“شفاف” خاص
عبرت إيران من خلال مرشدها الأعلى، وقبل ذلك عبر وزارة الخارجية ثم بعثتها في الأمم المتحدة، عن رفضها الاتهامات الموجهة إليها بالوقوف خلف هجوم حركة حماس. ويبدو أن هذا الرفض، المتكرر، يخبّئ خلفه مخاوف من إمكانية تعرّضها لتهديد، سياسي أو اقتصادي أو حتى عسكري، في ظل ظروف داخلية عصيبة لا تتحمّل أي تهديد جديد، وعلاقات خارجية غير مستقرة مع العديد من الدول الكبرى التي تتهمها بتهديد السلم الإقليمي والعالمي.
فالمراقبون يتحدثون باستمرار عن إمكانية أن يتحول النزاع العسكري بين إسرائيل وحماس إلى نزاع إقليمي. وإذا ثبت لدى تل أبيب أو أطراف دولية تساندها، كالولايات المتحدة، أن الاتهامات الموجهة لإيران صحيحية، في ظل التقرير المثير لصحيفة “وول ستريت جورنال”، وقبل ذلك تأكيدات حماس وحزب الله اللبناني وقيادات في إيران بأن طهران تقف خلف الهجوم الحمساوي، والتقارير التي تؤكد بأن حماس تتلقى دعما ماليا وعسكريا مستمرا من طهران، فإن ذلك قد يغيّر المعادلة الراهنة.
أول المؤشرات مرتبط بتحريك الجبهة اللبنانية مع إسرائيل، والتي لا تريد طهران لها أن تتحرك. فهذه الجبهة تبدو هشة، وهي المدخل الذي قد يقود إلى تثبيت تهمة وقوف إيران خلف هجوم حماس. خاصة وأن مسؤولين إيرانيين أعلنوا أن تحرّشا عسكريا إسرائيليا بإيران قد يؤدي إلى رد إيراني عن طريق الجبهة اللبنانية. ثم أن أي تدخل إيراني في الصراع سيقود واشنطن إلى الرد عسكريا، الأمر الذي تسعى واشنطن حتى الآن إلى تجنبه ولا تريد فتح جبهة جديدة في النزاع العسكري.
وقال مسؤول أمريكي كبير السبت إنه “من السابق لأوانه القول” ما إذا كانت إيران “منخرطة مباشرة” في هجوم حماس. لكنه أضاف “ليس هناك شك” في حقيقة أن حماس “ممولة ومجهزة ومسلحة” من طهران. في حين أشارت أنباء إلى أن إسرائيل هدّدت بالقيام بقصف مزدوج للضاحية الجنوبية في بيروت ولدمشق في حال تدخل حزب الله اللبناني في النزاع العسكري.
ثاني المؤشرات مرتبط باستفادة طهران سياسيا وعسكريا من هجوم حماس. عسكريا، استطاعت إيران أن توجه لإسرائيل ضربة قوية في ظل سقوط عدد كبير من القتلى الإسرائيليين، بعد أعوام من قيام إسرائيل بقتل العديد من الإيرانيين داخل إيران وخارجها وتخريب الكثير من منشآتها. كذلك استطاعت إيران البرهنة بأن المقاومة المسلحة خيار قد ينجح كثيرا. أما سياسيا فقد يعرقل هجوم حماس الخطة الأمريكية السعودية الإسرائيلية لتقويض الدور السياسي الإقليمي لإيران، ثم قد يساهم في عرقلة ولادة رؤية دولية جديدة لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي تخطط له الدول الثلاث بدعم من قوى عالمية.
أما ما يتعلق بالجبهة الروسية الأوكرانية، فإن هجوم حماس سيساهم في تقليل الضغوط السياسية والعسكرية على الجانب الروسي وسيوجه أنظار اللاعبين الرئيسيين في الساحة الدولية نحو الشرق الأوسط.
في نظر المراقبين فإن إيران هي الرابح الأكبر حتى الآن في هذا الظرف العصيب الذي تعرض له الفلسطينيون والإسرائيليون، إلا إذا توجّهت بوصلة المسؤولية والإتهام نحوها. وحسب زميل أبحاث سياسة الشرق الأوسط بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية حسن الحسن، فإن “الحرب الحالية تعقّد حتما عملية التوصل إلى اتفاق تطبيع بين السعودية وإسرائيل، وتعزّز أيضا من أطروحة ما يسمى بمحور المقاومة (الذي تقوده إيران وتنتمي إليه حماس) بأن إسرائيل دولة قابلة للهزيمة”.