ديفيد بولوك و مهدي خلجي
“أعلن أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح حل مجلس الأمة الكويتي بموجب المادة مئة وسبعة من الدستور، موجهاً الدعوة لإجراء انتخابات برلمانية جديدة خلال ستين يوماً. وفي سياق كلمة وجهها لمواطنيه، أشار الأمير إلى أن بعض الممارسات على الساحة البرلمانية صارت تهدد استقرار البلاد وقامت بتشويه وجه الحرية والديمقراطية الكويتية”.
“هذا وقد كتب خبراء معهد واشنطن ديفيد بولوك ومهدي خلجي تحليلاً عشية الانتخابات الكويتية السابقة، في أيار/مايو 2008، رأينا من المجدي نشره الآن لأن الآراء الرئيسية المعبرة فيه واقعية أيضاً في هذه الفترة التي تسبق الانتخابات الكويتية المقبلة”.
يتوجه غداً [17 أيار/مايو 2008] نحو 400,000 ناخباً كويتياً — أكثر من نصفهم إناث – إلى صناديق الاقتراع لانتخاب برلمان جديد، يحل محل البرلمان الذي انتخب عام 2006 والذي حلّه الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح لفشله في العمل مع الحكومة. صحيح أن البرلمان الكويتي برلمان قوي نسبياً بالمقارنة مع غيره من البرلمانات في المنطقة، لكنّ التوتر مع العائلة المالكة كثيراً ما أدى إلى طريق مسدود. ومع ذلك، فالانتخابات تجربة مهمة ومثيرة للإهتمام في الديمقراطية العربية وقد تؤدي إلى قيام بيئة سياسية بناءة بصورة أكبر.
بداية نظام انتخابي جديد
هذه الإنتخابات هي الأولى التي تجري في إطار نظام انتخابي دوائري جديد يرمي إلى الحد من نفوذ السياسات القبلية وشراء الأصوات وغيرها من الممارسات غير الديمقراطية التي أسئ استعمالها. فبدلاً من خمس وعشرين دائرة صغيرة – تبرز فيها العلاقات الشخصية وكذلك النفوذ الشخصي على نطاق كبير – يمثل كلاً منها نائبان منتخبان، ستكون هناك خمس دوائر كبيرة (يُفترض أن يكون فيها شراء الأصوات والتحكم بها أصعب) يمثل كلاً منها عشرة نواب. وسيكون كل ناخب قادراً على اختيار أربعة من نحو خمسة وخمسين مرشحاً في كل دائرة، يفوز العشرة الأوائل منهم في حساب الأصوات بمقاعد في البرلمان.
وفي إطار النظام القديم، كانت هناك منافسة حامية – لكنها متفرقة إلى حد بعيد – على الأصوات بين مختلف الشخصيات والميول السياسية، مما كان يؤدي إلى انتخاب برلمان منقسم، غالباً ما يكون على خلاف مع نفسه ومع حكومة البلاد. وكانت النتيجة في كثير من الأحيان [حدوث] شلل سياسي، لا سيما عندما كانت تطرح للنقاش مسألة قيام الشركات الأجنبية بتطوير حقول النفط والغاز الكويتية.
قاد هذا الوضع المحبط كثيراً من الكويتيين إلى التساؤل عما إذا كان ثمن الديمقراطية هو تباطؤ النمو الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، بخلاف ما هو عليه الحال لدى جيران الكويت من دول وإمارات الخليج، كدبي أو أبو ظبي أو البحرين أو قطر. ويهدف النظام الانتخابي الكويتي الجديد إلى جعل العمل التشريعي أكثر تماسكاً وتعاوناً، لكن غالباً ما تأتي الإصلاحات الانتخابية بعواقب غير مقصودة أو لا تأتي بنتائج على الإطلاق.
التطلع إلى الأمام
إنّ تقييم نتائج الانتخابات ليس أمراً هيناً. فستكون هناك العديد من الوجوه الجديدة بسبب عدم ترشح ما يقرب من ثلث النواب السابقين في انتخابات مجلس الأمة الجديد. وفي الوقت نفسه، سيكون هناك عدد كبير من ممثلي القبائل الذين لن يختلفوا كثيراً في النظرة عن سابقيهم.
وربما يتم انتخاب نساء للبرلمان لأول مرة في تاريخ البلاد. فقد منحن حق التصويت والترشح للمناصب العامة في الانتخابات السابقة، لكن أياً منهن لم تنتخب آنذاك، ومن غير الواضح ما إذا كان النظام الانتخابي الجديد سيساعد على تغيير هذه التركيبة الجنسية. فإن حصل فعلاً مثل هذا التغيير، فسيكون ذلك حدثاً هاماً رمزياً يرحب به. ومع ذلك، لما كان من غير المحتمل أن تفوز أكثر من مرشحة واحدة أو اثنتين من المرشحات السبع والعشرين، فمن المحتمل ألا يكون للنساء أي تأثير يذكر في العمل التشريعي.
إن التغير الأهم الذي يمكن أن يحصل هو في نسبة الأعضاء الإسلاميين (السنة)، الذين كانوا يشكلون من قبل أكبر كتلة برلمانية حصلت على سبعة عشر مقعداً. ويتوقع غالبية [المراقبين] انخفاضاً طفيفاً في عدد الإسلاميين والتقليديين الآخرين. فإن حدث هذا، قد يكون هناك تحرك كبير نحو الإصلاح والقضايا الاجتماعية، مثل الفصل بين الجنسين في المدارس، التي أثارت نقاشاً حامياً في الحملة الانتخابية.
