رواد حسن – الشفاف
لم تمر اربعة وعشرين ساعة على الاتهام الذي وجهه المدعي العام المصري لأمين عام حزب الله وعناصر من هذا الحزب بتشكيل خلايا عسكرية وامنية في مصر بهدف زعزعة الامن ونشر المذهب الشيعي في هذا البلد، حتى خرج السيد حسن نصرالله ليعلن عن تبني حزب الله للمتهم الاول في القضية سامي شهاب، مضيفا ان هذا “الاخ المجاهد” كان يتولى مسؤولية المساعدة اللوجستية لتأمين العتاد والاسلحة الى “المجاهدين في غزة” عن طريق صحراء سيناء.
لماذا سارع السيد نصرالله لاعلان هذا التبني، وهل تناسى ان الامر يشكل اعترافا باختراق الامن القومي وسيادة مصر على اراضيها مهما كانت الذريعة لهذا العمل، خصوصا وان تجربة المقاومة التي خاضها اللبنانيون على مدى عقود، وبالتحديد حزب الله ضد العدوان والاحتلال الاسرائيلي، كان الدافع فيها الوجود غير المرغوب فيه للاسرائيليين على الاراضي اللبنانية، وان المقاومة الفلسطينية لم تكن لولا الاحتلال الاسرائيلي؟ ولماذا قام اثناء الهجوم على قطاع غزة بتحريض الشعب وضباط الجيش المصري على النظام والحكومة، مع علمه حتماً بان الحزب يقوم بنشاطات مساندة لحركتي حماس والجهاد الاسلامي في غزة انطلاقا من الاراضي المصرية وان نشاطاته ليست بالضرورة بعيدة عن اعين الاجهزة الامنية المصرية؟
بدايةً، لا بد من الاشارة الى ان عشرة اشخاص او حتى خمسين شخصا لا يشكلون قاعدةً لتسويغ الاتهام بـ “التبشير” الشيعي، خصوصا وان مبدأ نشر المذهب لدى الشيعة لا يشكل هاجسا ولا يُعتبر جزءً من الاعتقادات العملية، وان جل تركيزه على مسألة “التبليغ” التي تنحصر في مسألة “تفهيم اتباع المذهب بالاحكام الشرعية والفقهية” اضافة الى الدعوة والترويج لأحد المراجع الدينية من اصحاب الرسائل العملية الفقهية. أما الحادث التي برز في المملكة المغربية مؤخرا، وان كان واقعيا، فانه يشكل ظاهرة غريبة على التشيع، وكان نشاطا فرديا لإحدى الجمعيات بعيدا عن المؤسسة الدينية الشيعية عامة.
من هنا ، فان الاتهام بالعمل على نشر التشيّع الذي وجهه المدعي العام المصري قد يكون مجافيا للحقيقة والواقع. ما يدفع الى الاعتقاد بان الهدف من وجود هذه المجموعة التابعة لحزب الله كان ابعد من تقديم الدعم اللوجستي لحركة حماس وايصال العتاد والسلاح الى داخل قطاع غزة الفلسطيني، ليصل الى ترجمة ابعاد اقليمية على علاقة بالخارطة الجيو سياسية القادمة لمنطقة الشرق الاوسط .
ابتسامة الرضا التي علت وجه الامين العام لحزب الله وهو يعلن مسؤولية الحزب عن انشطة “سامي شهاب” على الاراضي المصرية حملت الكثير من المعاني والابعاد والرسائل الداخلية لبنانيا على علاقة بالانتخابات النيابية القادمة، والاقليمية على علاقة باستراتيجية اطراف اقليمية داعمة لحزب الله في لبنان وحركتي حماس والجهاد الاسلامي في فلسطين.
