سعد كيوان- بيروت
“أنا الوحيد الذي لا يعرفونني… الأوضاع تغيرت وسنتلاقى”!
ميشال عون، الجنرال اللبناني المتقاعد وزعيم “التيار الوطني الحر”، مشتاق لزيارة سوريا والتعرف على حكامها، عفوا حاكمها بشار الأسد.
لم يعد بوسعه الانتظار: “هم يعرفون الجميع في لبنان الا أنا، يعرفون كل من ينتقدونهم اليوم، أنا الوحيد الذي لا يعرفونني (والذي لا ينتقدهم)… خلال زيارتي سأتعرف عليهم ويتعرفوا علي”.
ليست هذه المرة الأولى التي يعبر فيها الجنرال السابق عن رغبته في زيارة دمشق. إذ أنه أعلن قبل اسبوعين، وعلى أثر عودته من زيارة لايران، استعداده لزيارة سوريا، و”لكني لا أعرف متى لأن موعدها لم يحدد بعد”… وهو يلمح الى ذلك منذ أشهر، وفي كل مرة يزيد، وبشكل تدريجي، “الجرعة” كي تهضمها قاعدته ومناصريه من المسيحيين، الذين قاتلوا السوريين لسنوات أو على الأقل ناصبوهم العداء، ولكنهم يحبون الزعيم ويرضخون لمشيئته.
وقد عمل عون منذ البداية، ومنذ عودته من “منفاه الذهبي” في باريس في 7 أيار 2005، على تعبيد الطريق باتجاه الشام. وكان يطلق من وقت الى آخر كلام من نوع أن “سوريا أصبحت في سوريا ومعركتنا معها إنتهت”، فيما كان الصمت هو سيد الموقف في كل مرة يتم فيها إغتيال من اغتيل من سياسيي ورموز انتفاضة 14 آذار، التي كان تياره جزءا اساسيا فيها، أو “يتحصن” بالقضاء داعيا الى “عدم استباق التحقيق”. في حين أنه كان أول المسارعين الى اتهام سوريا باغتيال الشهيد رفيق الحريري، بعد ساعات قليلة على ارتكاب الجريمة في 14 شباط 2005…
ألا أن الرغبة في دخول قصر المهاجرين باتت جامحة للتعرف على الأسد الإبن. فهو عرف حافظ الأسد وتواصل معه، ولو “عن بعد”، بالتراشق حينا وبالتزود بالقذائف والوقود حينا آخر، خلال حربي “التحرير” (ضد السوريين) و”الإلغاء” ضد “القوات اللبنانية”. وقد سبق للأسد الأبن أن أشاد في أكثر من مناسبة بالجنرال المتقاعد، الذي قارب الخامسة والسبعين، قائلا: “عون رجل نحترمه”. وقبل أيام، كشف وزير خارجيته وليد المعلم، خلال حديث الى محطة تلفزيونية (“اي. أن. بي”)، انه وجه دعوة للجنرال لزيارة سوريا “بلده الثاني”، كما قال المعلم، عنما التقى عون “صدفة” في بهو مجلس النواب اللبناني خلال جلسة انتخاب ميشال سليمان.
ولا بد من ملاحظة كيف يمهد الجنرال المتقاعد لهذه الزيارة المرتجاة. فقد بدأ أولا بشن حملة على السياسة الأميركية “الخاطئة والتي كانت نتائجها وخيمة وكارثية”، وهي لن تستقيم “ما لم يقر حق العودة للاجئين الفلسطينيين” (كذا). وهنا لا بد من أن نسجل لعون تعاطفه المستجد مع القضية الفلسطينية، رغم وصفه الفلسطينيين بأ”اللاجئين”، بعد ان كان في مقدمة المهاجمين لمخيم تل الزعتر الفلسطيني، عام 1996، الى جنب بشير الجميل.
ثم يتابع عون قائلا: “اذا كانت اسرائيل تخطط مجددا لضرب لبنان و”حزب الله” فهذه المرة ستكون انتحارية بالنسبة لها” (كذا). جيد، ولكن على من، وماذا يستند الجنرال؟
وعشية العودة الى طاولة الحوار، التي تنعقد غدا في القصر الجمهوري برعاية رئيس الجمهورية، ينعي عون الحوار مؤكدا انه سوف لن يصل الى نتيجة ما لم يتم توسيع الطاولة. لتضمّ من؟ من تبقى من حلفاء وأتباع سوريا مثل سليمان فرنجيه وعمر كرامي وطلال ارسلان، الذين فشلوا في الانتخابات النيابية الأخيرة، وليس لهم ممثلةن في مجلس النواب. وهو أساسا مطلب “حزب الله”، وبالتالي مطلب سوري. ثم يستدرك قائلا: “أنا طالبت بتصغيرها (الطاولة)، فلم يوافقوا لذلك لا بد اذا من توسيعها”…
أما عن “المصالحة المسيحية”، التي كان من المفترض أن تتم بين سمير جعجع وسليمان فرنجيه، فقد رأى عون انها “فرطت من كثرة الضجة التي اثيرت حولها” (…). ومعلوم ان فرنجيه كان اشترط مشاركة عون في هذه “المصالحة”، علما انه ليس لهذا الأخير أي علاقة مباشرة بالخلاف بين الطرفين. الا أن عون كان راغبا في “رعاية” هذه “المصالحة” ليؤكد على أنه الزعيم المسيحي الأوحد، وصاحب “القاعدة الشعبية الأوسع” في الساحة المسيحية.
