سُئل مرة خالد بكداش – والرجل أغنى من أن يعرّف – : لماذا تضع مظلة فوق رأسك والجو رائق وصحو ولا ينذر بالمطر؟ فرد رده الشهير: “الأرصاد الجوية أكدت بأنها تمطر في موسكو”.
لا يهدف هذا المقال إلى قول ما لا يلزم لا في الرجل ولا في فكره، فلقد قيل الكثير وهو الآن في ذمة التاريخ. ولكن هذا لا يمنع من أنّ “البكداشية ” غدت مفهوما ومصطلحا في الفكر السياسي العربي. وان كان لبكداشية خالد بكداش سياقاتها التاريخية التي أنتجتها، فما هو غير مفهوم حاليا إعادة إحيائها بعد أن تلقت من سهام النقد ما أطفأ جذوتها وأحالها إلى رماد. ولا يغير في الأمر وجود أنصار لهذه “البكداشية” في عالمنا العربي لا زالوا مصرين أن المؤامرة كانت وراء تفتت الاتحاد السوفيتي، وما انفكوا يحلمون بعودة مظفرة لذلك الاتحاد.
لم تكن التبعية للمركز خاصية “بكداشية” اختص بها شيوعيون سوريون، فكما هفت القلوب على ذكر موسكو، خفقت بذكر القاهرة لدى ناصريين يحجون إلى هناك سنويا في ذكرى ثورة يوليو.
مرة أخرى، يؤكد هذا المقال أنه لا يضيف شيئا على النقد الذي حظي بهما النموذجان المذكوران الشيوعي والناصري في تبعيتهما الأول لموسكو والثاني للقاهرة. انما العودة اليهما تلزم اعمال النقد من جديد، لأن التاريخ يعيد نفسه – للأسف – من جديد، هذه المرة عبر فصيل ثالث ذي ايديولوجية إسلامية هو “الإخوان المسلمين”.
تهفو القلوب هنا نحو القاهرة، ولكن يضاف إبداع جديد على العشق التقليدي القديم، حيث اللقاء بالمحبوب يتم عبر وسيط ثالث هو (غزة)، المدينة الصابرة التي تكاتف ضدها الأصدقاء والأعداء كلُ يحاول البرهنة: العاشق عن مدى ولعه، والعدو عبر الإفراط بوحشيته. وغزة الصابرة كرهت العاشق والعدو لأن النتيجة بالنسبة اليها واحدة: العدو يمعن في القتل، والعاشق يتاجر بذاك القتل ويكومه في رصيده.
أي متتبع لمواقف جماعة “الإخوان المسلمين” يلحظ التباينات الكثيرة في طريقة التعاطي المختلف بينها وبين شقيقاتها العربيات فيما يتعلق بالموقف من النظام السوري. فالجماعة في سورية معارضتها أصيلة للنظام الحاكم في دمشق، ودائما كانت تنظر بعين اللارضا الى شقيقاتها ان كان في الأردن أو مصر أو حماس في كيفية التعاطي بينهن وبين نظام لا زال يحكم بالإعدام على أي منتسب إليها، ودائما كانت تبتلع حسرة، ولسان حالها يقول ” وظلم ذوي القربى…..”.
ظلت الغصة تعتمل في القلب والحلق من مواقف الشقيقات، وكان الأمل أن تتم الإدانة بعد ما قيل عن “تدنيس المصحف الشريف” في أحداث سجن صيدنايا التي لم يعرف مصير ضحاياها حتى اللحظة. بقي إخوان مصر والأردن وحماس وغيرها من تنظيمات الإسلام السياسي في تطور عشق درامي بينها من جهة والنظام السوري من جهة أخرى وصل ذروته في مجازر غزة الأخيرة.
يدافع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في مصر محمد مهدي عاكف عن دمشق والدوحة ضد منتقديهما لجهة احتلال الجولان السوري من دون مقاومة، واستضافة قواعد عسكرية أميركية في قطر، وقال إن “قطر تستضيف قواعد أميركية ومكتباً صهيونياً، ووقفت موقفا رجولياً. سورية عندها أرض محتلة، لكنها آوت المقاومين”، موضحاً أن “الإخوان” في سورية أوقفوا النشاطات ضد النظام، “ولو رأيت من النظام المصري شيئاً يقف إلى جوار المقاومة، لأوقفت أيضا”. ( صحيفة الحياة الصادرة في لندن نقلا عن المرصد السوري بتاريخ 10- 2- 2009 ).