فعلى صعيد الرسائل الداخلية، خصوصا ما يتعلق منها بالشارع السني اللبناني ومن ورائه العربي، فقد واجه حزب الله اتهامات واسعة بالتخلي عن دعم حركة حماس في صدها للهجوم الاسرائيلي الذي تعرض له قطاع غزة، وانه اكتفى بالدعم الاعلامي والكلامي والتحريض السياسي ضد الانظمة العربية خصوصا دول محور الاعتدال، وبالتحديد النظام المصري، في حين كان المتوقع منه ان يعمل على فتح الجبهة اللبنانية لتخفيف الضغط عن قطاع غزة وتشتيت التركيز الاسرائيلي في هذه الحرب.
وقد تصدى الحزب لهذه الاتهامات والانتقادات بالإلتزام الصارم بقرار الامم المتحدة رقم 1701 وابلغ الدولة اللبنانية بذلك، حتى انه ادان بشكل غير مباشر عمليات اطلاق الصواريخ من جنوب لبنان باتجاه اسرائيل خلال معارك غزة، الامر الذي ساهم في تعزيز الصورة التي يسعى حزب الله الى ترسيخها بلبنانيته وقدرته على لعب دور ضامن لاستقرار وامن لبنان على الرغم من امتلاكه – الى الان – قرار السلم والحرب في مواجهة الاسرائيلي.
والاتهام المصري أعطى الحزب شهادة براءة امام الشارع الشعبي السني الذي اخذ بتبني فكرة تخلي الحزب عن حلفائه. وساهم الاتهام المصري بتقديم الدليل القاطع على الدور الذي لعبه، وكان يلعبه، حزب الله اللبناني في دعم حلفائه في فلسطين والتزامه باستراتيجيته المعلنة في التركيز على العداء لتل ابيب.
وعليه بات الحزب قادرا على مخاطبة هذا الشارع الذي ما زال محكوما بتطلعات قومية وعروبية مثالية تمثل القضيةُ الفلسطينية وتحريرُ الارض احد ابرز معالمها، ليس فقط في لبنان بل في العالمين العربي والاسلامي، وان الحديث عن النظام المصري كان يهدف الى احراج هذا النظام ودفعه للعودة الى منطلقاته القومية والعروبية والتزامه بدعم فلسطين في افضل التقديرات، ما لم يكن يصب في خدمة مشروع اوسع يهدف الى اخراج مصر من الساحة السياسية وتهميش دورها الوزان في المعادلات العربية والاقليمية. وبات ايضا قادرا – اي الحزب – على مخاطبة المشككين في الداخل اللبناني بأنه يمثل حالة مقاومة تتجاوز المذهبية والطائفية. ومع التزامه التام بتحييد لبنان وعدم توريطه في ما يوصف بحروب الاخرين على رغم الضغوط الاقليمية القريبة التي تعرض لها او التي ضيقت الخيارات امامه في حال لم تستطع حماس الاستمرار في المواجهة او اعاقة التقدم الاسرائيلي، الا انه لم يتخل عن تقديم الدعم بكل الوسائل. وبالتالي فان هذا الشارع – السني – الذي شكك بمصداقية المقاومة وحزب الله وحصره بالانتماء الطائفي والمذهبي، سيدرك بالشكل الملموس وبشهادة مصرية هذه المرة مدى التزام هذه الحزب بالقضايا الاسلامية والقومية والعربية، ما يفرض عليه تغيير نظرته والعودة الى السياق السابق في دعمه لهذا الحزب ومقاومته. وقد يكون هذا هو السبب في تلك الابتسامة التي علت وجه امين عام حزب الله عند تبنّيه للأنشطة التي كان يقوم بها احد كوادره على الاراضي المصرية.
ومن ناحية اخرى، ولعلها النقطة الاهم في التصعيد الذي لجأت اليه القيادة المصرية، ثمّة الخوف العربي من اتضاح معالم ونفوذ الدور الايراني في المنطقة وقدرته على التحرك بفعالية في الحديقة الخلفية لكل الانظمة العربية ذات العلاقة المباشرة بالشأن الفلسطيني، وان كشف هذه الخلية عقد حالة الارباك التي تواجهها هذه الانظمة من التمدد الايراني عبر حلفائه في دوائرها الخاصة التي لا تقبل المشاركة فيها وتريد استمرار سيطرتها عليها.
