“فيما يلي موجز مُحرر من محاضرة ألقيت خلال “مؤتمر واينبرغ فاوندرز لعام 2009” بعنوان “إيران: دعوة إلى التغيير”. لا يجوز الاستشهاد بالموجز كنص فعلي لملاحظات المتحدث.
“الآراء الواردة في هذا المقال خاصة بعطاء الله مهاجراني فقط ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أو مجلس أمنائه أو مجلس مستشاريه”.
*
تواصل حكومة محمود أحمدي نجاد — الذي ليس هو الرئيس الشرعي لإيران — إنخراطها في أعمال مليئة بالمغامرة والإثارة في كل المسائل التي تواجهها تقريباً، من المأزق النووي إلى المحرقة. لقد فقد الملايين من الناس حياتهم في المحرقة، ولا يقلل من خطورة ذلك الحدث عدم وجود معلومات عن بعض من أولئك الضحايا. إلى جانب ذلك، حتى لو احترق أو قتل طفل يهودي واحد فقط، كان ذلك سيكون كارثة. إذن، فإن المسألة ذات الصلة، هي تلك التي وضعها الروائي إيلي ويزل الحائز على جائزة نوبل: كيف يمكن أن تصبح الضحية هي المعتدي في بعض الأحيان؟
يجب معالجة هذا الموضوع من منظور إنساني، وهو الحال فيما يتعلق بالأسلحة النووية. ومن هذا المنظور الشامل، ومن منظور ثقافي إيراني ومسلم ينبغي أن تتم معارضة إنتاج أو استخدام مثل هذه الأسلحة. فعلى سبيل المثال، كان آية الله العظمى حسين علي منتظري — [الذي توفي مؤخراً] والذي كان معترفاً به من قبل البعض بأنه الزعيم الروحي لـ «الحركة الخضراء»، المعارضة الجديدة في إيران — قد أعلن أن الإسلام لا يسمح بحرية الوصول إلى أسلحة الدمار الشامل.
لقد انبثقت «الحركة الخضراء» بعد جهود دامت أكثر من قرن بذلها الشعب الإيراني من أجل تحقيق الديمقراطية والحرية والعدالة. وهذه حركة وطنية تحتاج إلى المزيد من الوقت لكي تنمو، وسيكون تأثيرها ملموساً على المدى البعيد كونها تمثل قطاعاً من أفكار وطموحات مختلفة. والحقيقة هي أن كفاحها سيكون أشبه بماراثون من أن يشابه سباق 100 متر. فهو كفاح ستشارك فيه أجيال من الإيرانيين، وليس هناك توقعات عما سيؤول إليه هذا الكفاح على المدى القصير.
وكما ذكر الرئيس الأمريكي باراك أوباما خلال خطابه في الأمم المتحدة في 24 أيلول/سبتمبر، 2009، لا يمكن فرض الديمقراطية على بلد ما من الخارج. وبدلاً من ذلك، يجب على [أي] أمة أن تختار الديمقراطية لنفسها. ووفقاً لذلك، لا تطلب «الحركة الخضراء» تقديم الدعم المباشر من الولايات المتحدة أو المجتمع الدولي، ولكنها تطالب فقط بأن لا تقوم هذه المجتمعات بإعاقة نموها. ويقول المزمور 69: “…. وفي عطشي يسقونني خَلاًّ”. فـ «الحركة الخضراء» لا ترغب أن توضع في مثل هذا المأزق غير المستساغ، سواء كان ذلك في شكل من أشكال العمل العسكري، أو فرض مزيد من العقوبات، أو المهادنة للحكومة غير الشرعية في طهران .
وبشكل أكثر تحديداً، يتفق معظم قيادة الحركة — بمن فيهم مير حسين موسوي، مهدي كروبي، ومحمد خاتمي — بأنه ستكون هناك عواقب سلبية إذا ما قامت أي دولة بتوجيه ضربة عسكرية على تلك البلاد، مثل إضعاف الحركة المؤيدة للديمقراطية وتعزيز الحكومة الحالية وجهاز المخابرات العسكرية. ولن ينظر الشعب الإيراني، الذي يعود تأريخه إلى 6000 سنة، إلى هجوم تقوم به دول أجنبية على أراضيه كضربة يستحقها النظام ضد زعيمه غير الشرعي، أحمدي نجاد، بل سوف يعتبرها اعتداء على سيادته ووحدته الوطنية. وفي الواقع، فإن معظم الإيرانيين، وحتى أولئك من بينهم الناشطين في «الحركة الخضراء»، سيلتفون حول النظام. لذا ينبغي على القادة الأمريكيين أن يتوقفوا عن استخدام عبارات مثل “كل الخيارات مطروحة على الطاولة”، لأن القوة ليست حلاً.
وبالمثل، لا تؤدي العقوبات وزيادة الضغوط الإقتصادية إلى حل الأزمة الدبلوماسية أو تساعد الفصائل المؤيدة للديمقراطية. ولكي تنجح، تتطلب «الحركة الخضراء» وجود طبقة متوسطة قوية قائمة على الصناعة والتجارة وغيرها من القطاعات. ومن شأن فرض المزيد من العقوبات أن يضعف هذه القطاعات ويعطي النظام اليد العليا في النقاشات الإقتصادية. وعلى نطاق أوسع، فإن فرض المزيد من العقوبات سيحرم الشعب الإيراني من الفرصة التأريخية لإحداث التغيير، والتي برزت منذ حزيران/يونيو المنصرم.
