح… تجملها وتجعل لها بريقاً… ولا يعد ذلك نفاقاً، أو تناقضاً…
إنما هي شعوب لا تكذب ولكنها تتجمل…
Albdairnadine@hotmail.com
كاتبة وإعلامية سعودية