لا يخفى على احد ان النظام الايراني يسعى للتمدد وبسط نفوذه في المنطقة من خلال استغلال كل المداخل التي تساعد على ذلك، والتأسيس لمناطق تواجد له تساعد في رفد حركته السياسية اقليميا ودوليا، وتوظيفها تاليا في حسابات مشروعه الاستراتيجي والجيو سياسي الذي يسعى لتركيبه في المنطقة بموافقة واعتراف دولي وامريكي. وان ضروريات هذا المشروع تستدعي تعديلا في موازين القوى الاقليمية المؤثرة عربيا واسلاميا وحتى اسرائيليا. لذلك لا بد من استغلال انكشاف الانظمة العربية امام شعوبها – كما يعتقد – فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وكذلك لا بد من تحجيم الدور الاسرائيلي وكسر هالة الخوف والرعب التي استغلها على مدى العقود الماضية في فرض سياساته على المنطقة وحتى على الادارة الامريكية.
وهنا ، فان طهران لن تكون محرجة كثيرا في تلقي الاتهامات المصرية وحتى العربية، بل ستعتبر ذلك مدخلا لتعزيز حضورها الجماهيري لدى الشعوب العربية، وانها تراهن على استيعاب الفورة الوطنية للشعب المصري الذي دفع به للاعتقاد بالتدخل الايراني بالشؤون المصرية الداخلية، وعودة هذا الشارع لاعادة النظر في الكلام الرسمي والتعاطي الايجابي معه لانه سيخاطب ويدغدغ مشاعره بكل منطلقاتها ودوافعها.
ومن الطبيعي ان تتحرك الادارة الايرانية للدفاع عن حليفها اللبناني والتصعيد مع الجانب المصري، واعادة التذكير بان الكشف عن خلية حزب الله في مصر يثبت ان الاتهامات المذهبية والطائفية لحزب الله غير منطقية ولا تخدم سوى الاهداف “الاستعمارية وزرع التفرقة بين شعوب المنطقة”، وان طهران هي الاقدر على تحمل مسؤوليات الدفاع عن قضايا الامة والعالم الاسلاميين.
من هنا يمكن فهم التصريحات التي ادلى بها رئيس البرلمان الايراني علي لاريجاني، والتي انبرى فيها للدفاع عن حزب الله ضد الاتهامات المصرية. فلاريجاني استعاد الخطاب الذي ساد ايرانياً ولدى حزب الله خلال حرب غزة، واعتبر انه بات من الواضح ان الكلام المصري “ليس سوى سيناريو سياسي متخلف للتأثير على الانتخابات المرتقبة في لبنان وللتعويض عما اعترى اعتبار الدول التي اتهمت بالتعاون مع الصهاينة في المغامرة التي قام بها الكيان الصهيوني في غزة”.
ما يفهم من كلام لاريجاني، وعلى خلاف الاشارات الاخيرة التي صدرت عن وزارة الخارجية الايرانية بعد حرب غزة على لسان منوتشهر متكي عن استعداد ايران لبدء حوار مع القيادة المصرية بهدف تحسين العلاقات، ما يفهم ان طهران وبعد ان لمست جدية امريكية في فتح باب الحوار وانها باتت قاب قوسين او ادنى من الحصول على اعتراف دولي ببرنامجها النووي، لم تعد بحاجة الى تقديم تنازلات للدول العربية او الاقليمية الا بالشروط التي تراها مناسبة لمخططاتها، وان الانزعاج المصري من صعود الدور الايراني باعتراف امريكي هذه المرة دفع القاهرة للاصطياد بماء حزب الله اللبناني من بوابة اتهامه بدعم حركة حماس. وهو ما وصفه لاريجاني بـ “تخبطهم في هذه الازمة هو تحميل حزب الله مسؤولية مساعدة الاخوة الفلسطينيين”. واعتبر ان هذا الاتهام المصري “هو شهادة فخر لحزب الله الذي وقف الى جانب فلسطين بكل وعي وشهامة بمواجهة امريكا واسرائيل في وقت كانت بعض الدول تغط بالنوم”. واتهم هذه الدول بالتمسك “بسيف الاستعمار القديم لرزع الخلاف السني الشيعي”، متسائلا “بأي منطق يكمن اتهام حزب الله بهذا الامر، وهو حزب شيعي دعم فلسطين السنّية في الدفاع عن غزة؟ “.
