يمثل وجود اوباما على رأس الادارة الامريكية الجديدة فرصة كبيرة للعالم العربي لاقرار توجهات تساهم في حلول عادلة للصراع العربي الاسرائيلي و للصراع الايراني الامريكي والصراعات العديدة الاخرى التي تتعلق بالعلاقة بين الشرق والغرب. فهناك في هذه المرحلة ابتعاد امريكي عن لغة الاستعلاء والاستفراد، وهذه تشكل فرصة ضرورية للعرب، لانها ستقدم لهم وضعا جديدا اقل توترا واكثر سلما مما يساهم في انتعاش امالهم الانسانية والاقتصادية في التنمية والبناء بعد عقود من الحروب والتدمير.
لنتخيل قليلا افاق تسوية امريكية ايرانية تعلن بموجبها الادارة الامريكية انها لم تعد تسعى لتغير النظام الايراني. لنتخيل تسوية سورية امريكية بكل ما لذلك من انعكاس على اجواء التهدأة والاستقطاب في العالم العربي وفي اطار السعي لمساعدة سوريا استعادة الجولان وحماية سيادة لبنان وسلمه الاهلي. من ايران الى حماس ومن حزب الله الى سوريا ومن السعودية الى غزة والضفة الغربية والعراق سيكون مناخ التسوية الامريكية الاسلامية والعربية اساسيا لتحقيق تقدم على الارض في الشأن التنموي والسلمي والانساني والتعليمي العربي. هذا بالتحديد ما تمثله الفرصة التاريخية التي اتت مع انتخاب الرئيس اوباما. فهل نكون مستعدين للتعامل معها؟
من جهة اخرى تمثل الانتخابات الاسرائيلية القادمة هي الاخرى فرصة جديدة، فأن فاز حزب كاديميا والعمل تكون فرص التعاون بينهما وبين الادارة الامريكية تجاه التسوية افضل نسبيا من الليكود في حال فوزه. ولكن فوز الليكود قد يتحول لمواجهة امريكية اسرائيلية في حال عرف العالم العربي كيف يتعامل مع الخطوات الرئيسية التي تتعلق بمطالبة. بمعنى اخر بامكان الضغوط الدولية ان تتجه لاسرائيل عوضا عن العرب في حالة عرف العرب كيفية التعامل مع الفرصة التاريخية التي يمثلها وجود رئيس امريكي لا يعتبر الحرب الباردة والساخنة والضربات الاستباقية والعقوبات والحروب والمذابح اساس سياسته تجاه العالم العربي والاسلامي. بل على العكس فالرئيس اوباما ينطلق اساسا من مبدأ التواصل والحوار والاستيعاب والتحالف والاتفاق على الحد الادنى وترك الانظمة تتغير من جراء تجاربها وليس من جراء التدخل العسكري. لهذا من الطبيعي ان تكون اسرائيل بغض النظر من سيكون في الحكم امام استحقاقات سياسية وسلمية كبرى.
اما الفرصة الثالثة فترتبط بوضوح بنمو رأي عام عربي وعالمي بسبب حرب غزة مهيأ للاستماع للحقيقة حول سياسات اسرائيل التوسعية والاستيطانية وطريقة حصارها وتشريدها للشعب الفلسطيني. العالم بدأ يعي ان هناك قصة اخرى للمأساة السياسية والانسانية الفلسطينية وانه يجب ان يجد لها حلا. ان اوضاع الشعب الفلسطيني المأساوية تنبت حماس وتنبت الجهاد وتنبت بيئة العمل الانتحاري والغضب، وبلا تعامل جاد وتعاون دولي وعربي للتعامل مع هذه البيئة فأن العنف المقرون بالظلم سوف يستمر .
ان شرط النجاح في المرحلة القادمة يتطلب ترتيب البيت الفلسطيني والعربي. وهذا يعني تأمين اجواء عربية قادرة على طرح تصورات مشتركة. سوريا بامكانها ان تركز على الجولان وموقفها المعروف تجاه دعمها لقيام دولة فلسطينية، وكذلك بامكان مصر والاردن والخليج بأمكانهم ان يبنوا تصورات مشتركة واليات للتنفيذ. فالعالم العربي بامكانه ان يتفق على الحل السياسي ويدعم الفلسطينيين في توجههم لاقامة دولة فلسطينية ويبني الية حقيقية للسير قدما. ولكن كل هذا يتطلب علاجا للانقسام الحاد في العالم العربي، كما يتطلب ايقاف للانقسام الفلسطيني الفلسطيني بين فتح وحماس.
أن وجود ادارة امريكية جديدة تلتزم بمنهج حواري وسلمي لا يكفي. يجب ان تتوفر عناصر في الموقف العربي تجعله قادر على توضيح توجهه والقيام بالتزاماته، فامام العرب الكثير ليفعلوه في هذه المرحلة. لا بد من مبادرات عربية وخليجية ومصرية تجاه بضعهم البعض وتجاه توحيد الموقف الفلسطيني وتجاه ايران، ولابد من مبادرات تعيد الاساس للاتفاق العربي العربي. ان التعامل مع ادارة بجدية ادارة اوباما سيتطلب اتفاقا عربيا وفلسطينيا خالصا على شروط الحد الادنى وسيتطلب التزاما عربيا وايرانيا بتقليل التنافس والاستقطاب السياسي الذي ينعكس في فلسطين ولبنان والعراق ومناطق اخرى.
shafgha@hotmail.com
استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت