إلهام المانع تتحدث عن الحرية ووضع المرأة العربية وبشرية النص الديني:
نتحرر عندما نقرر أن نكسر الصمت وجدار الخوف في أنفسنا
حميد زناز
إلهام المانع أستاذة مشاركة في معهد العلوم السياسية في جامعة زيوريخ، كاتبة وناشطة حقوقية، وعضو في اللجنة الفيديرالية السويسرية لحقوق المرأة. ذات جنسية مزدوجة، يمنية وسويسرية، متزوجة من سويسري وأم لطفلة، وتقيم في سويسرا. لها مؤلفات بحثية وحقوقية بالعربية والإنكليزية والألمانية كما لها روايتان عن دار “الساقي” في بيروت، “صدى الأنين” 2005، و”خطايا” 2008. كتابها الأخير صدر بالإنكليزية في لندن عن “دار روتليدج” بعنوان “الدولة العربية وحقوق المرأة: فخ الدولة المستبدة”. معها هذا الحوار.
¶ الحجاب حمل لعبء قيم سائدة وأثقال تربية منغلقة ورمز ثقافة ذكوروية مريضة. في ندائك الشهير الموجّه إلى المرأة المسلمة “اخلعي الحجاب!” فجرتِِ قنبلة فكرية. ما دواعي هذا النداء الجريء في وقت يتصاعد فيه المد الاصولي بشكل غير معهود؟ وكيف يمكن المرأة أن تتخلص وحدها من هذه الاثقال؟
– كان النداء ضرورياً، ولا يزال. عرضتُ أكثر من مرة على طالباتي وطلابي في مادة الجندر والدولة العربية، التي أدرّسها، صوراً لحفلات تخرج في جامعة القاهرة، تحديداً منذ الخمسينات إلى وقتنا هذا (صورة لكل عقد). في الخمسينات لم تكن هناك إمرأة محجبة واحدة. كل الطالبات كنّ سافرات. في عام 2007 كل الفتيات باستثناء فتاة أو إثنتين كنّ محجبات. الحجاب إذاً تغيير اجتماعي تغلغل في عقولنا، اسست له إيديولوجيا دينية سياسية تقول للمرأة إنها عورة، فتنة، وإن عليها حماية الرجل من فتنتها. وإنها هي المسؤولة عن إغواء ذلك المسكين الضعيف. عليها أن تغطّي شعرها، جسدها، وحبذا لو اقتطعت من نقابها فجوةً لعينها اليسرى كي لا تغوي المسكين بعينيها الإثنتين! إنها إيديولوجيا تصرّ على أن الرجل حيوان مسعور، يلهث وراء لحم المرأة، لا يستطيع ان يسيطر على غرائزه. وحش يجب لجمه، واللجام هو حجاب المرأة. مسكينة هذه المرأة. إنها ليست كائناً في نظر هذا الاتجاه الديني، ليست إنساناً. ليست كائناً مستقلاً. هي جزء من رجل. عليها أن تطيعه، وإذا لم تطعه لعنتها الملائكة، كأن الله رجل. في طبيعة الحال، تلك الإيديولوجيا الدينية السياسية وجدت المناخ مهيأ لها في مجتمعاتنا منذ البداية، وخصوصاً أن مشروع “الحداثة” الذي تحمست له دول المنطقة بعد استقلالها، أخذ من الحداثة قشورها، ولفظ جوهرها. النتيجة هي ما نراه. إلى يومنا هذا، اعتدنا كثيراً على التأكيد أن مسألة الحجاب “شخصية”، تُترك للمرأة، هي التي تختار. على الأقل هذا ما يقوله تيار الإسلام السياسي عندما يكون خارج السلطة، لكنه، لحظة وصوله إلى السلطة، يحول المسألة “الشخصية” إلى مسألة “فرض”. يفرضها على المرأة رغماً عن أنفها. لم أفهم إلى يومنا هذا أي “خيار” تتمتع به المرأة من خطاب يقول لها “إذا لم تتحجبي فستحترقين في جهنم. والخيار بالطبع لك!”.
اقتناعي ان “الحجاب” مرآة لرؤية مجتمعية دونية للمرأة والرجل معها. هو جزء من “مشروع سياسي فاشي”، يسعى إلى قولبة المجتمع، والمرأة هي في صميم هذا المشروع. لحسن الحظ أن وصول حركات الإسلام السياسي إلى السلطة كشف القناع عن وجهها، وخصوصاً أن كل ما كنا نخشى أنها ستفعله، تفعله اليوم. حان الوقت لنزع ذلك الحجاب.
¶ ما هي في رأيك طرق تحييد الدين في العلاقة بين الرجل والمرأة؟
– تحييد الدين يبدأ بإصلاحه، وإصلاحه بصورة تكسر الدوائر المغلقة للتفكير. أو بعبارة أخرى تقتحم المجال المحظور التفكير فيه. إلى يومنا هذا عندما نتحدث عن القرآن نتردد في أن نُقر ببشرية القرآن. وأعني ببشرية القرآن تماماً ما تعكسه كلمة “بشرية”. القرآن كتبه بشر. النسخة التي تم إقرارها في عهد الخليفة عثمان بن عفان هي نسخة “رسمية للدولة”. أنا لا اقول ذلك لمجرد كسر المحظور. أقوله كي نتمكن من الخروج من الدائرة المفرغة التي ندور فيها منذ عقود، لأن القرآن هو كنيستنا. القرآن هو كنيسة الإسلام، وكي نتمكن من التحرر من كنيستنا، سيكون علينا أن نتحرر أيضاً من النص القرآني. كلما تحدثنا عن المرأة أشرنا إلى نصوص قرآنية. بعضنا يستخدمها ليؤكد ان الإسلام يحترم كرامة المرأة، والبعض الآخر يستخدمها ليؤكد أن عليها طاعة الرجل، وان الأخير قوّام عليها. في الحالتين، المرجع هو القرآن. عندما نقر ببشرية القرآن سيكون من السهل علينا أن نقول ببساطة، نعم هذا النص موجود في القرآن الكريم، لكنه لا يتماشى مع واقعنا اليوم. متى وصلنا إلى هذا الاقتناع سيكون من اليسير فصل الدين عن الدولة، لأن هذا الفصل هو الخطوة الأساسية لتحييد الدين في العلاقة بين الرجل والمرأة. حينها تُسَنّ قوانين للأحوال الشخصية لا تعتمد على القواعد الفقهية الدينية كمصدر.
¶ كيف تفسرين التشبث المرَضي بالماضي لدى العربي المسلم عموماً، وما رأيك على وجه الخصوص بمسلمي الغرب الذين يحاولون تديين الحضارة في وقت هم في أشد الحاجة إلى تحضير دينهم ليتماشى مع القيم المعاصرة؟
– من لا حاضر له يبحث عن وجوده في الماضي. غياب هذا الحاضر يتحمل مسؤوليته الكثيرون. الدولة المستبدة خلقت فراغاً سياسياً وفكرياً، ترك المجال لتغلغل تيارات الفكر الإسلامي السياسي؛ وغياب مشروع إصلاح سياسي وديني منذ نشأة الدولة الحديثة خلق دولاً كرتونية غير شرعية، تتحكم فيها نخبة، تعبّر عن مصالح اقلية في المجتمع. ولأنها تعرف أنها دول غير شرعية، تركت للأجهزة الأمنية العنان، فقتلت كرامة الإنسان في وطنه. هذا يأخذنا إلى موضوع مسلمي الغرب. معظم من هاجر إلى الغرب، خرج بحثاً عن حياة كريمة ومستقبل. الكثيرون وجدوا هذه الحياة. على رغم ذلك، نجد أن هناك بعض الجاليات المسلمة، عمدت إلى تحويل “الدين” إلى “هوية”، وامتزجت بهذه “الهوية” المستوردة إلى المدى الذي جعلها تعيش معزولة عن المجتمع المحيط بها. أقول المستوردة، لأنها لم تأخذ بالدين كما يعاش ضمن إطاره المجتمعي، بل كثيرا تتلقف قوالب فكرية تصدرها دولٌ خليجية. الأخطر، أن الفكر الديني السياسي، بصوره الإخوانية، السلفية، الجهادية، والشيعية، امتد إلى بعض الجاليات المسلمة، فنجده يُدرَّس كمناهج للأطفال في المساجد، وينشر في الحلقات الدينية، والكتب التي توزَّع، والخطب الدينية التي تُلقى كل جمعة. النتيجة هي تعامل بعض الابناء والبنات من هذه الجاليات مع الدول الغربية التي احتضنتها بمنطق “عداء وكراهية”. كأنها بقرة، يشربون ويشربن من حليبها، ثم تنهال أياديهن/م بالسكاكين في ما بعد لنحرها. المشكلة أن نمط السلوك نفسه الذي يلقي باللوم على الخارج في كل المشكلات التي نواجهها في حياتنا، يتكرر في أوساط تلك الجاليات. هناك إحساس دائم بأن المسلم والمسلمة “ضحية” ، وساهم في تعميق هذا الإحساس الاستخدام المتكرر لمصطلح “إسلاموفوبيا”. على رغم إدراكي لخطورة التيار اليميني المتطرف في العديد من الدول الأوروبية، إلا أن معظم الجاليات المسلمة تتعامل مع حكومات تعمل جاهدة على احترام حقوق الأقليات. القول بإن المسلمين والمسلمات “ضحايا” يتجاهل أن هناك مشكلات مجتمعية كبيرة وكثيرة يتسبب فيها بعض من أبناء وبنات الجاليات المسلمة – الزواج القسري للفتيات، جرائم الشرف، ختان البنات- كما يتجاهل مواقف هذه الجاليات من أوطانها الجديدة، وخصوصاً أن انتشار مد الإسلام السياسي بين هذه الجاليات جعلها تصر على أن ولاءها لـ”الأمة” وليس لبلدانها الجديدة، وتعيش في الوقت ذاته داخل غيتوات مغلقة. مثل هذا الوضع يعطي ذخيرة لحركات اليمين المتطرفة للقول بإن هؤلاء “الأجانب”، ليسوا فعلاً “منا”.
¶ “ولدنا أحرارا. الحرية ليست هبة. وحريتنا هي مسؤوليتنا. لذا كان مهما جدا أن نقرر. يجب أن نختار، ان نتخذ قرارا. وقرارنا هو المحك. هو الذي يحدد نوع الطينة التي بها جُبلنا. ولأننا أحرار كان قرارنا هو الفصل. لا خوف من عقاب، لا خوف من مجتمع، او حتى من الربّ. أحمق من يخشى غير نفسه”. بهذا البيان تختمين روايتك “خطايا”. كيف يمكن التحرر داخل ثقافة عربية إسلامية تخنق أنفاس الفرد وتعادي الحرية؟
– نتحرر عندما نقرر أن نكسر الصمت وجدار الخوف في أنفسنا، عندما نعبّر عن آرائنا كما نؤمن بها، عندما ننطق بها في كلمات واضحة ثم ندافع عنها. آنذاك فقط نتحرر.
¶ في كتابك الصادر بالالمانية “سأكسر جدار الصمت: الإسلام، الغرب، وحقوق الإنسان” 2009، قدمتِ رؤية عن إسلام إنساني يقوم على أربعة عناصر: الهوية، الحرية، إنسانية المرأة، وبشرية النص القرآني. هل يمكن في رأيك إصلاح الاسلام من دون المس بكنه الاسلام ذاته؟
– كنه أي دين هو علاقة روحانية مع قوة أكبر من الإنسان. لا أكثر ولا أقل. هذه العلاقة من الممكن ان تأخذ أشكالاً متعددة. فأيّ دين، أياً يكن هذا الدين، ما هو إلا وسيلة يستخدمها من يريد أن يؤمن. لذلك ليس هناك دين أفضل من دين آخر. كلها طرق، تصل بنا إلى الهدف نفسه. بكلمات أوضح، الإيمان يمكن أن يصل إليه الإنسان من خلال الأديان الإبرهيمية، اليهودية والمسيحية والإسلام، أو من خلال الأديان الهندوسية والبوذية، تماماً كما يمكن أن يصل إليه من دون دين. الدين ما هو إلا غلاف أو قشرة خارجية. أما المضمون فهو العلاقة الروحانية التي تربط بين الفرد والرحمن. كوني اقول ذلك يعني بداهة أني افترض أنه لا يوجد دينٌ كامل. ليس هناك دينٌ كامل. والإسلام أولها. الدين يصنعه الإنسان. كما أن الإنسان يصنع التغيير، فإنه هو من يجعل من الدين “سلاح كراهية” أو “غصن زيتون محبة”. هذه الرؤية للدين تتطلب حتماً التعامل معه بشكل “نسبي”، فكما أن كل شيء يتغير، يتغير الدين. وطالما ان الهدف هو تنظيم علاقة الإنسان بالخالق (إذا أراد هذا الإنسان ان يؤمن) فإن كل ما عداه يخضع للتغيير.
النهار
إلهام مانع: علينا أن نتحرر أيضاً من النص القرآنيمن الذي منعك من التحرر من النص الديني ؟ ومالذي سوف يترتب على تحررك ؟ لقد تحرر الكثير من قبلك فما الذي ترتب على ذلك ؟؟؟ ألم تتعبي من هذا الاجترار الممل الذي تكرريه في كل المناسبات ؟ ومن الذي منعك من التحرر ؟ انك تدرّسين طلابك في المعهد ( الجندر ) والجندر هو الغاء الجنس ، والابقاء على النوع ، لافرق بين ذكر وانثى ، وعليه فلا داعي للاسرة ولم يعد هناك اسرة ( زوج وزوجة ) هناك ( الشريك ) وقد يكون الشريك رجل أو امرأة ( الاعتراف بالمثلية واباحتها… قراءة المزيد ..
إلهام مانع: علينا أن نتحرر أيضاً من النص القرآنيهذه هي المره الأولى أحس بان الإسلام هو دين التجدد وذلك بقراءته لهذا المقال والشرح الذي حقاً هو ثوري ومحق! اعتقادي أن الإسلام وقف في القرن التاسع عن التقدم وتقوقع بعد ذلك بوجه واحد وهو النص الذي أوقف الإنسان المسلم من تقدم وتطور نجحت فيه الديانات الأخرى من معاشات الإنسان فتطورت هذه المجتمعات أما في الأصلاب فلقد تم سلب الكتاب لجماعه ما زالت متوقعه ولم تقدر أن تخرج عن الكتاب الى التطور. هذه الجماعه محبه السلطه فبقيت متمسكه بالنصوص في العصر الجاهلة لعصرنا هذا! اليوم أي مسلم مؤمن بدينه لا يسمحون له… قراءة المزيد ..
إلهام مانع: علينا أن نتحرر أيضاً من النص القرآني
أرجو توضيح كيف يريد المعلق الكريم ان يترجل المثقف الملحد من برجه العاجي حتى لا يكون نداؤه مجرد جعجعة كما بقول؟
إلهام مانع: علينا أن نتحرر أيضاً من النص القرآنيعملية اصلاح الدين ستأخذ وقتا طويلا جدا ، ربما يفنى من يطلق عليهم مسلمون من هذا الجيل قبل ان يتم اي اصلاح . وفي الحقيقة لامعنى للتحرر من النص القرآني واعتباره بشريا واعتبار ان الدين من صنع الانسان الا ان تكون انسانا تنكر وجود مفهوم الله الذي خلف اي دين سماوي كما يعتقد وهذا هو الالحاد وكملحد لماذا تهتم باصلاح الدين اصلا. ارى انه يجب التركيز على مخاطبة البسطاء على اعتبار ان الدين فكرا بشريا (تخيلي تمنوي) بسبب صعوبة الحياة والخوف من المجهول وليس من لدن قوة خارقة مقدسة قابعة بالسماء السابعة… قراءة المزيد ..