رغم أن إعدام السعودية للشيخ الشيعي نمر أثارت ردود فعل واسعة، فان الدافع الأساسي فيما يبدو من قيام السعودية باعدام عشرات المتشددين هو المخاوف من تزايد نفوذ المتطرفين السنة داخل المملكة، كما يرى محللون في تقرير لرويترز.
أثار إعدام السعودية لرجل دين شيعي غضبا طائفيا في مختلف أرجاء الشرق الأوسط. لكن بإعدام عشرات من المدانين بالانتماء لتنظيم “القاعدة” في الوقت نفسه توجه السعودية رسالة قوية مفادها أنها لا تتسامح مع التشدد السني في البلاد.
وكانت السعودية تعلم أن إعدام نمر النمر وثلاثة آخرين من الشيعة لتورطهم في عمليات قتل سياسي سيثير موجة غضب واحتجاجات في الخارج، لكن يبدو أن حساباتها للموقف أفادت أن العواقب ستكون تحت السيطرة، على الأقل داخل السعودية.
وسط تصاعد الاضطرابات في المنطقة وسلسلة من التفجيرات وعمليات إطلاق النار التي قتل فيها أكثر من 50 سعوديا منذ أواخر عام 2014 جاء إعدام السعودية لثلاثة وأربعين جهاديا بمثابة تحذير بأن الدعم الداخلي للجماعات السنية المتشددة سيسحق.
وقال عوض القرني وهو رجل دين سني بارز يساند الحكومة في مواجهة الجهاديين على حسابه على موقع تويتر للتواصل الاجتماعي يقول إن الاعدامات كانت “رسالة للعالم وللمجرمين بأنه لا تفريط في مبادئنا ولا تهاون في أمننا”.
وتنظر أسرة آل سعود الحاكمة في السعودية إلى اتساع النفوذ الإيراني الشيعي في الشرق الأوسط باعتباره تهديدا لأمنها ولطموحها بلعب دور رائد بين الدول العربية. لكن في داخل المملكة فإن تهديد تمرد الأغلبية السنية هو ما يقلق الأسرة الحاكمة التي يستند حكمها على تأييد المحافظين في الداخل وتحالفات مع الغرب.
وكانت جميع التهديدات التي تعرضت لها أسرة آل سعود في الماضي من تمرد قبلي في عشرينات القرن الماضي إلى أعمال شغب في الستينات واحتلال الحرم المكي في عام 1979 واحتجاجات في التسعينات ناتجة عن غضب سني من التحديث أو العلاقات مع الغرب. لذلك كان صعود تنظيم القاعدة الذي بدأ في عام 2003 ومهاجمته لآل سعود عن طريق تأليب السلفيين السنة المحافظين ضدها يمثل خطرا كبيرا.
ولهذه الأسباب أيضا يمثل تنظيم “الدولة الإسلامية” السني مشكلة هو الآخر. ويبدو ان تنظيم “الدولة الإسلامية” لا يحظى بتأييد كبير بين السعوديين، لكن البعض يتعاطف مع أهدافه العريضة ويقر أسلوبه الخطابي المناهض للشيعة وللغرب وانتقاده للفساد بين آل سعود.
التركيز على المتشددين السُّنة
وبإعدام مفكري تنظيم القاعدة ومقاتليه كانت الرياض تظهر تصميمها على سحق التأييد للتشدد. وبقتلها أربعة من الشيعة- الذي اغضب إيران- كانت تبلغ المحافظين السنة انها ما زالت تقف بجانبهم.
وتعتقد السعودية أنها لا تواجه تهديدا ماديا بشن الهجمات وحسب بل تواجه أيضا معركة فكرية مع تفسير منافس للإسلام السلفي..هذه الفكرة اكتسبت قوة بتركيز وسائل الإعلام الرسمية على فارس الشويل الزهراني بين من تم إعدامهم.
وقدمت وسائل الإعلام الرسمية السعودية الزهراني – وهو رجل ملتح ويستخدم نظارات طبية ومسجون منذ عام 2004- بصفته المنظر الرئيسي لتنظيم “القاعدة” في سلسلة من الهجمات على مجمعات سكنية للأجانب ومراكز الشرطة والمنشآت النفطية التي أودت بحياة مئات الأشخاص.
ويعد التكفير أحد الأعمدة الرئيسية للإسلام السلفي. ويقول الجهاديون إن أي مسلم يستطيع وصم الآخر بأنه كافر وهو ما يختلف مع المذهب الوهابي السائد في السعودية حيث لا يسمح لأحد بممارسة التكفير إلا المؤسسة الدينية المعينة من قبل الدولة.
هذا الخلاف وغيره أثار عداء شديدا بين المؤسسة الدينية الرسمية في المملكة -التي تدير المحاكم الشرعية التي قضت بإعدام 43 من أعضاء تنظيم القاعدة يوم السبت – والمنظرين الجهاديين الذين يعتبرون هدفهم الرئيسي أسرة آل سعود.
وقال برنارد هيكل أستاذ دراسات الشرق الأدنى في جامعة برنستون “الرأي الرسمي هو أن هؤلاء الأشخاص متطرفون وضالعون في تكفير مسلمين آخرين وعصيان ولي الأمر وبث الفتنة والفساد في الأرض ولذلك فهم خارج نطاق الإسلام السني.”
التوزان الطائفي
وساوت وسائل الإعلام السعودية بين الزهراني وهو جهادي سني والنمر وهو شيعي باعتبارهما “من المحرضين على العنف والارهاب” وهو ما فعلته أيضا صحف الصباح الصادرة اليوم الأحد.
كانت هذه محاولة فيما يبدو من جانب الحكومة لطمأنة السنة المحافظين بأن عمليات الإعدام التي جرت أمس السبت لا تعني أن الرياض ستكف عن مناصرة طائفتهم ضد ما تصفه بالعدوان الشيعي في أنحاء الشرق الأوسط.
وقال هيكل “في اعتقادي ان إعدام الشيعة كان غلافا ملائما للغاية”. واضاف انه بينما لا يرى آل سعود في الأقلية الشيعية خطرا داهما عليهم – مقارنة بالجهاديين- فإن إعدام بعضهم ساعد في تجميع القاعدة المحافظة للأسرة الحاكمة”.
رويترز