ينبغي على الولايات المتحدة المضي قدماً في الحوار لإنهاء الأزمة مع إيران والتوصل إلى انفراجة، بدلاً من استخدام القوة العسكرية أو فرض العقوبات. وحتى «الحركة الخضراء» تؤيد هذا النهج، على الرغم من عدم اعترافها بشرعية الحكومة. وتتفاوض حالياً الدولP5 + 1 — أي الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى المانيا — مع إيران. وقد اقترح البعض أن تنتظر هذه الدول قبل أن تتوصل إلى اتفاق مع طهران، إلى أن يتم تحديد مصير «الحركة الخضراء». إن هذا هو اقتراح غير واقعي. وهكذا فإن «الحركة الخضراء» تؤيد إجراء محادثات بين الولايات المتحدة والحكومة الحالية.
وفي الوقت نفسه، ينبغي على الولايات المتحدة أن لا تتفاوض مع طهران بشروط تكون لصالح الولايات المتحدة ولكنها تضر بالتطلعات الديمقراطية للشعب الإيراني على المدى الطويل. ويعتقد الكثيرون في الشرق الأوسط أن الولايات المتحدة لا تريد قيام أمم قوية وديمقراطية ذات سيادة في المنطقة، لأن قيام مثل هذه الدول يجعل من الصعب على واشنطن تحقيق أهدافها. يجب على الرئيس أوباما أن يغير هذا التصور. وعلاوة على ذلك، يشعر بعض الإيرانيين بالقلق من أن الإدارة الامريكية الحالية سوف تكون على استعداد لتقديم الدعم الكامل لحكومة أحمدي نجاد حتى لو كانت هذه الأخيرة تفتقر تماماً إلى الشرعية. فعلى سبيل المثال، في 15 حزيران/يونيو، 2009 — وهو نفس اليوم الذي سار فيه ثلاثة ملايين شخص من ساحة الإمام الحسين إلى ساحة أزادي في طهران للإحتجاج على إعادة انتخاب أحمدي نجاد — أطلقت السلطات الأمريكية في أربيل، شمالي العراق، سراح العديد من المسؤولين الإيرانيين الذين اعتقلوا لصلتهم المزعومة مع ‘قوة القدس’ التابعة للحرس الثوري الإسلامي. وقد نظر الكثير من الإيرانيين إلى تلك الخطوة بأنها بمثابة بادرة تصالحية تجاه أحمدي نجاد. وبالمثل، اعتُبرت المحادثات التي جرت مؤخراً بين الولايات المتحدة وإيران في جنيف بمثابة بطاقة تهنئة إلى طهران.
وفي ضوء هذه المواضيع، سوف يكون من الحكمة أن تنظر الولايات المتحدة في دروس التاريخ. فعلى سبيل المثال، كان عام 1953 فترة محورية للكثير من البلدان. ففي ذلك العام، توفي ستالين في الاتحاد السوفياتي؛ وفي يوغوسلافيا، وصل تيتو إلى السلطة؛ وفي الولايات المتحدة، أعلن ترومان تطوير القنبلة الهيدروجينية. وبالنسبة للإيرانيين، كان عام 1953 ملئ بالمعنى لأنه كان العام التي تم فيه سحق طموحات الأمة الإيرانية نحو الحصول على الحرية والديمقراطية، عن طريق القيام بانقلاب.
لقد قال الرئيس فرانكلين ديلانو روزفلت ذات مرة بأنه يجب على الولايات المتحدة أن تكون “الترسانة الكبيرة للديمقراطية”. ومع ذلك، فبعد ثلاثة عشر عاماً من ذلك الإعلان، استسلمت إيران لإنقلاب ضد حكومتها الوطنية. لقد كان العقدان الذان أعقبا ذلك الحدث فترة حزينة جداً لتلك البلاد، لم تقف خلالهما الولايات المتحدة صفاً واحداً لتعزيز الديمقراطية أو سيادة القانون في إيران. فلو لم يتم سحق الحركة الوطنية في عام 1953، لكان من المؤكد أن يكون لإيران مصيراً مختلفاً — فلم يكن هناك حاجة للثورة الإسلامية التي خلقت الكثير من المشاكل منذ عام 1979.
يجب على صناع السياسة الأمريكية أن يتعلموا من هذا التأريخ — ينبغي عليهم أن لا يقدموا تنازلات إلى الحكومة الحالية في إيران. وإذا فعلوا ذلك، ستذكر الأجيال القادمة من الإيرانيين كيف قامت الولايات المتحدة مرة أخرى بإعاقة مصالح الشعب الإيراني.
عطاء الله مهاجراني لعب دوراً قيادياً محورياً في جمهورية إيران الإسلامية، حيث شغل منصب وزير الثقافة والإرشاد الاسلامي في زمن الرئيس محمد خاتمي ونائب الرئيس للشؤون البرلمانية في عهد الرئيس أكبر هاشمي رفسنجاني. وهو شخصية بارزة في الحركة الإصلاحية الإيرانية، ويقيم حالياً في لندن.