السؤال الذي يفرض نفسه هنا، هل تعبت الجماعة في سوريا من تمردها واختلاف رأيها مع تنظيم إخواني عالمي جلّه يختلف عنها في النظرة إلى النظام في دمشق، فكان قرارها الأخير بتعليق أنشطتها المعارضة؟
سؤال ثان، تفرضه ربما، السياسة التي يتبعها النظام السوري في تعاطيه مع مجمل حركات الإسلام السياسي المعتدلة منها والمتطرفة، حيث نجد تناغما بين تلك الحركات وبين النظام السوري على مستوى الشعار والخطاب، حيث لا اختلاف كبير. مما أحدث ربما تغيرا في طريقة تعاطي النظام مع الجماعة، حيث أنها ربما وحيدة تغرد خارج سربه. فقرر التعاطي معها (الشائعات قديمها وجديدها تحدثت وتتحدث عن وساطات بدءا من فتحي يكن في اسطنبول مرورا بأردوغان وصولا الى القرضاوي) للوصول، ربما إلى تفاهمات تنهي قطيعة ابتدأت في أواخر سبعينيات القرن المنصرم.
ربما لا يبنى على هذا التساؤل الثاني ولا على استنتاجاته، ما يبنى عليه هو المعارضة الأصيلة للإخوان في سوريا، وبالتأكيد لا يوجد معارضة للمعارضة فقط إنما طالما أن:
1 – “إعلان دمشق” والإخوان كما يقولون جزءا أصيلا منه وفي رأس أجندته “تغيير النظام بشكل سلمي ديموقراطي”. السؤال الذي يطرح نفسه على “الإخوان” هنا: ماذا تحقق مما يطالب به “إعلان دمشق”؟
2 – جبهة الخلاص و”الإخوان” كما يقولون أيضا أنهم جزء أصيل منها وعلى رأس أجندتها “إسقاط النظام” والسؤال الذي يفرض نفسه أيضا على الإخوان قبل غيرهم ماذا تحقق من تلك الأجندة؟ الإجابات مهمة كي نخرج من كل تلك الأهداف المتناقضة.
وقبل كل تلك الإجابات، التشريح مهم هنا والإخوان قبل غيرهم من كل تيارات المعارضة السورية، شرحوا وحللوا وتوصلوا إلى نتيجة مفادها: “النظام السوري نظام عصي على الإصلاح ولا فائدة ولا أمل يرتجى منه”. في ضوء “التعليق” مطلوب إجابة أو تشريح جديد ليتلاقى مع السياسات المستجدة.
بالتأكيد، ليس المطلوب سياسات متحجرة، فتلك لا سياسة. إنما عود على بدء، لندع غزة جانبا، فمن يتشهى معانقة دمشق وحلب وليس بقادر، فلن يستطيع نصرة غزة. أيضا لإخوان مصر ظروفهم، ولحماس مبرراتها، ولأخوان الأردن رؤاهم، أما أنتم فحافظتم كثيرا على استقلالية قراركم فلماذا تفرطون به لغيركم؟
لا تكونوا كما كان خالد بكداش عندما ارتهن لموسكو، ولا تكرروا خطيئة المرحوم جمال الأتاسي عندما خالف رأي قواعده وانضم إلى “الجبهة الوطنية التقدمية” لأن مصلحة مصر كانت تقتضي ذلك.
*
* امتنع موقع ” الرأي ” الناطق باسم حزب الشعب الديموقراطي عن نشر المقال لأسباب غير معلومة.
ahmadtayar90@hotmail.com
* كاتب سوري
“الإخوان المسلمين” في سوريا إلى أين؟بسم الله الرحمن الرحيم جزا الله خيرا كاتب المقال كفى ولم يوفي… المشكلة بيد النظام هو من صنعها ورباها وربى اهل سوريا على العداء للاخوان (استخف قومه فأطاعوه) الاخوان ليست مشكلتهم مع الشعب .حتى وان كانوا من العلويين او النصيريين المشكلة مع النظام وعلاقاته الخارجية المشبوهة وقد نسيها الكاتب ..اما تسترا على النظام او جهلا به . الذي اوجد المشكلة يتحمل حلها ويسأل عنها النظام في سوريا مستعد ان يصالح الصهاينة ويصنع تطبيع كامل معهم …سلام شجعان وغير مستعد حتى للكلام عن اصلاح حقيقي وفعال يعيد المياه الى مجاريها .. بعد ان دمر الاسد الاول… قراءة المزيد ..
“الإخوان المسلمين” في سوريا إلى أين؟
* امتنع موقع ” الرأي ” الناطق باسم حزب الشعب الديموقراطي عن نشر المقال لأسباب غير معلومة.
وهل نسيت ايها الكاتب الإعرابي ان الدمقرطة في (الرأي) انها تنطق باسم حزب الشعب الكردي الدمى قراطي