واستغرب لاريجاني محاولة هذه الدول تبسيط الامور، مذكرا بأن الشعوب اليوم باتت اكثر وعياً وأنها ترصد المواقف والتصرفات بكثير من الدقة “ولا يمكن اغفالها بقليل من المناورات الاعلامية لجعلها تنسى تعاونها مع الكيان الصهيوني في مغامرة غزة”.
وهنا لا بد من التوقف عند اشارة ذات اهمية وردت في خطاب الامين العام لحزب الله في دفاعه عن موقف حزبه بدعم حركة حماس من ان “العداء لاسرائيل لن ينتهي، لكن الخلاف مع امريكا رهن بتغيير سياساتها وتصرفاتها”. وهو تحول جديد في كلام نصرالله لأول مرة ترافق مع التأكيد قبل اسبوع وخلال خطابه الانتخابي على لبنانية حزب الله وانه جزء من الحياة السياسية اللبنانية، في مسار ينسجم مع التحول الذي تسير عليه التطورات على خط المفاوضات الايرانية الامريكية وما يفترض ان يتبعها من تطورات وتغييرات على مسار الملفات الاقليمية التي تملك طهران كلمة السر فيها. وليس أدلّ من على ذلك اقتران كلام لاريجاني عن حزب الله ومصر بكلامه عن الملف النووي وتأكيده بان أي مفاوضات قادمة مع دول مجموعة 5+1 يجب ان تقوم على اساس الحقوق التي ضمنتها معاهدة الحد من انتشار اسلحة الدمار الشامل ، وان هذا الامر يشكل امتحانا للنوايا الادارة الامريكية وحديثها عن التغيير.
الاتهامات المصرية لحزب الله ودينامية نصرالله في استيعابها: التبني خدمة لأهداف استراتيجية وجيو سياسية للاعبين إقليميينلنقرا التاريخ اولا الكل يعلم ان الجيش السوري ومافياته المخابراتية دخل لبنان بموافقة امريكية واسرائيلية بغرض القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية(تل الزعتر)..ارتكب الجيش السوري ومافياته المخابراتية الكثير من المجازر في لبنان ضد اللبنانيين والفلسطينيين..كما اغتال عددا من الشخصيات اللبنانية الشهيرة..عندما تحققت له السيطرة الكاملة للبنان تصرف النظام السوري في لبنان كما يتصرف في سوريا..من نهب وسرقة وفساد واجرام ودمار..وابقى فقط بالاتفاق مع نظام ايران مليشيا طائفية واحدة اسمها امل التي انقسمت بدورها بمسرحية حزب الله الطائفي. كره الشعب اللبناني سوريا بينما الواقع انه لم يعاني… قراءة المزيد ..
الاتهامات المصرية لحزب الله ودينامية نصرالله في استيعابها: التبني خدمة لأهداف استراتيجية وجيو سياسية للاعبين إقليمييناستاذ رواد المحترم تحية طيبة ملوؤها التقدير لتحليلك الرائع المقنع لهذا الموضوع المعقد. معك الحق عندما اوضحت ان هدف ايران وذراعها الطويلة في البلاد العربية حزب الله ليس نشر المذهب الشيعي, فهذه المهمة تقوم بها هيئات ايرانية وغير ايرانية بنجاح منقطع النظير ولكن همّ ايران اليوم هو قبولها في الشارع العربي وفي صفوف الاحزاب والجمعيات ذات الصبغة الاسلامية سواء المتطرفة منها أو الاقل تطرفا باعتبارها الطرف الوحيد الذي لا يخاف احدا ولا يهاب لا من اسرائيل ولا من الولايات المتحدة والذي يؤيد بعض ما تصبو… قراءة المزيد ..