إن جئتك وصرحت لك عن حبي فهل سأبقى بنظرك سيدة فاضلة ونبيلة؟
وهل سأفكر يوماً بهذه الفعلة المشينة تقليدياً؟
أنا التي يغريها الحديث عن هتك الجمود والموروث، التي تؤمن بأن الحبس إهانة للفكر قبل الأعضاء.
أنا. الحرة دون انفصام.
أتشوش وأفكاري عند مسائل متخبطة المعاني كالكرامة والكبرياء.
لا أسمح لذاتي بالتعبير عن نفسها. أبقيها في طور تنازعات لم تصل لاتفاقية بعد.
اتفاقية تحدد أطر السيدة. السيدة النبيلة مجتمعياً.
السيدة، ذات المواصفات المحسومة. لكن الاتفاقية لم تخرج إلى النور بعد.
أهو نبل أن أحب وأتخفى؟ تحضرني المشاعر فأظهر العكس باسم الكبرياء! أنا لم أحارب صمت المشاعر عند ثورتي على القيم.
هل من حقي أن أعبر عن مشاعري. بل هل من واجبي؟ وكيف أبقيها حبيسة؟ وأتغنى صامتة بحبك السري. سر لا يتجاوز حدود صاحبة الفضيلة.
سبق أن صادقت ووقعت بعلو صوتي على كل معاهدات إلغاء أشكال التمييز ضد المرأة. ازدريت الأنظمة العربية التي تحفظت على البنود باسم مكبلات المجتمع، وامتدحت نظاما يلغي التحفظ تلو الآخر. ليس لي تحفظ على بند واحد من سيداو. أهمها حق المرأة في المسكن والتنقل واختيار الشريك. آمنت أن من حق المرأة أن تختار الشريك، شريكها الذي فضلت ضمنياً أن يبدأ هو العرض. أردت لها أن تختاره نظرياً وعبر العقود الدولية، لكني حرمتها وحرمتني من فعل الاختيار. إذ كان لدي تحفظا هائلا على من يبدأ أولاً.
ألم يكن تحفظي تمييزاً؟
*
كان ذلك ماضياً.
من الرجل الذي أحب اليوم؟
أهواه يستمع لتصريحاتي دون أن يخدشها معتقداً أنها إهانة لنبل السيدة.
أهواه لا يأبه إن كان هو المتلقي.
أعرف أن السيد لا يريد امرأة تصرح له عن حبها على المكشوف أو بالتلميح.. يريد من تنتظر أن يلقي عليها بعواطفه. كما سيلقي بجسده وأمواله وأوامره.
فهل مثله جدير أن يكون عاشقاً لامرأة وقعت على سيداو؟
ذاك الذي هواه امرأة متلقية. ألذلك تخشى السيدة من التعبير الأولي؟
إذ كيف ستنجو من الفضيحة.
الفضيحة التي ستلازمها حياتها. لقد عبرت عن حبها لرجل يعتبرها أختاً. أو رجل يكره أن تعترف له امرأة.
هل ستخذلني الإهانة وتكسر كبريائي؟
هل يشعر بذلك الرجال أيضاً؟ حين أرفضهم؟
أم يعتبرونه عادياً أن تخذلهم المشاعر المقابلة، أو ترفضهم. هل اعتادوا الإهانات؟
لما عدت من جديد لأعتبرها إهانة ؟
لأني لا أزال محصورة بفكر قديم. فكر عيب التعبير..
واقع طبيعي أن يشعر المرء بانجذاب قد لا يحمله الطرف المقابل. يرفضه الآخر فيبحث المرء عن شخص جديد. هذه هي الحياة.
لكني لا زلت محاصرة بداء العيب. فأنا أعيش بمنطقة عربية. لا زالت التناقضات تشغلني، في حريات جمة أحكي عنها وفي قيد أضعه بنفسي أمام تقاليد رجال العرب وشطحاتهم. وقيودي الذاتية كثيرة.
لعلي كنت أستمتع بدور المتلقية. ربما معجبة ببقايا ذكرى الفرسان. حيث الحب الأوروبي المشابه للحب العذري العربي القديم. رغم علمي بأن كليهما اختراعين من صنع شعراء الجزيرة العربية وشعراء إيطاليا.
*
المهم. كل ذلك كان ماضياً.
فأمور كثيرة تغيرت. لم أعد أريد حبا وحيداً مصمماً لتضييع الأوقات اليومية المملة لنساء زمان. ولا وقت لدي للانتظار فلست عاطلة. كما أني عملية لا أضيع الفرض الثمينة فلست غبية. اتخذت هذا القرار حديثاً، بعدما التقينا.
صرت أريد حبا آخر من طراز حديث. أغامر فأبدأه أنا، أياً كانت النتيجة.
كم تغويني هذه المغامرة بعدما كنت أعدها عاراً. اكتشفت واحدة من متع الرجال، الأسياد.
لا أحسب حساب تقاليد الحب. الحب ليس له تقليد. ولا وجود لعلاقة بين الفضيلة وبين صمتي وانتظاري.
*
أقرأ لنزار قباني قصيدته مع الجريدة. تتركه يذهب أدراج الرياح دون أن تقوم من مقعدها لتلحقه فتعلمه عن نفسها ووجودها. تشاهده يختفي وتبقى خلفه ساكنة. تبقى مثل جريدته وحيدة.
وأسمع أم كلثوم تغني:
حيرت قلبي معاك وانا بداري وخبي.. … بدي أشكيلك من نار حبي.. بدي أحكيلك على اللي في قلبي….
وتردد نهاية كل مقطع: وعزة نفسي منعاني.
لكننا لسنا في عصر نزار ولا أم كلثوم. بل في عهدنا، أنت وأنا. عهد بدايات جديدة، لا كرامة بها ولا عزة نفس في جمود عاشقة كسيرة وحيدة. السيدة فقط من تعلن عن نفسها. عن كل شيء. هذه هي الاتفاقية.
Albdairnadine@hotmail.com
• كاتبة سعودية
إن جئتك أصرح عن حبي