وعلى نفس القدر من الأهمية، لا سيما في مجال السياسة الاقتصادية وسياسة الطاقة، سوف يكون التوازن الجديد بين البراغماتيين، الذين غالباً ما يؤيدون مبادرات الحكومة، والكتل الشعبوية أو القومية المعارضة، التي غالباً ما تصوت ضد هذه المبادرات.
مجمل التوقعات
إلى جانب نتائج استطلاعات الرأي غير الرسمية والروايات المتداولة، يوحي تقدير شبه رسمي نشر في الآونة الأخيرة (ظهر في الصحافة الكويتية في ظروف غامضة) بأن مجمل تركيبة البرلمان المقبل ستكون مماثلة لبرلمان عام 2006. وهذا يعني سيطرة كلاً من الكتلتين الإسلامية والقبلية على ثلث المقاعد تقريباً، بينما سيتوزع الثلث الباقي بين المجموعات الشعبوية والليبرالية والشيعية.
وكما في السابق، ستؤدي تلك التركيبة إلى ترك البرلمان بلا أغلبية فاعلة واستمرار الجمود السياسي والمواجهة السياسية، وإن لم يكن بالقدر الكافي لإحداث عدم استقرار سياسي. وبعبارة أخرى، فإن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو المزيد من الشئ نفسه بالرغم من التقسيم الجديد للدوائر الانتخابية واحتمال ظهور العديد من الوجوه الجديدة في البرلمان. لكن توازن الكتل السياسية المتنافسة هو قريب بما فيه الكفاية بحيث أن حدوث بضع تحولات طفيفة يمكن أن يخلق علاقة تعاونية بين العائلة المالكة ومجلس الوزراء من جهة، والسلطة التشريعية من جهة أخرى.
العامل الشيعي
لطالما تمتعت الكويت بانسجام نسبي بين الأغلبية السنية والأقلية الشيعية في البلاد. ومع ذلك، ففي وقت سابق من هذا العام، اكتسب مؤيدو حزب الله من شيعة الكويت شعبية مؤقتة بعد أن انتقدت الحكومة انتقاداً عنيفاً أولئك الذين أعلنوا الحداد على عماد مغنية، العقل الإرهابي المدبر الذي قتل في انفجار سيارة ملغومة في دمشق في شباط/فبراير 2008، وقامت باعتقال عدداً منهم خلال حفل التأبين. فعندما يقف حزب الله في مواجهة “عدو” خارجي كإسرائيل، ترتفع شعبيته خارج لبنان. وفي المقابل، عندما يدفع التنظيم لحرب أهلية – يشبه إلى حد كبير التوتر الذي خلقه في الآونة الأخيرة مع القوات الحكومية اللبنانية والميليشيا السنية – يضعف تأييده في المنطقة بدرجة كبيرة.
إن [المرحلة الحرجة التي تمر بها] الأزمة اللبنانية جعلت من الصعب على مؤيدي حزب الله خارج لبنان الدفاع عن قضية المنظمة صراحة أو رفع رايتها علناً. وقد نشرت الصحف الكويتية خلال الحملة الانتخابية الأخيرة مقالات عن الدور السلبي الذي يقوم به حزب الله في لبنان، وأنحت باللائمة على إيران لدعمها الجماعة. كما عملت بضع أصوات إضافية على توسيع هذه الرسالة التحذيرية لتشمل الأصوليين من مختلف المشارب، سواءاً كانوا شيعة أو سنة. وقام بعض الديمقراطيين الليبراليين البارزين بتحذير الكويتيين من التصويت لصالح المرشحين الإسلاميين ليجنبوا بلدهم معاناة مصير كمصير لبنان.
يشكل السلفيون وغيرهم من الأصوليين السنة أهم خصوم المرشحين الشيعة في هذه الانتخابات، كما كان هو الحال في الانتخابات التشريعية عام 2006. ففي ذلك الوقت، أخبر وزير نفط سابق أحد الصحفيين بأن الشيعة يريدون أن يمثَلون من قبل أبناء طائفتهم، لكن إن تعذر ذلك، “فسيفضلون أن يمثلهم السنة الليبراليون لا الأصوليون”. وبالتأكيد سيكون هناك على الأقل عدد قليل من الشيعة البارزين الذي سينتخبون، لكن بسبب تفرق الأصوات، قد لا يحصلون على أكثر من 10 في المائة من مقاعد البرلمان، حتى وإن كان الشيعة يمثلون 30 في المائة تقريباً من السكان. لكن، بتحالفهم غير الرسمي مع الليبراليين، يأمل شيعة الكويت أن يحافظوا على التعايش الطائفي التاريخي في البلاد، بالرغم من الصراعات الداخلية المتجددة في بلدان أخرى في المنطقة.
السياسة الأمريكية
بالنسبة للولايات المتحدة، تتزامن الانتخابات الكويتية تزامناً دقيقاً مع زيارة الرئيس بوش الأخيرة للشرق الأوسط، التي تسلط الضوء على سياسته الرامية إلى تشجيع الديمقراطية في المنطقة، والتي كانت لها في الحقيقة نتائج متفاوتة. فالكويت، التي حررتها قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة في أعقاب الغزو [التي قامت به العراق أثناء حكم] صدام حسين عام 1990، بلد إسلامي لكنه موال للولايات المتحدة. وعلى الرغم أنه من المرجح أن يبقى التنافر بين الحكومة والبرلمان الكويتيين قائماً، تشكل هذه التجربة الديمقراطية العربية [تطور] يحتفى به، على الأقل بصورة متواضعة.
ديفيد بولوك هو زميل أقدم في معهد واشنطن يركز على الديناميكيات السياسية لبلدان الشرق الأوسط. مهدي خلجي هو أيضاً زميل أقدم في المعهد يركز على دور السياسة في الإكليروسية* الشيعية المعاصرة في العراق وإيران.