وعندما وافق جعجع على ذلك قائلا انه لن يحول دون حضور عون اذا كان للأخير “أسبابه العاطفية”، طرح فرنجيه شروطا جديدة تعجيزية كان قد أوحى له بها الجنرال. ثم عاد عون و”زهد” بالمشاركة. أي، بمعنى آخر، لا يريد الطرفان الذهاب الى “مصالحة” قبل أشهر من الانتخابات المقبلة، التي ستكون طاحنة في الدوائر المسيحية تحديدا، وتحتاج بالتالي الى وقود للتعبئة والشحن، واللعب على جراح وأحقاد الماضي، وشد العصبيات المناطقية والعائلية.
وهذا ما يريده، في العمق، النظام السوري كي يبقى الانقسام سيد الموقف على الصعيد المسيحي، مقابل ارتياحه لسيطرة حلفائه، “حزب الله” و”حركة أمل”، على الساحة الشيعية، وتعويض محاولاته الفاشلة (لغاية الآن) لتقويض سيطرة تيار الحريري على الساحة السنية. علما ان “ورقة الإرهاب الأصولي السلفي” ممكن ان تلعب مجددا في أية لحظة!
ولكن الجنرال السابق لا يكتفي بذلك، ويريد ان يتوسع جنوبا ويحصد ما أمكن من مقاعد مسيحية كي يؤكد للمسيحيين – الذين يحبون قائدهم المقدام وصاحب الصراخ العالي – أنه هو من “يسترجع لهم الحقوق” في جزين، والزهراني، ومرجعيون و… أي، إنه يريد القضم تحديدا من “حصة” نبيه بري. وقد مهد عون لمعركته هذه، ولأهداف أخرى طبعا، بزيارة ايران، “أكبر قوة اقليمية من هنا الى الصين (كذا)”، و”بلد يحترم حرية المعتقد (ياي!)…”. فهل يقبل “الاستاذ” التنازل عن جزء من “حصته”؟
معروف ان بري لا يستهضم الجنرال “المتسلبط”، والذي لا يجيد اللعبة السياسية كما يجيدها رئيس المجلس، الجالس سعيدا منذ نحو سبع عشرة سنة، والطامح ربما الى تأبيد مقعده الرئاسي. لذلك، عليه بالتالي أن يحافظ، أولا على “حصته” المسيحية، وثانيا أن يغازل “قوى 14 آذار” تحسبا للمستقبل القريب.
وانطلاقا من هذه المعطيات، فقد بدأ الكباش وتبادل “الرسائل المشفرة” بينه وبين الجنرال، الذي يريد مقعد رئيس الحزب القومي السوري اسعد حردان في مرجعيون لرفيق السلاح اللواء عصام ابو جمرا، ومقعد ميشال موسى في الزهراني لرفيق السلاح الآخر العقيد فوزي ابو فرحات، ومقعد سمير عازار أو أنطوان خوري في جزين (أو الاثنين معا؟) لأحد مسؤولي التيار هناك.
في المقابل، يريد القوميون (السوريون) ان يكافأوا جراء “استبسالهم” واستباحتهم منطقة الحمراء، في بيروت، كذراع ضارب لـ”حزب الله”، خلال غزوة 7 أيار الماضي. فهم يتمسكون بمقعد قائدهم، الذي يتبوأ رئاسة الحزب للمرة الأولى، في مرجعيون منذ 1992 كـ”ضريبة سورية” مفروضة على بري، ويريدون استعادة مقعد رفيقهم غسان الأشقر، في المتن، على اللائحة العونية. ولكن عون يرفض ذلك معتبرا انه يشكل “ثقالة عليه”، وكذلك ميشال سماحة. والأثنان رقمان سوريان بامتياز، خصوصا الأخير الذي يشغل حاليا منصب مستشار عند بشار الأسد!
أما مع “حزب الله”، فلا يوجد أي اشكال. وما يفصله حسن نصرالله يلبسه ميشال عون من دون تردد.
أما الهجوم الأخير فقد شنه الجنرال على رئيس الجمهورية، رافضا شيء اسمه “لائحة ثالثة”، أو “كتلة نيابية مستقلة” أو حيادية. فالحياد في نظره هو تقاعس، تواطؤ أو… حتى أنه يذهب أبعد من ذلك معتبرا أن من يعلن نفسه محايدا، يعني انه “برسم الايجار”!
أفلا تستأهل كل هذه المواقف زيارة دمشق كي “يتعرفوا علي وأتعرف عليهم”، طالما انهم تغيروا؟ وسبحان من يغير ولا يتغير!
s.kiwan@hotmail.com
“الأوضاع تغيرت… سأتعرف عليهم ويتعرفوا عليّ”
أقسم أني ما حسبت دولة الرئيس بري إلا أحد جماعتنا في جده بالرغم أني أذكره عندما ألبس الإمام موسى الصدر رحم الله موتانا (طاقية الإخفاء)في الجماهرية العظمى وكان دولته يحمل حقيبة ويتجول في نيويورك بقي هناك فترة وأنا أتابعه حتى عاد وأصبح شيخ الأمل,أما العماد:
فالبيت لا يبتنى الا على عمد ****** ولا عماد إذا لم ترس أوتاد ..
وعليكم اكمال قصيدة المفوه.